ضمن احتفاء سنوي بشجرة اللوز على مستوى دائرة أكنول وقبيلة اكًزناية باقليم تازة، في اطار فعاليات نسخة سابعة لموسم اللوز تحت شعار «سلسلة اللوز بين رهان التثمين وتحدي التسويق»، تم تنظيم ندوة علمية توجهت بسؤالها لمسألة الهجرة ولمغاربة المنطقة في الخارج والتنمية المحلية، في محاولة لربط موارد الهجرة سواء المادية منها أواللامادية، بعملية الاستثمار في هذا المجال الفلاحي. الندوة التي أطرها باحثون عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، تمحورت حول أوجه فعل وتفاعل الهجرة في النماء المحلي وحول الحصيلة بقطاع الفلاحة وشجرة اللوز تحديداً. ندوة تمت الاشارة فيها الى أن موضوعها له علاقة بانشغالات وتخصصات تهم الاقتصاد والسياسة والتنمية الترابية والثقافية والبحث العلمي الوظيفي والتخطيط والاستثمار والادارة والاعلام والأبناك وغيرها، وأن اختيار هذا الموضوع للنقاش، مرده إلى «كون اكًزناية هي منطقة هجرة ومهاجرين كوضع يمكن استثماره في التنمية المحلية باعتبار أن الهجرة رأسمال مادي ولامادي، اضافة الى كون الهجرة تشكل ذاكرة وتاريخاً ووجداناً محلياً».
وخلال الندوة ورد « أن منطقة اكًزناية ومعها اقليم تازة مجالياً هما جزء من المغرب الشرقي ومن الريف الشرقي، وأن هذا المجال لم يكن بعناية كافية ولا تنمية سواء خلال فترة الحماية الفرنسية أو بعد استقلال البلاد سنوات الستينات والسبعينات، وهذا ما جعله مصدر هجرة واسعة إما باتجاه داخل البلاد أو الى الخارج، تحديداً أوربا الغربية». وقد سجلت الندوة من خلال مداخلة أحد الباحثين جملة ملاحظات منهجية، منها «صعوبة الارتقاء بموضوع الهجرة في منطقة أكنول واكًزناية الى موضوع علمي احصائي تحليلي في غياب دراسات مبنية على أرشيف إداري يخص معطيات وبيانات خاصة، ثم صعوبة اعطاء تعريف دقيق وموحد لمفهوم الهجرة الذي يرتبط بدوره بمفاهيم أخرى بزوايا المعالجة التي تختلف بين المؤرخ والسياسي والاقتصادي والسوسيولوجي والحقوقي والاعلامي والدبلوماسي..، ثم كون الهجرة والتنمية أمر يهم صناع القرار من سياسيين ومخططين ومدبرين للشأن المحلي والجهوي..»
وحول درجة مراعاة الهجرة في خطط التنمية ، أشار أحد المتدخلين الى أن «منظمة الأمم المتحدة من خلال ما عقدته من ندوات ولقاءات ، تؤكد أن الهجرة لا تزال لا تراعى بقدرٍ كافٍ في خطط النماء المحلي والوطني للدول المعنية بالظاهرة، رغم الوعي بقيمة الهجرة والمهاجرين كرأسمال مادي ولا مادي. وأن عدم حضور الهجرة في خطط التنمية هو بسبب ضعف كفاية وكيفية ادراج الهجرة في التنمية المحلية، وبسبب نقص المعطيات والبيانات وضعف الارادة السياسية وتشتت الأدوار وعدم تحديدها بين المعنيين من الأجهزة الادارية، اضافة لضعف الحوار بين دول مصدر الهجرة وعبورها ووصولها، ومن هنا فكثيراً من البلدان المعنية بالهجرة لا تهتم لا بسلبياتها ولا بايجابياتها». وضمن نفس المداخلة تمت الاشارة الى أن هذه الندوة العلمية جاءت لمساءلة وضع الهجرة في علاقتها بالتنمية المحلية على مستوى اكًزناية ككل بشمال اقليم تازة، وجاءت لمساءلة درجة مراعاة هذا المعطى في سياسة وبرامج التنمية محلياً، ودرجة الوعي والتوعية بالموضوع لدى الجميع ..سلطات ومنتخبين وبحث علمي ومجتمع مدني وإعلام محلي..» «كل هذا في محاولة للاجابة عن السؤال التالي ..إذا كانت الهجرة بدون أثر ايجابي في التنمية المحلية فما الذي ينبغي القيام به للتحفيز والتشارك ؟..وبعدما عرض أحد المتدخلين لجوانب تعكس ايجابية الهجرة في التنمية المحلية على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي والأسري والتضامني، أورد جملة مقترحات داعمة لفعل الهجرة ايجاباً في النماء المحلي ، مستحضراً الفوارق الكائنة بين أجيال الهجرة المغربية الى أوربا تحديداً، وما يحتاجه الجيل الجديد من تواصل وتحفيز وبيئة جاذبة مناسبة للاستقطاب والاستثمار. ومن أهمية انتقال النقاش الى ما هو مؤسساتي ومن هنا دور المجتمع المدني كأداة للحوار والتأطير والتواصل لتعزيز الثقة لدى المهاجرين، مؤكداً على ما يمكن أن تكون عليه الدبلوماسية الاقتصادية للجماعات المحلية من خلال عرضها لفرص الاستثمار محلياً، مع التفكير في بنك مشاريع محلية وتنظيم لقاءات مع المهاجرين والتعريف ببعض المهاجرين الذين تمكنوا من النجاح في استثماراتهم محلياً. نفس المداخلة أوردت ضمن المقترحات الداعمة لجعل الهجرة والمهاجرين عاملين ايجابيين في التنمية المحلية، أنه من المفيد تطوير شبكة العمل الجمعوي لتأطير المهاجرين وتقوية الترابط مع المناطق الأصلية، وإحداث بنك للكفاءات المقيمة بالخارج من أبناء المنطقة على مستوى كل دولة على حدة. هذا اضافة الى ضمان استغلال أمثل لمدخرات المهاجرين بالابناك باستعمالها مثلا في تموين مشاريع ذات طابع محلي، مع توعية الابناك بأهمية تحفيز المهاجرين للانخراط في مشاريع موفرة لفرص الشغل، وتحسين بنية الاستثمار أساساً ما يتعلق بالادارة والعدل والنظام الضريبي ..
وتميزت الندوة بنقاش عميق مع حضور مكثف من أبناء المنطقة التي أبان شبابها المهتم والمتتبع عن وعي عميق بكل ما هو ثقافي هوياتي اقتصادي اجتماعي وانمائي محلي، من خلال ما طرحوه من أسئلة جوهرية أغنت برنامج احتفالية موسم اللوز بأكنول في دورته السابعة ما بين 14 و16 دجنبر 2017 ، والذي نظمته المديرية الجهوية للفلاحة بجهة فاس- مكناس بتعاون مع جمعية مهرجان اللوز وفدرالية الجمعيات التنموية بدائرة أكنول.
للاشارة، فإن أشجار اللوز تشغل المرتبة الثانية باقليم تازة، على أساس كون المساحة المخصصة لهذه المغروسات بالمنطقة هي ب 25800 هكتار، وبنسبة 24 % من المساحة الاجمالية الشجرية بها. مغروسات نجدها تتركز في مرتفعات مقدمة الريف على مستوى دائرة أكنول وتايناست بالمنطقة، نظراً لانسجامها الجيد مع ظروف بيئية مناخية محلية. وتتجلى أهمية هذا النوع من الأنشطة في إغناء المحصول الفلاحي من جهة وخلق فرص شغل وتوفير حاجيات داخلية من هذه المادة الغذائية ذات القيمة العالية من جهة ثانية. ومن ثم، تعمل الجهات الوصية على القطاع على تشجيع الفلاحين بتقديم الدعم لهم من أجل توسيع المساحة المغروسة على صعيد هذه المنطقة التي تعد الأولى مغاربياً من حيث الانتاج، عبر غرس مساحات جديدة مستفيدة من برامج تدخل عدة. ومن أنواع أشجار اللوز بالمنطقة نجد «ماركونا» 15 % ديسمايو 10 %فيراني 6% فيرادييل %25 تيونو 5 %نيكبلويلطرا 2 %، اضافة الى أنواع أخرى سائدة تحتل نسبة 10%.
و فلاحة اللوز بتازة لا تزال تتسم بإنتاج ضعيف ومتباين بحسب مناطق الاقليم، لاسباب منها كون الأشجار ترتبط بمناطق ذات تربة فقيرة وصعبة من حيث طبيعتها ومورفولوجيتها مما يجعلها لا تستفيد من العناية الكافية، ثم بسبب قلة اعتماد الفلاحين على أساليب علمية وتقنية في تدبير أنشطتهم الفلاحية، هذا اضافة لعامل النقص في المياه. ويتراوح المعدل المسجل في انتاج اللوز باقليم تازة بين 0,15 طن في الهكتارو 0,3طن في الهكتار، أما معدل الانتاج السنوي فهو بحوالي 1300 طن. ومن المهم الاشارة الى أن تطور الانتاج بالمنطقة انتقل من 400 طن على مساحة قدرها 10256 هكتارا عام 1995، الى 2450 طنا على مساحة قدرها 27600 هكتار عام 2016، وأن المساحة الخاصة بهذا النوع من المغروسات عرفت تطوراً وتوسعاً هاماً خلال العقدين الأخيرين. وقبل انطلاق مخطط المغرب الأخضر كانت مادة اللوز بدون بنية تنظيمية لحماية مصالح الفلاحين ودعم نمو وتطور هذا القطاع، وبهذا الرهان الوطني تم إحداث عدة تنظيمات مهنية في اطار عدد من المشاريع، كما أنه بواسطة مقاربة قطاعية محتضنة أصبحت منطقة أكنول تحتوي تنظيماً مهنياً فلاحياً من الدرجة الثانية، كما ظهرت بالمنطقة تعاونية نسائية لتثمين هذا النوع من الفلاحة محلياً على مستوى الجماعة القروية لكًزناية الجنوبية مستفيدة من برنامج نسائي خاص، نفس الشيء تم الاشتغال عليه على مستوى جماعة اجبارنة بنفس المنطقة. تبقى الاشارة الى أن تسويق المنتوج لا يزال غير منظم ويتم على مستوى أسواق اسبوعية بالاقليم إما بشكل مباشر لفائدة المستهلك المحلي، أو الى تجار نصف الجملة، ما يرتبط بنقاط تجميع بعدد من الأسواق الاسبوعية القروية، وتتراوح الأثمنة عادة بين 65 و120 درهما للكلوغرام الواحد، بحسب نوعية وجودة وطبيعة وكمية الانتاج وفترات تسويقه.
بمنطقة اكًزناية بتازة: الرهان الشجري في الاقتصاد القروي المغربي
الكاتب : عبد السلام انويكًة
بتاريخ : 22/12/2017