بفعل ممارسات تضر المنطقة وساكنتها : مياه بوذنيب الجوفية تعاني من استمرار الاستنزاف وسط تهديدات الجفاف

تقع مدينة بوذنيب، التي يبلغ عدد سكانها 11373 نسمة، حسب إحصاء سنة 2014، على بعد 90 كلم شرق مدينة الرشيدية، وتتوفر على العديد من المؤهلات الفلاحية والثقافية والتاريخية والاقتصادية التي يمكن أن تساعدها لتكون قطبا استثماريا كبيرا، نظرا لموقعها الاستراتيجي والجغرافي، وكذا لطبيعة المناخ الذي يسودها، لكن هذه المدينة بدورها كباقي مدن تافيلالت تعاني من التهميش.
بودنيب والنواحي، منطقة تعتبر قطبا فلاحيا ممتازا، لخصوبة الأراضي ووفرة المياه الجوفية، لكنها عرفت في العقد الأخير من الزمن، استنزافا غير مسبوق من طرف بعض لوبيات «الاستثمار» كما يسميها أهالي المنطقة، التي سيطرت بل «انقضت» على أجود أراضي بوذنيب السلالية، واستغلت هكتارات متعددة، ليتضح بعد ذلك أن «الرأسمالية الاستنزافية» كما عرفها أحد الفاعلين الجمعويين بالمنطقة، عملت على خلق ضيعات فلاحية منتشرة على آلاف الهكتارات من الأراضي السلالية، تم تقديمها في طبق من ذهب إليها، فأدت سلوكات البعض في نهاية المطاف إلى تجفيف الفرشة المائية وامتصاص حقينة «سد قدوسة» على وادي گير، مما تسبب في تفقير الواحة التي كانت تزخر بكل ما تجود به هذه الأرض المعطاء من فاكهة وزيوت وتمور وخضروات ومزروعات معيشية متنوعة.
اليوم وأمام هذا الوضع الذي أفقر الساكنة، خاصة العاملة بالمجال الفلاحي المعاشي، والتي تبحث عمن يساعدها على المساهمة في تحريك وتنشيط هذا المجال الحيوي بالمنطقة، الذي يشغل أكثر من ثمانين بالمائة من الساكنة النشيطة، قام عدد منهم بتكوين تعاونيات فلاحية قصد الحصول على مساعدات مالية من المشاريع المدعمة من طرف الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان.

فرشة مائية في خبر كان

إن عدم الاكتراث بالعواقب البيئية الناجمة عن الإفراط المهول في استغلال الفرشة المائية الذي تسببت فيه بعض الضيعات الكبرى بالمنطقة، والتطور المتوحش للإنتاج دون توفر معطيات واضحة على قدرة استيعاب الفرشة المائية لتزايد عدد المستثمرين، زاد من تخوفات الساكنة التي عبرت عن قلقها منذ الأمس وليس فقط اليوم، وتسبب في خلق نوع من التوتر الاجتماعي، وهو ما لاحظناه تباعا في العديد من الوقفات والمسيرات التي نظمتها العديد من القصور التي يتواجد فيها بعض المستثمرين.
وضعية هي نتاج لما يصفه عدد من المتتبعين بـ الاستخفاف بالآثار البيئية والانحياز إلى رفع الإنتاجية في غياب دراسة معمقة للفرشة المائية والاعتماد على جلب مستثمرين كبار»، عدد منهم لايولون أي اهتمام للوضع الإنساني والبيئي وللفلاح الصغير، مما دمر أهم مرتكز تنموي لمنطقة بوذنيب، ألا وهو الفرشة المائية.
في منطقة بودنيب اليوم ، يسعى بعض المستثمرين إلى زيادة الإنتاجية فقط، دون مراعاة العواقب البيئية خاصة مع شح الموارد المائية في منطقة صحراوية تعرف أقلّ معدل للتساقطات بالمغرب، وتعتبر الفلاحة الواحية فيها مكونا أساسيا للاقتصاد البوذنيبي، إذ هي المورد الأساس لغالبية الساكنة خصوصا ساكنة القصور. لكن مع ظهور نوع معين من «الاستثمار» وتزايد وتيرته، نتساءل إلى أي حد يساهم في تطوير الاقتصاد الواحي ببوذنيب، وما تأثيره عليه ؟

فلاحون صغار وسط المعاناة

لقد أدى انتشار الضيعات الفلاحية الكبيرة المترامية على مساحات شاسعة، قرب الطريق الوطنية رقم 13 نحو بودنيب، التي يستغل عدد منها المياه الجوفية في غياب آليات تضبط ما يتم استهلاكه من ماء، والتي يتواجد في بعضها عدد كبير من الثقوب المائية، وفي ظل توالي سنوات الجفاف، إلى التسبب في معاناة كبيرة للفلاح الصغير الذي يبحث عن ماء السقي لري مساحته الصغيرة التي تنتج له منتجات فلاحية معاشية، حيث أصبح أمام هذا الوضع مطالبا بحفر آبار بعمق مئات الأمتار، وهو الشيء الذي أصبح اليوم ممنوعا.
تباين وفوارق ترخي بتبعاته على يوميات الفلاحين الصغار، الذين يتناوبون على كمية صغيرة من مياه العيون التي أصبح منسوبها يتراجع سنة بعد أخرى، بالليل كما بالنهار، عساهم يحافظون على منتوجهم المعيشي الضئيل أصلا؟؟؟


الكاتب : فجر مبارك

  

بتاريخ : 19/02/2024