بنوا دورا تقليدية واشتغلوا بعدة صناعات : اليهود المغاربة بفاس.. تواجد عريق يؤشر على رسوخ قيم التسامح والعيش المشترك

عاش اليهود المغاربة بفاس في كنف الدولة المرينية يتمتعون بما يتمتع به المسلمون، وقد أمر السلطان أبويوسف يعقوب المريني ببناء حي خاص لهم يسمى الملاح سنة 1276هـ، محاذيا لمدينة فاس الجديد التي أسسها يعقوب المنصور المريني، وقد سمي ذلك الحي بالملاح، باعتبار أن تلك المنطقة كانت سوقا لبيع الملح التي كانت تعتبر مادة هامة في تصبير عدد من الأشياء الثمينة.
وقد بنى اليهود الفاسيون في دروب وأزقة الملاح الضيقة دورا تقليدية صغيرة، على غرار الدور التي توجد في المدينة العتيقة، وقطنوها، واشتغلوا بعدة صناعات هامة كصياغة الحلي الذهبية التي برعوا فيها وأبدعوا إبداعا فنيا في صياغة الأحزمة الذهبية والأساور والأقراط وغيرها، بالإضافة إلى خياطة الملابس العصرية، كما اشتغلوا بالتجارة وفي صناعة المثلجات والعصائر وغيرها، وكان الشباب الفاسي يتقاطر على الملاح لأكل ما لذ وطاب من الطبخ اليهودي الذي يباع بمطاعم رحاميم بالشارع الرئيسي للملاح مستمتعين بأغاني المطربة اليهودية زهرة الفاسية.
ومع مرور الأيام ،انصهر اليهود والمسلمون بفاس في بوتقة تصب في التعايش والحياة المشتركة، حيث قطن عدد هام من المسلمين الفاسيين بالدور التي بناها اليهود المغاربة بأزقة الملاح، وتعايشوا معهم لدرجة أصبح من الصعب التمييز بين المسلم واليهودي، وتبادلوا الأطعمة والتهاني خلال الأعياد الدينية الإسلامية واليهودية.
وخلال التظاهرة الثقافية الدولية التي أقيمت سابقا بأحد فنادق فاس حول المفكر اليهودي ابن ميمون الذي درس ردحا من الزمن بجامعة القرويين، هذه التظاهرة التي شارك فيها عدد من مثقفي اليهود المغاربة المقيمين بالخارج، والتي تناول فيها المحاضرون حياة ذلك المفكر الذي كان يناقش العلماء بفاس ويتبادل معهم مختلف الآراء في احترام تام للديانتين اليهودية والإسلامية ، صرح الراحل الدكتور ادموند كيكي رئيس الطائفة اليهودية بفاس، خلال تلك التظاهرة قائلا «إننا نشعر بالسعادة والطمأنينة ونعيش في ود ووئام مع إخواننا المسلمين بهذه المدينة العريقة»، مشيرا إلى «أن العادات والتقاليد الفاسية، سواء عند اليهود بفاس أو المسلمين، متشابهة جدا، وهو ما يؤكد التعايش الذي استمر ولايزال على مر السنين».
ظلت العائلات الفاسية اليهودية مقيمة بفاس لقرون عديدة تعيش في اطمئنان وراحة، ولم تغادرها بشكل جماعي إلا بعد سنة 1967 وانتصار إسرئيل في الحرب على مصر واستيلائها على سيناء والجولان والضفة الغربية، اعتقادا منها أن ذلك التحول سيؤدي إلى تعرضها للمخاطر، لكن أي شيء من ذلك لم يقع . فقد باعوا عددا من ممتلكاتهم عن طيب خاطر، ومازالوا لحد الآن يحتفظون بعدد هام من العقارات والدور في الملاح والمدينة الجديدة ،كما أنهم لم ينقطعوا عن زيارة فاس والملاح خصوصا، في كل عطلة سنوية ، حيث يتجولون في أزقته ويطرقون دور آبائهم وأجدادهم، ويزورن المآثر والكنيس اليهودي بالملاح وخاصة بيعة صلاة الفاسيين التي شيدت في القرن 17 على مساحة 170مترا مربعا، هذا الكنيس الذي كان قد طاله الإهمال وتمت إعادة هيكلته من طرف الطائفة اليهودية المغربية بدعم من وزارة الخارجية الألمانية بما قدره 150 ألف يورو، وتم افتتاحه في فبراير 2013 وصنف معلمة تاريخية من طرف وزارة الثقافة المغربية نظرا لما يوجد به من تحف وذخائر يهودية ، وقد أقيم فيه حفل فني بمناسبة مهرجان فاس الدولي للموسيقى العريقة سنة 2018، كما يؤدون الصلاة في كنيس بن دانان الذي بني على يد أحبار آل دانان في القرن 17، هذه البيعة التي اشرف على إصلاحها اليهودي المغربي الفاسي الراحل شمعون ليفي بدعم من الطائفة اليهودية المغربية سنة 1999، وتختم زيارة اليهود المغاربة الذين يحجون إلى فاس بزيارة المقبرة اليهودية التي تضم قبور رجال الدين اليهود وعددا كبيرا من رفات اليهود المغاربة الذين استوطنوا فاس منذ تم طردهم من الأندلس.


الكاتب : محمد بوهلال

  

بتاريخ : 18/01/2021