بعد مشاركته المميزة في فيلم «هشتاغ»: الأستاذ خالد هجلي: لازلنا بعيدين عن المستوى الذي يجب أن يلعبه الفن عموما والمسرح والسينما والموسيقى بمناهجنا التعليمية

خالد هجلي أستاذ مادة الفلسفة منذ 25 سنة، وأحد أبرز مؤسسي نادي الإنصات والدعم النفسي والتربوي بثانوية ابن الهيثم بفاس منذ 2008 حيث اشتغل على العديد من الحالات النفسية إنصاتا وتوجيها نحو صيغ علاجية بتعاون مع متخصصين سواء كأطباء أو كهيآت محلية أو جهوية، هذا ناهيك عن تكوينه ككوتش ممارس وعشقه اللامتناهي لميدان الكوتشنيغ، من أدواره الطلائعية في السينما دوره كطبيب نفسي في فيلم»هاشتاج»وهو عمل مشترك مغربي مصري الجريدة حاورته، فكانت الورقة التالية:

– تم منحكم من طرف أحد النقاد المهتمين جائزة الأوسكار التربوي عن أحسن أداء في فيلم هاشتاج. كيف استقبلتم هذا التوصيف؟
– بداية أتوجه بجزيل الشكر والتقدير لشخصكم الكريم على كرم ضيافتكم لي بهذا المنبر الثقافي المتألق، ومن خلالكم نوجه عميق امتناننا إلى كل الساهرين على هذه الجريدة الغراء، جريدة «الاتحاد الاشتراكي»التي تشكل جزءا من ذاكرتنا و فكرنا وثقافتنا على امتداد عقود من التميز والعطاء.
بصراحة هذا التوصيف بجائزة الأوسكار عن أحسن أداء تربوي من خلال دوري بالفيلم التربوي هاشتاغ شكل بالنسبة إلي أجمل هدية وأروع تحفيز تلقيته خلال مطلع سنة 2021، وهو في الحقيقة تتويج لكل العاملين بهذا الفيلم بدون استثناء، وتتويج للعلاقة الانسانية قبل الفنية التي جمعتني بهذا الفريق الرائع من إداريين وأساتذة وفنيين وطلبتي الأعزاء، وبصفة خاصة لروعة العلاقة مع المخرج الأستاذ كريم عصارة الذي أصر رغم كل شيء على أن أكون جزءا من فريق هاشتاغ، وقدم لي كل سبل الدعم على أن أكون في مستوى هذا التوصيف، تشريفا لكل مدرس مبدع بوطننا الحبيب، وعاشق للسينما و للفن عموما.

– الفيلم التربوي»هاشتاج» عمل مشترك مغربي مصري كيف كان الاشتغال كفريق؟
– صحيح، هاشتاغ هو ثمرة مسافة فنية وإبداعية ممتدة بامتداد أواصر المحبة والتعاون بين المغرب والجمهورية العربية المصرية الشقيقة، في شخص الأديبة والناقدة الدكتورة إيمان الزيات، التي تفضلت بمنحنا قصة الفيلم بدون قيد أو شرط، ما عدا شروط الإخاء والمحبة والإبداع، والتي رافقت عملنا عن بعد خطوة خطوة بفكرها ومشاعرها، وشكلت بحضورها الأنيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي دفقة إنسانية راقية للغاية، جعلت فريق هاشتاغ طيلة أربعة أشهر من العمل المتواصل، والمناقشات المستمرة، والتشاور البناء من أن يعيش كأسرة واحدة. في البداية كان مشروع الفيلم حلما راود قلوبا ثلاثة، ثم صار رحلة إبداعية شكلت داخل الثانوية التأهيلية ابن الهيثم بفاس تجربة إنسانية بكل ما في الكلمة من معنى، تقاسمنا فيها أفكار وأحاسيس، مخاوف وطموحات، ولحظات من الشك وأخرى من اليقين، ما أثارني في هذا الفريق بكل صراحة هو الانخراط الوجداني والفكري لثلة من خيرة تلاميذ الثانوي التأهيلية ابن الهيثم، وروح الانضباط والالتزام التي تحلوا بها طيلة فترات إنتاج هاشتاغ، وتشبعهم بسيناريو الفيلم الذي عايشوه باندماج كلي، وهنا لا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى السيد مدير الثانوية التأهيلية الأستاذ محمد زاكور بشخصه ومنصبه على دوره الفاعل ضمن فريق العمل كمنتج منفذ، وإلى المتألق أخي وحبيبي الأستاذ حميد المنيعي كمساعد مخرج ومستشار فني، وإلى الفنان الهادئ والأنيق الأستاذ عبد السلام لحرش على لمسته الموسيقية الساحرة والموحدة، وإلى الأستاذة البشوشة رجاء اليوسفي التي شكلت مصدر حنان واحتواء لكل التلاميذ الذين شاركوا في هذه الملحمة الفنية هاشتاغ.

– لعبتم دور الطبيب النفسي في مصحة للمدمنين، هل شخصتم الوضع قبل تقديم العلاج؟
– هذا سؤال دقيق للغاية، لحظة توصلي بالقصة والسيناريو من طرف المخرج الأستاذ كريم عصارة لم تكن لحظة عادية أبدا، فقد استحضرت وأنا أطالع مكونات السيناريو كل تجربتي بهذا المجال، أولا كأستاذ لمادة الفلسفة منذ 25 سنة، بقراءاتي لنصوص ومراجع سيكولوجية سواء على مستوى السيكولوجيا العامة أو التحليل النفسي بمختلف تياراتهما، وثانيا كأحد أبرز مؤسسي نادي الإنصات والدعم النفسي والتربوي بثانويتنا منذ 2008 والحالات التي تم الاشتغال عليها إنصاتا وتوجيها نحو صيغ علاجية بتعاون مع متخصصين سواء كأطباء أو كهيآت محلية أو جهوية، هذا ناهيك عن تكويني ككوتش ممارس وعشقي اللامتناهي لميدان الكوتشنيغ، واشتغالي على مجموعة حالات شبيهة إلى أبعد حد بالحالات الإدمانية الرقمية التي طرحها الفيلم التربوي هاشتاغ، وهو ما كان ولا يزال يتطلب منا تعميق أبحاثنا بهذا الصدد، واللجوء إلى استشارة خبراء في المجال جمعتنا بهم علاقة صداقة واهتمامات مشتركة خصوصا من خارج المغرب، كل ذلك منحنا رؤية واضحة أولا عن الاختلافات القائمة بين الشخصيات التي تعاني حالة ادمان رقمي، فلكل شخصية وضعها الباثولوجي الخاص، ثم ثانيا عن نجاعة صيغ الحلول العلاجية النفسية المقترحة بالفيلم، أي العلاج عبر تفجير المواهب والقدرات، من خلال العلاج بالفن l’art-thérapie والرياضة والتعاطي للصنائع اليدوية… توظيف جلسات التطهير النفسي، وآليات العلاج النفسي الاستبصاريInsight-orientedpsychotherapy، كل هذه المعطيات التشخيصية يسرت على الفاعلين في الفيلم التربوي هاشتاغ تفهم أدوارهم بعناية. وعلى هذا الأساس فمجموع التقنيات العالجية النفسية المقترحة في فيلم هاشتاغ تتطلب نجاعتها الاطلاع على الدراسات الميدانية المقامة من طرف مؤسسات دولية المرتبطة باستراتيجيات البحث الأكاديمي. كما أن نجاعة هذه التقنيات العلاجية رهين بتظافر المعرفة النظرية بالخبرة الميدانية. وهنا تساهم درجة قوة العلاقة بين المرافق أو المعالج والحالة ثم الوسط الأسري بشكل قوي في تجذر سبل العلاج في نفسية المراهق أو الشاب، مع تفعيل قيم المحبة والثقة والاهتمام. فالأمر يتعلق بمستقبل بلد بأسره وليس فقط بمستقبل أفراد.

– وصفتك إحدى التلميذات بأنك أحسن أستاذ لمادة الفلسفة في العالم كيف استقبلت هذا التوصيف؟
– بكل صراحة توصيف من هذا القبيل يلقي على عاتقنا حملا إنسانيا ثقيلا للغاية، فهو ليس موجه إلي كشخص بل إلى مادة الفلسفة برمتها، ومن خلالها إلى كل مدرسي الفلسفة المبدعين بوطننا الحبيب، حين يتحول الفصل الدراسي من خلال مادة الفلسفة إلى عالم من متعة التفاعل والتعلم، ويجد فيها المتعلم فرصة للتعبير عن احتياجاته وعن شخصيته وموقفه من نفسه ومن الآخرين ومن العالم في مختلف تجلياته، وإعادة اكتشاف استقلاليته وقدرته على بناء تصورات نقدية تجاه كل ما سبق، في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها البشرية على جميع الأصعدة، صحيح أنه تم تصنيف الفلسفة ضمن»المعارف الناجية»(تعبير للباحث والفيلسوف الأمريكي ماثيو ليبمان مؤسس مؤسسة الفلسفة للأطفال، صاحب مؤلف»الفلسفة تدخل المدارس») لكن يظل دورها المتجدد بحسب جون ديوي هو تعزيز التفكير ليس مجرد نقل المعارف. فالفلسفة حليفة حرية التفكير وحرية التعبير، والمحبة توجد في أصل تسميتها رديفة الحكمة، مما يمنح توصيفا من هذا القبيل حمولة نشر الفكر الفسلفي من خلال شيء من المعرفة وكثير من المحبة والتعاطف.

– أشرتم في تدخلكم إلى أهمية الإيحاء في العمل السينمائي هل لديم أمثلة ؟
– أصف الإيحاء بأنه عمق التأثير في السينما، وفن قول كل شيء بدون حروف أو كلمات… يمكن أن نستحضر في هذا الباب أعمال تشارلي تشابلن، ومن خلفه ماكس ليندر Max Linder، لكن بقي عالقا في ذهني أحد مشاهد فيلم»آلام المسيح» للمخرج ميل جيبسون في لقطة تتضمن حوارا غير مباشر بين المسيح والشيطان، قيل كل شيء فيه ببضعة كلمات، وكثير من لغة الجسد، وتوظيف مرهف للإضاءة بين سواد مهيمن على وسط الشاشة وبياض يحيط بها كلا، حين يقول رمز الشر والسواد يلفه بظهر منحني ومن خلفه زرقة بمستويين أزرق فاتح ثم أزرق غامق في تجاه سواد مهيمن: لا أحد يستطيع أن يتحمل هذا العبء؟ ومباشرة تقفز إلى الواجهة أنوار شموع تضاء من تلقاء نفسها، كدليل على أن الخلاص ذاتي، وشعلة الإيمان تنبع من الداخل، قيل كل شيء عن صراع الخير والشر الأبدي، وكأن ذلك لايكفي لمواجهة قوى الظلام، تم توظيف حركية إضاءة مثيرة بالأبيض نابعة عن يمين الشخصية التي جسدت دور المسيح، كرسالة أمل إلى كل الأرواح أن الخير سيسود رغم كل شيء.

– كأستاذ لمادة الفلسفة هل أنت راض عن حضور الفن عموما والمسرح والسينما على نحو خاص في المنهج الدراسي التأهيلي؟
– بكل صراحة لازلنا سيدي بعيدين جدا عن المستوى الذي يجب أن يلعبه الفن عموما والمسرح والسينما والموسيقى معهما على وجه خاص بمناهجنا التعليمية، لازال الأمر يدخل في خانة الهوامش ولا يلعب الدور المركزي في تكوين شخصية المتعلمين، بل أحيانا نجد مقاومة عنيفة حتى من طرف بعض الفاعلين التربويين الذين يعتقدون أن الأمر مضيعة للوقت، وأنه إلهاء لطلبتنا عن أهدافهم التعليمية التعلمية، لهؤلاء أقول ما فائدة أن تعد طبيبا أو مهندسا أو قاضيا أو أستاذا لا يمتلك حسا جماليا وذوقيا !؟ كيف بامكاننا مواجهة فورة التفاهة التي يعاني منها الإعلام الموازي والتي تفرض نفسها كقوة تأثير على مراهقينا وشبابنا!؟
هذه الرؤى الفنية و الجمالية يجب أن تصبح جزءا من الدرس، وأن نتحلى بجرأة تجديد التكوين والاحساس والتخلي عن الميكانزمات التقليدية للتدريس، واكتساب آليات تراعي تعقد التركيبة البشرية خصوصا على المستويات النفسية والعقلية والروحية… فالتعليم فن الممكن وأحد ممكناته الفن.

– لو أتيح لكم إعادة دور الطبيب النفسي في مصحة مالذي سيتغير؟
– في الفيلم لا يسعني أن أغير شيئا، فالأمر شبيه بولادة وتأتي الحياة بأبهى معانيها، لكن لو يسعفني الخيال واقعا، لوضعت في قلب كل معالج نفسي أو مرافق مساحة أكبر من إنسانية الغير، مساحة بياض تجعل المعالج ينطلق من نقطة الضوء خلف سواد المعاناة، من نقطة القوة التي ترزح تحت وطأة نقاط ضعف كل حالة على حدة، مساحة تجعل التعاطف أقوى من العاطفة، وتجعل الإدراك الوجداني مسارا لإعادة بناء إنسانية الإنسان، وأن لا نتهافت نحو التقنيات والأدوات كما لو أننا سنواجه عالما من الأشياء، وليس من الذوات، مساحة يهيمن فيها الإنصات بيد فارغة، وقلب مملوء محبة وعرفانا، وعقل يقظ يستلهم الحلول من خصوصية الوضعيات لا من معارف جاهزة، قابلة للتجاوز في كل أوان و حين، فحقيقة اليوم خطأ الغد، وحقائق النفس البشرية تبنى ولا تعطى.


الكاتب : أعد الحوار وقدمه له: عزيز باكوش