بعد أزيد من مائة عام من التواجد في المغرب، أنهت مجموعة «الشركة العامة» La Société Générale الفرنسية حضورها التاريخي بالمملكة، لتتحول رسميا إلى «سهام بنك»، كيان جديد مملوك بالكامل لرأسمال وطني، ويحمل توقيع رجل الأعمال والوزير السابق مولاي حفيظ العلمي. لحظة الإعلان عن التسمية الجديدة لم تكن مجرد تغيير لافتة للاحتفال، بل تمثل محطة مفصلية تعكس توجها مغربيا متزايدا نحو تعزيز السيادة المالية وتوطين القرار البنكي في سياق إقليمي يشهد انكماش الحضور المصرفي الأوروبي في إفريقيا.
العملية التي أعلنت عنها مجموعة «سهام» بقيادة مولاي حفيظ العلمي، جاءت عقب استكمال مراحل الاستحواذ نهاية سنة 2024، وتمخضت عن ولادة كيان مصرفي جديد يحمل اسم «سهام بنك»، ويفترض أن يجسد التقاء بين الصرامة المهنية التي طبعت سلوك البنك لعقود، والدينامية الريادية التي تميز رؤية المجموعة المالكة الجديدة. هذا التلاقي بين خبرة متجذرة وطموح تحويلي يتجلى اليوم في هوية مؤسساتية جديدة، تستند إلى خمس ركائز واضحة، هي التميز التشغيلي، القرب الميداني، الثقة، الابتكار، والمسؤولية الاجتماعية، في سعي لتقديم نموذج بنكي يستجيب لانتظارات المرحلة المقبلة.
وعلى عكس ما قد يتصور، لم تكن عملية التحول مقتصرة على تغيير الاسم أو الشعار، بل انخرطت المؤسسة خلال الأشهر الستة الماضية في ورش داخلي عميق، شمل إعادة تصميم مسارات الزبناء، وإدماج ثقافة تدبيرية حديثة تركز على الأداء الجماعي والنتائج القابلة للقياس، مع التشبث بالموقع التاريخي للبنك في السوق. النتائج الأولية بدأت تظهر بشكل ملموس، إذ سجل «سهام بنك» ارتفاعًا في صافي أرباحه بنسبة 16,97% خلال الربع الأول من سنة 2025، محققا أرباحا صافية بلغت 420 مليون درهم، ما يعكس دينامية إيجابية رغم السياق المتقلب الذي يطبع البيئة البنكية محليا ودوليا.
في الجانب التنظيمي، حافظ البنك على جزء من تركيبته القيادية السابقة، مع الإبقاء على أحمد اليعقوبي على رأس الإدارة التنفيذية، في مقابل صعود مولاي حفيظ العلمي إلى رئاسة مجلس الرقابة، ما يوحي بإرادة في ضمان الاستمرارية التشغيلية والانفتاح في الوقت نفسه على أفق استراتيجي أكثر طموحا. ويعزز هذه الرؤية الحفاظ على توازن داخلي بين منطق الحكامة ومنطق التحول، من أجل تحصين المؤسسة في وجه التحديات المقبلة.
الهوية الجديدة، التي تم الكشف عنها رسميا يوم 18 يونيو 2025، لا تكتفي بالرهان على الشكل، بل تعكس تصورا رمزيا ودلاليا للمرحلة. الخط العربي المستخدم في كلمة «سهام» يبرز الانتماء الثقافي المغربي، بينما يعكس التصميم الحديث لعبارة «سهام بنك» الطموح في بناء مؤسسة مالية مرنة، تواكب التحولات الرقمية وتخاطب جمهورا متنوعا من الزبناء، أفرادا ومقاولات، في المدن والقرى، داخل الوطن وخارجه. ويرتبط هذا البعد الرمزي أيضا باختيار ألوان تمزج بين الاستقرار والدينامية، في رسالة موجهة إلى السوق وإلى الرأي العام، مفادها أن البنك الجديد لا يبدأ من الصفر، بل ينهل من جذور عميقة ليرتقي إلى نموذج مصرفي أكثر اندماجا.
من بين أبرز رهانات البنك في المرحلة المقبلة، تعزيز حضوره في صفوف مغاربة العالم، وهي فئة لا تمثل حاليا سوى 4% من قاعدة الزبناء، رغم حجمها الرمزي والمالي الكبير. ويبدو أن المؤسسة تعتزم تطوير عروض مخصصة لهذه الفئة، تتسم بالبساطة والملاءمة والرقمنة، بما يمكن أن يساهم في جذب شريحة كانت تتعامل تقليديا مع بنوك منافسة. كما أن البعد الإفريقي يظل حاضرا في خلفية المشروع، حيث تشير معطيات القطاع إلى إمكانية تمدد «سهام بنك» لاحقا في أسواق غرب ووسط إفريقيا، بالاستفادة من الشبكات السابقة لمجموعة سهام في مجال التأمين.
كل هذه المؤشرات تظهر أن الأمر لا يتعلق بمجرد إعادة تسمية مصرفية، بل بإعادة تموقع بنكي شاملة، ترمي إلى تعزيز السيادة المالية الوطنية، وتقليص التبعية الخارجية، وتمكين الرأسمال المغربي من قيادة القطاع البنكي بمقاربة حديثة، تعتمد على الابتكار والانفتاح، دون التفريط في الجدية والانضباط. وبينما يراقب القطاع عن كثب تطور هذه التجربة، يبدو أن «سهام بنك» يتهيأ ليصبح فاعلا مركزيا في الدينامية المالية للمغرب، بل وربما في المشهد البنكي الإفريقي مستقبلا.
بعد 111 عاما، «الشركة العامة» تتحول لـ«سهام بنك»: نهاية عهد فرنسي وبداية سيادة مالية مغربية كاملة

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 20/06/2025