ونحن على عتبة مغادرة السنة الدراسية الحالية 2018-2019،سيكون قد مضى نصف عقد منذ اطلاق مخطط الرؤية الاستراتيجية (2015-2030)، الذي تم تصميمه لإصلاح أهم الأعطاب التي تعاني منها المدرسة العمومية ، بل أن المشاكل التي راكمتها منذ فجر الاستقلال حتى الآن أوصلت المدرسة المغربية إلى مستوى غير مسبوق من التدني ، وتبوأ تعليمنا مراتب جد متدنية ، ليس بالنسبة للدول المتقدمة فقط ، بل ومقارنة مع دول عربية لا يبلغ دخلها الخام مستوى دخل المغرب ،وبعضها تعيش ظروف سياسية جد صعبة كفلسطين مثلا.
الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التعليم في بلادنا والتي قرر لها عقد ونصف وأموال محترمة ، يبدو أنها ستسلك نفس مسار مخططات الإصلاحات السابقة. آخر مخطط للإصلاح والذي راهنت الحكومة عليه لإخراج المنظومة التعليمية من مستنقع الرداءة ، كان المخطط الاستعجالي . هذا المخطط ارتكز على مبدأين أساسين.المبدأ الأول يقوم على التخطيط المبرمج الذي يتسم بالتدقيق ، والتركيز ،الانتقائية ،الفاعلية، الإجرائية والبراجماتية والقابل للتنفيذ. والمبدأ الثاني يرتكز على التنفيذ الفوري للبرامج ، والتسريع في تطبيقه ، وترجمته ميدانيا وواقعيا دون تأجيل أو تأخير. لكن مع الأسف هذا المخطط الذي اعتبر حينها ميثاقا وطنيا ثانيا للتربية والتكوين ، لم يحقق سوى اهدار المال العام. المال المهدور تتبع قضاة جطو أثره وعدوه عدا، بينما بقيت المنظومة تدور في حلقة مفرغة ، وتكرس نفس المشاكل ونفس الاحباطات السابقة ، مما جعل المواطن المغربي يهجرها هجرا جميلا مرغما، ليلحق أبناءه بالتعليم الخصوصي على الرغم من أن سواد الأمة من المغاربة لا تستطيع قدراتهم المادية تحمل التكاليف الباهظة لهذا الكائن الذي يقتات على جثة المدرسة العمومية.
في ظل هذا السياق ،جاء ت الرؤية الحالية الموسومة بالاستراتيجية لإنقاذ المدرسة العمومية، و تجاوز الثغرات، بل والأخطاء الفادحة المرتكبة في حق المنظومة والتي أدت بها إلى شلل شبه تام باعتراف أعلى سلطة في البلاد. السؤال الذي يطرح نفسه على المتتبعين للشأن التربوي في بلادنا ، سواء أكاديميين مختصين أو أباء ، هو هل ستتمكن هذه الرؤية التي يعلق عليها الكل الآمال العراض من الوصول بتعليمنا إلى بر الأمان ، أم أننا سننتج نفس الأخطاء ونقع في نفس المطبات ، لنعلن في الأخير أننا في حاجة إلى مخطط أخر جديد يصلح ما لم تتمكن الرؤية الاستراتيجية من اصلاحه ؟
ما جعلني أخشى على مستقبل هذه الرؤية وأطرح هكذا سؤالا ، هو التصريح الذي خرج به الوزير الأول مؤخرا ، يقر فيه أمام ممثلي الأمة بصعوبة اصلاح منظوتنا التعليمية ، رادا سبب هذا العجز إلى أن قطاع التربية والتكوين في المغرب، يعاني من مشاكل بنيوية عميقة وقديمة ، راكمها نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات السابقة.
ما الذي يعنيه المسؤول الأول في السلطة التنفيذية بهذا التصريح ، أنه يعني بكل بساطة أننا أمام معضلة بنيوية يعاني منها الجسد التعليمي ، معضلة يعترف فيها المسؤول الحكومي بعدم إمكانية تحقيق الإصلاح والعلاج الناجع لمنظومتنا التعليمية. هذا القول يجعلنا نستنتج دون عناء أن العشر سنوات المتبقية من عمر الرؤية الاستراتيجة لاصلاح التعليم، ستتوج وأتمنى ان أكون على خطأ، بالفشل لتلتحق بنعش الإصلاحات السابقة.
أصل في نهاية هذه الورقة إلى سؤال آخر والذي طرحه ويطرحه المغاربة بغصة وحرقة، هذا السؤال هو :هل حقا يستحيل اصلاح منظومتنا التعليمية ، وهل نحن على أبواب عهد جديد نعلن فيه نهاية ما يسمى المدرسة العمومية، ليبدأ عهد خوصصة القطاع بشكل نهائي ؟
طبعا السؤال كبير وتحتاج الإجابة عنه إلى عزائم المختصين وأقلام المفكرين لتقدم لنا الوصفة العلاجية الناجعة التي بإمكانها أن تخرج الجسد التربوي من غرفة الإنعاش ، بل وعلاجه بشكل تام لينهض بالمهام المنوطة به، لأن أمة بتعليم منهزم ستظل منهزمة إلى أن يتماثل تعليمها للشفاء .
وإذا كان السؤال كبيرا وثقيلا كما أسلفت ولا يمكن لكاتب مقال مثلي أن يحيط به من كل جوانبه، ففي تقديري أن الإصلاح لا يمكن أن يخرج عن الاهتمام بمداخل ثلاثة:
– المدخل الأول ، هو الاهتمام بالموارد البشرية ليس فقط ماديا، بل يجب تأهيلها بما يكفي معرفة ومهارات حسب ما تتطلبه المتغيرات المعرفية البيداغوجية والتربوية التي يشهدها العصر. إعادة المكانة الاجتماعية المتميزة للأستاذ لأن أمة تحتقر رجال تعليمها، لن يحققوا لها شيئا ، فالذي يشعر بالاحتقار والتهميش لن ينفع أبناء الأمة في شيئ.
-المدخل الثاني الاهتمام بمنظومة البرامج والمناهج ، والقطع مع النمط الكلاسيكي الذي لا يزال سائدا في المدرسة المغربية ، الذي يفرخ لنا جحفلا من المتعلمين معطوبين لا قدرة لهم على الابداع ولا علاقة لهم بسوق الشغل. المدخل الثالث ، لا بد من أرادة سياسية ووضع حد للسياسات المزاجية.
* كاتب وروائي