تحتضن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج من 15 ماي إلى 14 يونيو 2025، تجربة بصرية ووجدانية، من خلال معرض فني بعنوان «استعادات»، يضم سلسلتين بارزتين من أعمال الفنانة المغربية-الأمريكية ياسمينة العلوي: «1001 حلم» و»ترسبات».
ووفق الجهة المنظمة، سيُفتتح المعرض يوم الخميس 15 ماي على الساعة السادسة والنصف مساء بفضاء «ضفاف»، الذي أصبح منصة تحتفي بالبعد المتعدد للهويات والتجارب الفنية العابرة للثقافات.
ياسمينة العلوي، المزدادة سنة 1977 بمدينة نيويورك، كما تقول سيرتها الذاتية، هي فنانة متعددة الوسائط، نسجت عبر السنوات مسارا فريدا من نوعه يجمع بين التكوين الأكاديمي والبحث الشخصي.
درست الفنون الجميلة بـ»كاروسيل اللوفر» بباريس، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في النحت من كلية “ويليام وماري” بالولايات المتحدة،غير أن تميزها لا يقف عند تقاطع ثقافي أو تقني، بل في قدرتها على مساءلة الثنائيات الكبرى، التقاليد والحداثة، الروحانيات والعلمانية، النظام والفوضى.
في رصيد العلوي أكثر من عقدين من التجربة الفنية، أثمرت أعمالا عرضت في نيويورك وباريس ومراكش وروما، كما جمعتها أعمال فنية مع المصور ماركو غيرا على سلاسل مثل «حكايات الجمال» و»1001 حلم»، التي تعرض بانتظام في صالات دولية، وتوجت بجائزة التنوع الثقافي في بينالي داكار سنة 2018.
تمثل سلسلة «1001 حلم» فسحة سردية تستلهم من الحكايات الشرقية وفضاءات الذاكرة، حيث تختلط الفوتوغرافيا بالرسم في توليفة تخرج عن المألوف. لا يهم هنا تتبع الحكاية، بقدر ما تتجلى كل لوحة كنافذة على الحلم، أو كإعادة بناء لمشاهد دفينة، تستيقظ لتعاد صياغتها في زمن بصري خاص. الأجساد، الملامح، الظلال… كلها تتماهى مع خلفيات مشبعة بالألوان والرموز، كأنها أطياف تعبر الزمن.
أما سلسلة «ترسبات» فتغوص في الطين، في بقايا الأشياء، في الهشاشة التي تعيد ترتيب نفسها في صمت. هنا لا تبحث ياسمينة العلوي عن الجمال المألوف، بل عن جمالية البالي والمهمش، عن الفن كأثر منسي.
لوحاتها تشبه غبارا محمّلا بالحنين، كما وصفها الفنان والناقد حسان بورقية في تأمل شعري طويل،حيث يقول ، «لا وجود لحالة تلبّس بالنسبة للغبار… ياسمينة العلوي تصنع لوحاتٍ من بقايا حيوات، من أشياء متحللة ومواد ملونة، كأنها فواكه تعفنت… تثبّتها بطريقتها كي لا تفقد الكثير من سحرها.»
ويرى بورقية أن العلوي لا تنجز أعمالها بضغط الزمن، بل بانسجام عميق مع بطء المادة نفسها، حيث تكون كل لوحة فعلا تأمليا، يتحدى السرعة المعاصرة ويقاوم الاستهلاك الجمالي السهل.
من خلال «ترسبات»، تقترح العلوي فنا بديلا، يشتغل على تقاطع النحت والرسم والفوتوغرافيا، لكنه يراهن أكثر على استعادة أثر ما، على تحويل التعفن إلى أثر جمالي، والركام إلى شهادة على ما مضى وما لم يحدث بعد. تحضر الروح الطاوية في خلفية تجربتها، كما يستدعي بورقية في مقاله فِكر «لاو تزو»، حيث «الطاو» هو الشيء المنفلت والمتعذر الإمساك به، ما يحيل إلى فلسفة فنية تنبع من ترك الأشياء تتكلم دون قسر أو تخطيط مسبق.
ربما يكون هذا المعرض من اللحظات النادرة التي تنجح فيها تجربة فنية معاصرة في تجسيد فكرة الزوال، لا كفقدان بل كإمكانية للخلود.
في لوحات العلوي، كما كتب بورقية، يتجلى الحضور في غيابه، ويتحول الغبار إلى «نهر شعري»، تستعيد فيه الأشياء المنهارة لغة لا تكتب ولا تقال، بل تلمح وتحس.
من نيويورك إلى مراكش، ومن طين الذاكرة إلى ألوان الحلم، تبدو تجربة ياسمينة العلوي وكأنها عبور دائم بين ضفتين، ضفة الجسد وضفة الروح، ضفة الفن وضفة الفلسفة، ضفة الحداثة وضفة ما قبل الحداثة. «استعادات» إذن، ليس فقط عنوانا لمعرض، بقدرما هي ممارسة فنية وفكرية تسائلنا عن معنى البقاء، عن ما تبقى من الأثر حين يتلاشى كل شيء.