تبين الوثيقة المرفقة كيف أن اقتطاعات التكاليف البنكية لحساب أرملة تتقاضى معاشا قيمته 523.55 درهما بلغت خلال الشهر الماضي 182 درهما، أي حوالي 35 في المائة من قيمة المعاش، علما بأن السيدة التي ناهزت الثمانين من عمرها فتحت هذا الحساب، طبقا لتوجيهات صندوق التقاعد، من أجل تلقي معاشها مباشرة في حساب بنكي بدل الطابور الطويل أمام مكاتب البريد، والخدمة الوحيدة التي تستعملها هذه السيدة هي خدمة السحب، كما أن فتح هذا الحساب يندرج تحت ما يسمى «الخطة الوطنية للشمول المالي» التي لا يعرف إن كان الهدف منها ولوج المواطن للخدمات المالية أم فتح جيبه للبنوك لتحقق أرباح استثنائية.
وكما يظهر من القسيمة المرفقة، فإن البنك اقتطع ثلاثة أنواع من التكاليف مقابل هذه الخدمة البسيطة، والتي تدخل في خانة «العمل الاجتماعي والإنساني» وما يسمى ب «البنك المواطن» الذي تساهم هذه الاقتطاعات في تمويل الحملات الترويجية المتعلقة به. وتعامل البنك مع المعاش الهزيل أصلا وكأن الأمر يتعلق بشركة تجري عمليات بنكية بالغة التعقيد، إذ اقتطع 110 دراهم تحت مسمى FRAIS/ واقتطع 71.5 درهما تحت مسمى FRAIS T إضافة إلى 0.41 درهما تحت مسمى AGIOS، وللإشارة فإن هذا اللفظ الأخير لا يعرفه إلا الخبراء الضالعون في علوم المحاسبة والمدراء الماليون للشركات. فكيف لأرملة تتقاضى معاشا هزيلا ولا تسمح لها بطاقتها البنكية بسحب أكثر مما هو متوفر في رصيدها أن تنتج هذا النوع من التكاليف للبنك وكأنها مقاولة؟
هذه السلوكيات التي لا يندى لها جبين بعض المؤسسات البنكية، هي التي عناها الملك قبل نحو 5 أشهر في خطابه عند افتتاح البرلمان، عندما أشار إلى أن القطاع البنكي المغربي، رغم كل ما حققه من تقدم، «لايزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون».
غير أن اللوم هنا لا يقع فقط على البنوك، بل المسؤولية يتقاسمها أيضا بنك المغرب باعتباره سلطة الإشراف والرقابة على القطاع البنكي، وأيضا الحكومة وصناديق التقاعد التي وجهت المتقاعدين والأرامل إلى فتح حسابات لدى البنوك لتلقي معاشاتهم دون اتخاذ إجراءات مواكبة، ودون إبرام اتفاقيات مع البنوك لضمان معاملة تفضيلية تتماشى مع الأوضاع الهشة لهذا الشرائح.
صحيح أن هذا التوجه لديه فضيلة إعفاء المتقاعدين والأرامل من الوقوف لساعات في الطوابير أمام مكاتب البريد، لكن المقابل اقتطاعات تتراوح ما بين 14 و35 في المئة من المعاش، سيجعل الحل الأفضل لهؤلاء هو الوقوف في الطوابير.
وحسب آخر تقرير رسمي، فقد تلقى بنك المغرب في العام الماضي ما يناهز 800 شكاية من زبناء المؤسسات المصرفية، وما يربو عن 841 شكاية التي تم وضعها أمام مصالح الوسيط التابع للمصرف المركزي المغرب، وهمت منازعات في مبالغ مالية إجمالية بقيمة 210 ملايين درهم.
وأشارت مصالح بنك المغرب، في تقاريرها الدورية، إلى أن 72 في المئة من هذه الشكايات قد تم البتّ فيها لصالح الزبناء، مقابل 85 في المائة خلال سنة 2017 ونحو 78 في المائة في 2016، وما يناهز 70 في المائة في 2015 و71 في المائة في 2016.
وتفيد مجموعة من التقارير الرسمية أن هناك اغتناء غير مشروع للبنوك على حساب المواطنين من خلال بيع خدمات ملغومة كالبطاقات البنكية التي تمكن من السحب على بياض (ديكوفير) التي أصبحت كالقراد تمتص دماء الطبقة الوسطى من المجتمع وترهقها، والتي تتطلب تدخلا صارما من بنك المغرب لضبطها وتقنينها، وهناك السلفات المتجددة تلقائيا التي تحول بدورها العديد من الأجراء إلى «رهائن» لدى البنوك، والتي تتطلب بدورها تقنينا وضبطا. وهناك مسؤولية المنتخبين للتحقيق في هذه الممارسات التي نبه إليها جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان.