المال العام يشكل 85 بالمائة من موارد العصبة الاحترافية والحاجة أصبحت ملحة للاجتهاد أكثر
أنهت الأندية المغربية الثلث الثاني من منافسات الدوري الاحترافي الأول، وتتهيأ لدخول الخط المستقيم المؤدي إلى نهاية موسم كروي لم يقدم ما كان منتظرا منه، على الأقل حتى الآن، حيث غاب التنافس، اللهم في لقاءات معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة.
فبعد انصرام عشرين دورة، ومن خلال تصفح بسيط لجدول ترتيب الأندية، يتبين أن الصراع على اللقب انحصر قبل دورات بين الغريمين التقليديين الرجاء والوداد، فيما تنافس باقي الأندية على تفادي السقوط. ومن بين هذه الفرق المتبقية، يبدو أن خمسة فرق فقط هي التي تمتلك القدرة على المنافسة على المركز الثالث المؤدي إلى المشاركة القارية، ونخص بالذكر الدفاع الجديدي والمغرب الفاسي، المحتلين للمركز الثالث برصيد 29 نقطة، وخلفهما مباشرة تأتي فرق نهضة بركان والجيش الملكي والفتح الرباطي بمجموع 28 نقطة.
وحتى إذا أردنا أن نوغل في التفاؤل سنجد هذه الفرق متخلفة عن الوداد البيضاوي، صاحب الرتبة الأولى بـ 14 و15 نقطة على التوالي، وبالتالي فإذا أرادت أن تصعد لمزاحمة الفريق الأحمر، يتعين عليه أن ينهزم في خمس مباريات وأن تنتصر هي في العشر مباريات المتبقية، وهو أمر يصعب حدوثه، كما أن هذه الفرق مازالت معنية بخطر النزول، لأنها لا تبتعد عن الرتبة 15 المؤدية إلى القسم الثاني، حيث يتواجد أولمبيك آسفي، سوى بثماني أو تسع نقط في أحسن الأحوال.
إن خريطة ترتيب الدوري الاحترافي تقدم لنا صورة بئيسة عن واقع التنافس الكروي المغربي، واقع يؤكد بالملموس حاجة الأندية الوطنية إلى فكر استثماري، وليس فكرا انتفاعيا محضا. فأغلب أندية الدوري الاحترافي تعيش على الدعم العمومي، الذي تشكل نسبته 85 بالمائة من مجموع الموارد المالية لأندية الدوري الاحترافي – باحتساب الشركات الوطنية المحتضنة للفرق – فعلى سبيل المثال نجد أن الفتح الرباطي والجيش الملكي يسيران بالمالي العام بشكل شبه كلي، وبعدهما تأتي أندية الدفاع الجديدي وأولمبيك آسفي وأولمبيك خريبكة وسريع وادي زم، وإذا اعتبرنا أن منحة النقل التلفزي تأتي من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، نجد أن ميزانيات الغالبية العظمى للفرق المغربية تتغذى من المال العام، الأمر الذي يسائل مكاتبها المسيرة، التي عجزت لحد الآن عن إيجاد موارد مالية بديلة بإمكانها أن تنمي المداخيل بما يمكن أن ينعكس على المنتوج الكروي العام.
لقد أفرز لنا هذا الوضع مسؤولين كرويين بلا مبادرات، يفضلون خلق «البوز» بتصرفات صبيانية لا تليق بحجم فرقهم المتجذرة في التاريخ الكروي الوطني، وهنا نستحضر تصريحات رئيس شباب المحمدية، الذي ظهر في لقاء فريقه أمام الوداد خارج النص، ومثيرا للشفقة، عندما قال بالحرف إن الوداد استحق الفوز على فريقه، وبالتالي فإن نقط الانتصار «مامشاتش فخلا» كناية وضدا في جماهير الرجاء الرياضي، بسبب التحامل الذي كثيرا ما أظهره للفريق الأخضر، وظهر في «حروب بالوكالة» لاستمالة رضا مسؤولي الوداد. مثل هؤلاء المسؤولين يفتقرون إلى الأفكار لدرجة أنه الغالبية العظمى منهم من تحولوا إلى مجرد منفذين، يحرصون على دعم أفكار رؤسائهم، وتحرروا من قوتهم الاقتراحية فباتوا مجرد ديكورات يؤثثون فضاءات الجموع العامة، ويكتفون برفع الأيادي عند التصويت، الذي يكون في الغالب بالإيجاب، لأنهم لا يتوفرون على الجرأة للجهر بالعيوب والنقائص وينتفضون لتصحيحها.
إن واقع كرة القدم الوطنية يبعث على الشفقة، لأن فرقنا أصبحت تجد نفسها مضطرة عند كل خصاص مالي إلى تسريح نجومها، فعلى سبيل المثال فريق الرجاء، وعندما استفحلت أزمته المالية لجأ إلى تسريح نجومه بدر بانون وسفيان رحيمي وبين مالانغو إلى أندية الخليج، وحقق ما يناهز تسعة ملايير سنتيم، عاش بها لموسمين، ونفس الأمر بالنسبة للوداد، الذي تخلى عن بنشرقي وأوناجم ووليد الكرتي وغيرهم، وقس على ذلك باقي الأندية الوطنية، بل إن عددا من اللاعبين قد وجدوا أنفسهم منافسين لفرقهم السابقة، كما هو الحال بالنسبة لبنشرقي وأوناجم رفقة الزمالك المصري، عندما واجهوا الوداد، الأمر الذي يجعل العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، ورئيسها سعيد الناصري، مدعوان إلى التفكير في كيفية تنمية الموارد المالية ورفعها، بشكل يجعل للأندية الوطنية في بحبوحة، خاصة في ظل تواجد هذا الكم من الأموال العمومية.