بعد سنوات من الترميم والجدل.. مسجد السنة بالدار البيضاء يفتح أبوابه قريبا

أفادت المديرية العامة لقسم الترميم والصيانة بالدار البيضاء التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن أشغال ترميم مسجد السنة بعمالة مقاطعات الفدا مرس السلطان بالدار البيضاء ستنتهي قبل شهر رمضان المقبل.
وكانت أشغال الترميم التي ابتدأت سنة 2021 موضوعا للتنديد الذي عبر عنه البيضاويون وكذا مجموعة من المهتمين بالتراث الهندسي والمعماري للمدينة والفاعلين الجمعويين الذين انتقدوا هذه الأشغال معتبرين أنها هدم للتراث البيضاوي واعتداء عليه.
هذا المسجد الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1968 والموجود بشارع 2 مارس، يعتبر معلمة عمرانية وعلامة بارزة للدار البيضاء اعتمد في بنائه مهندسه الفرنسي جان فرانسوا زيفاكو، (مهندس مجسم الكرة الأرضية أيضا) بالتعاون مع مهندس الملك الراحل الحسن الثاني، ايميل ديهون، على هندسة معمارية مميزة، كما يعتبر حسب مهتمين بالتراث المعماري البيضاوي، شهادة بارزة للتيار الهندسي الخرساني بالمغرب.
الأشغال التي امتدت أكثر من ثلاث سنوات أغضبت الساكنة المقيمة بالجوار التي حرمت من أداء الصلاة خصوصا صلاة الجمعة والتي طالبت بإعادة فتحه أمام المصلين الذين يتوافدون عليه من أحياء كثيرة مجاورة له، كرياض العالي، وحي المسجد، والورود، ودرب الفقراء، وسيدي معروف وغيرها، والذين يضطرون خلال كل شهر رمضان إلى بناء خيمة كبيرة لأداء الصلوات قربه.
وكانت جمعية «كازا ميموار» المهتمة بالتراث الهندسي والمعماري بالمدينة قد انتقدت بقوة أشغال ترميم هذه المعلمة وذلك بعد انتشار صور توثق عملية هدم جدران المسجد وإعادة بناء بعضها، معتبرةً أنها تمثل «اعتداءً غير مبرر على التراث البيضاوي»، مشيرة إلى أن مسجد السنة يُعد شهادة بارزة على التيار الهندسي الخرساني بالمغرب، ورمزًا للمعاصرة والتنوع الثقافي. وأكدت الجمعية أن المسجد يشكل حجر الأساس ضمن ملف تقديم مدينة الدار البيضاء للائحة التراث العالمي لليونسكو، والتي تتبنى شعار «الدار البيضاء مدينة القرن العشرين، ملتقى التأثيرات»،متسائلة عن مدى جدوى الجهود المبذولة للحفاظ على التراث إذا كان يمكن بسهولة هدم معالم مثل مسجد السنة، ودعت السلطات إلى فتح تحقيق في الأمر.
بعد هذا الانتقاد الصارم لعمليات الترميم أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حينها بيانا أكدت فيه أن عملية ترميم مسجد السنة تعتمد على الحد الأدنى من التدخل، وعدم تشويه معالمه الهندسية أو التراثية موضحة أن الأشغال تركزت على ترميم السقف الذي بات يشكل خطرا بسبب تآكل الخرسانة وتشبعها بالمياه، مع الحفاظ على التصميم الأصلي للمسجد، وأضافت أن خبراء ومكاتب دراسات مختصة أكدوا أن جزءاً من السقف، خاصة القسم المخصص لصلاة النساء، كان متهالكاً وآيلاً للسقوط، مما استدعى هدمه وإعادة بنائه بطريقة تراعي معايير ترميم المعالم التاريخية.
الجدل حول ترميم المسجد عكس توترا دائما بين الحفاظ على الموروث التاريخي وبين متطلبات الأمان والسلامة، خاصة في المباني التي تمثل قيمة تاريخية وثقافية. وبينما تبرر الجهات الرسمية قراراتها بالحفاظ على سلامة المصلين وتأمين بنية مستدامة للمسجد، يشدد المهتمون بالتراث على أهمية احترام خصوصية المعالم التاريخية والالتزام بطرائق ترميم دقيقة تحافظ على طابعها الأصيل.
ومع اقتراب موعد انتهاء الأشغال، قبيل حلول شهر رمضان، يظل السؤال مفتوحاً حول كيفية تحقيق التوازن بين حماية التراث وضمان سلامة المستخدمين، مع الحفاظ على قيمة معمارية تمثل جزءا من تاريخ مدينة الدار البيضاء وهويتها الثقافية.
هذا الجدل الذي أثير حول ترميم المسجد، يسلط الضوء على نقص الوعي العام بأهمية المعالم التاريخية في الدار البيضاء، فرغم أن مسجد السنة يعتبر نموذجا بارزاً للعمارة الخرسانية والحداثية التي شهدتها المدينة في منتصف القرن العشرين، إلا أن الكثير من سكان المدينة لم يتعرفوا على قيمته الرمزية والمعمارية إلا بعد إثارة الجدل حول الترميم، ويشير بعض المهتمين إلى ضرورة تعزيز الثقافة العامة حول التراث المعماري للدار البيضاء، عبر إدراج هذه المعالم ضمن المسارات السياحية وتنظيم فعاليات توعوية للحفاظ على هوية المدينة.
علاوة على ذلك، أظهر ملف ترميم المسجد غياب التنسيق المسبق بين السلطات وممثلي المجتمع المدني والمتخصصين في الهندسة والتراث، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى جدية التعامل مع هذا النوع من المشاريع التي تمس ذاكرة المدينة وتاريخها. ويدعو خبراء إلى وضع بروتوكولات واضحة وصارمة لأعمال الترميم، تضمن إشراك كافة الأطراف المعنية، من مهندسين ومؤرخين وفاعلين جمعويين، لتجنب حدوث مثل هذه التوترات في المستقبل وضمان الحفاظ على الطابع الأصيل للمعالم التاريخية.


الكاتب : خ- مشتري

  

بتاريخ : 08/01/2025