بعد طول انتظار وترقب… الفيلة تقود رحلة عودة حديقة عين السبع إلى الواجهة

وصلت، منذ أوائل أبريل الجاري، إلى حديقة الحيوانات بعين السبع، أولى الحيوانات التي ستؤثث فضاءات هذه الحديقة التي تعتبر من بين أقدم أماكن الترفيه بالعاصمة الاقتصادية، وأظهرت فيديوهات بثها مسؤولو الحديقة، وصول شاحنات كبيرة تحمل فيلين ضخمين قادمين من حديقة “باراديسا” الأوروبية، الفيلين، حسب أحد القائمين على الحديقة، تأقلما بشكل سريع وملفت مع بيئتهما الجديدة، حيث تم استقبالهما في فضاء طبيعي فسيح يضم بحيرة مائية، داخل فضاءات تحاكي بيئتهما الأصلية، وقد تم نقلهما عبر رحلة خضعت لشروط صحية وبيطرية صارمة، مع إشراف بيطري دائم لمراقبة تكيفهما مع المناخ المحلي وظروف العيش الجديدة .
بدوره عبّر غيرت ويناندز، مدير شركة “كروس بوردر أنيمال سيرفيس” المسؤولة عن النقل، عن ارتياحه للظروف التي مر بها نقل الفيلين وقال: “قمنا اليوم بتسليم فيلين إلى حديقة الدار البيضاء، وقد جرت العملية في أفضل الظروف. نحن فخورون بالنتيجة المحققة.”.
وستحتضن الحديقة أكثر من 300 حيوان يمثلون 45 نوعا مختلفا، سيتم توزيعهم على ثلاث مناطق رئيسية تُجسّد القارات الثلاث: إفريقيا، آسيا، وأمريكا. وستضم الحديقة مجموعة متنوعة من الحيوانات، من بينها أسود ونمور وفيلة ودببة وزرافات وقرود وطيور نادرة، بالإضافة إلى الزواحف والأسماك، وكل ذلك داخل فضاءات صممت بعناية لتُحاكي بيئاتها الطبيعية الأصلية، حرصا على ضمان رفاهية الحيوانات وتعزيزا لوعي الزوار بالقضايا البيئية.
كما تضم، إضافة إلى الأماكن المخصصة للحيوانات، فضاءات مخصصة للراحة والأنشطة الترفيهية، من بينها ضيعة بيداغوجية للأطفال، فضاءان للنزهة، مطعم، متجر للهدايا، ومصحة بيطرية حديثة، لكن رغم كل ما تم إنجازه لتهيئة الحديقة وإعادة تأهيلها، فإن هذا المشروع الذي رصدت له ميزانية ضخمة فاقت 25 مليار سنتيم، ساهمت فيها كل من وزارة الداخلية، مجلس مدينة الدار البيضاء، وجهة الدار البيضاء-سطات، لم يخل إنجازه من عراقيل، فقد تحدثت عدة تقارير عن صعوبات لوجستيكية، من بينها تأخر بعض الأشغال المرتبطة بالمرافق الصحية والممرات، إضافة إلى تأخر في التوصل بدفعات حيوانية جديدة بسبب التعقيدات المتعلقة بالإجراءات الجمركية وشهادات السلامة الصحية، كما كانت رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، خلال أشغال الدورة العادية لشهر أكتوبر، قد أرجعت سبب عدم افتتاح الحديقة إلى وجود عجز مالي كبير يتجاوز 20 مليون درهم، بالإضافة إلى تكلفة شراء الحيوانات التي تصل إلى 50 مليون درهم.
المبلغ المشار إليه أعلاه، والذي تم رصده لإعادة تأهيل الحديقة، أثار جدلا واسعا بين المتتبعين حول أوجه صرفه خصوصا بعد أن تم تأجيل مواعيد الافتتاح أكثر من مرة كما أن الأشغال داخلها لم تنج هي الأخرى من شبح التأجيلات الذي مس عدة مرافق بها .. من جهة أخرى تخوف فاعلون بيئيون من ظروف استقبال بعض الحيوانات، مشيرين إلى أن تكون بعض الأنواع غير مؤهلة للتأقلم مع المناخ المحلي، مما قد ينعكس على صحتها وسلوكها، خصوصا تلك القادمة من مناخات باردة أو غابات استوائية.
هذا وقد تم إسناد تدبير الحديقة إلى شركة «دريم فيلاج “الخاصة بموجب عقد تدبير مفوّض، وهو النموذج الذي بدأ يتوسع في تدبير عدد من المرافق العمومية بالدار البيضاء. ويُلزم هذا العقد الشركة بالإشراف الكامل على الصيانة، النظافة، تنظيم الأنشطة، وتقديم تجربة سياحية راقية وفق المعايير الدولية.
وفي الوقت الذي عبّر العديد من المواطنين عن فرحتهم بقرب افتتاح الحديقة، لم يُخفوا تخوفهم من ارتفاع أسعار التذاكر، والتي حُددت في 80 درهما للكبار و50 درهما للأطفال، مع حديث عن زيادات مستقبلية، واعتبر بعضهم أن هذه الأسعار قد تحرم شريحة واسعة من العائلات من زيارة الحديقة، خصوصا في الأحياء الشعبية المجاورة التي كانت تستفيد من الحديقة القديمة بأسعار رمزية.
في انتظار فتح أبوابها بشكل رسمي، تبقى حديقة عين السبع فضاء ترفيهيا رسخ منذ تدشينه قبل 80 سنة لثقافة الترفيه الطبيعي لدى أجيال من البيضاويين حيث كانت الحديقة، بالنسبة للكثيرين، أكثر من مجرد فضاء للفرجة، كانت جزءا من طقوس الطفولة، وموعدا ينتظره الأطفال بشغف خلال العطل المدرسية والرحلات العائلية، حيث كانت تلك الزيارات أول احتكاك لهم بالحيوانات المختلفة التي كانت تضمها الحديقة، ولا يمكن أن ينسى البيضاويون زئير الأسد العجوز الذي كان صوته يتجاوز أسوار الحديقة ليصل الأسماع على بعد مسافات بعيدة…
غياب الحديقة لسنوات، بفعل الإغلاق والتأخر في الأشغال، جعل أجيالا من البيضاويين خصوصا الساكنة المجاورة لها بأحياء عين السبع والحي المحمدي والبرنوصي وغيرها يفتقدون ذلك الرابط العاطفي مع فضاء ترفيهي ميز طفولتهم وتلاشت صور الحيوانات البرية من ذاكرتهم لتبرز تساؤلات مشروعة: هل يمكن أن تعود الحديقة بنفس الروح التي عرفناها؟ أم أن عودتها المرتقبة ستكون مشروطة بأسعار وخدمات قد لا تكون في متناول الجميع، مما يحولها من فضاء شعبي مشترك إلى مشروع نخبوي موجه لفئة محددة؟


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 16/04/2025