بن يونس المرزوقي: قراءة متأنية لاستحقاقات 2016 بينت اختلالات في العدالة الانتخابية وتكريس قطبية مصطنعة كان من اللازم معالجتها

 

أصبحت منظومة القوانين الانتخابية نهائية بعد مسار طويل من النقاش والتعديلات، كيف ترى هذه المنظومة في شموليتها؟

تعرف المنظومة الانتخابية الوطنية تحسنا متزايدا من استحقاق لآخر. فنظرا لتعدد أنواع الانتخابات حيث تتوزع ما بين انتخابات مهنية وترابية وتشريعية، فإن الإحاطة بها تتطلب ليس فقط إيجاد النصوص اللازمة ولكن العمل المتواصل لتجويدها قصد تحقيق الأهداف التي تتم مناقشتها أو المطالبة بها أو الترافع حولها. وبصفة عامة يتعلق الأمر بإيجاد الآليات والوسائل والمقتضيات المناسبة لتحقيق انتخابات حرة، نزيهة، شفافة، ومنتظمة. وكلما راكمت الدولة التجارب الانتخابية، كلما تبينت اختلالات أو فراغات ينبغي معالجتها أو سدها حسب الحالة.
إلا أن أهم ما ينبغي الإشارة إليه، هو أن الأحزاب السياسية من خلال النتائج التي تُحصل عليها من استحقاق لآخر، تدفعها إلى البحث عن أفضل الطرق لترسيخ مكانتها وتحقيق المزيد من المكاسب أو على الأقل الحفاظ على المكتسبات المحصل عليها.
وما وقع خلال المراجعة الأخيرة للقوانين العادية المؤطرة لانتخابات أعضاء الغرف المهنية، والقوانين التنظيمية المؤطرة للاستحقاقات الترابية والتشريعية، هو فقط نقاش حول أساليب تحقيق العدالة الانتخابية. ومن الطبيعي جدا أن تختلف الآراء حولها وأن تكون أساسا لنقاش «صاخب». لكن الأساسي هو أن المسطرة المتبعة كانت سليمة في كل المراحل، انطلاقا من المشاورات الأولية إلى غاية صدور قرارات المحكمة الدستورية. وواضح أن بلادنا تسير في الاتجاه الصحيح، وهي تقترب أكثر فأكثر من المعايير الدولية بهذا الخصوص.

بعد أن قالت المؤسسات الدستورية كلمتها في قضية القاسم الانتخابي وآخرها المحكمة الدستورية، كيف تتصورون تأثير ذلك على الخريطة السياسية في استحقاقات 2021؟

من المؤكد أنه سيكون للقاسم الانتخابي تأثير على الخريطة السياسية، وبالضبط على الخريطة الحزبية ببلادنا. فإذا كانت القاعدة المعتمدة سابقا لتوزيع المقاعد تتمثل في اعتماد حاصل قاسم انتخابي منخفض يسمح بالفوز بمقعدين أو حتى أكثر في الدوائر الانتخابية المحلية بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وبالتالي كانت هذه القاعدة تُحقق الفعالية لكنها كانت بعيدة عن تحقيق العدالة، ولذلك استفادت أحزاب سياسية وتضررت أحزاب سياسية أخرى. فبناءً على نتائج استحقاقات 2016، تبين بالملموس أن حزبين فقط حصلا على ما يفوق الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، ولو كانت هناك إمكانية لتحالفهما لوضعا التعددية الحزبية ببلادنا محل تساؤل.
إن قراءة مُتأنية في نتائج استحقاقات 2016 بينت أن هناك اختلالات على مستوى العدالة الانتخابية، وأن هناك تكريسا لثنائية قطبية حزبية مصطنعة، وبالتالي كان من اللازم معالجتها قبل أن تستفحل وتصل لمدى لا يُمكن معه التراجع. وهكذا بدأ التفكير في إدخال مقتضيات تحقق العدالة الانتخابية، وتم ذلك عن طريق رفع حاصل القاسم الانتخابي بشكل يجعل إسناد المقاعد أكثر عدالة. وكما أسلفت فإن هذه القاعدة كانت محط جدال وخلاف، إلا أنه في خضم مناقشة الجزئيات غابت عن النقاش معطيات هامة بالنسبة لحياتنا السياسية الوطنية.
أولا، من الناحية التاريخية، سبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يقود حكومة التناوب التوافقي، أن فضل مصلحة البلاد على مصلحته كحزب سياسي، حيث غير أسلوب الاقتراع الذي كان يسمح له بنتائج مُتصاعدة، إلى أسلوب اقتراع أصبح يمنحه مقاعد مُتناقصة، دون أن يتهم أية جهة بالعمل ضده؛
ثانيا، من الناحية السياسية، أن بلادنا اعتمدت التعددية السياسية والحزبية كخيار استراتيجي لا يُمكن التراجع عنه، ولذلك فتحقيق التعددية يتطلب تمثيلية متوازنة للأحزاب الرئيسية المتنافسة؛
ثالثا، من الناحية التقنية، تم نشر خلط لدى الرأي العام بخصوص التمثيلة المتوازنة وترتيب الأحزاب السياسية في الاستحقاقات القادمة. فالتوازن سيُحققه القاسم الانتخابي الجديد، والترتيب ستُحققه صناديق الاقتراع.
وأعتقد بناءً على هذه المعطيات، أن الخريطة الحزبية ببلادنا لن تكون مُبلقنة كما يتم الترويج له، ولكن ستكون مُعقلنة من زاوية التمثيلية المتوازنة للأحزاب السياسية الرئيسية ببلادنا.
إن هذا التوازن مسألة ضرورية لبلادنا لأسباب عديدة، أهمها: ضرورة مساهمة كل القوى الحزبية الفاعلة في القضاء على الآثار المترتبة عن جائحة كورونا، وفي تجسيد الشروع الاجتماعي لبلادنا على أرض الواقع، وفي تطبيق أسس النموذج التنموي المرتقب.

 هل بالتعديلات الأخيرة على لائحة الشباب والنساء يمكن أن نضمن حضورا جيدا للنساء والشباب في المؤسسة التشريعية؟

تحويل اللائحة الوطنية إلى لوائح جهوية، سيكون له تأثير كبير على تمثيلية مكونات هذه اللوائح. فاستنادا إلى قواعد ترتيب الترشيحات من جهة (المرتبة الأولى الثانية للنساء)، واعتماد القسم الانتخابي الجديد من جهة ثانية، وانخفاض عدد المقاعد المُتنافس حولها في كل دائرة جهوية من جهة ثالثة، يُمكنني القول إنه بصفة إجمالية سيتم إسناد كل المقاعد المعنية (90 مقعدا) للنساء، باعتبار أنه لن تتمكن أية لائحة من الفوز إلا بمقعد في كل جهة أو مقعدين على أبعد تقدير، وهي كلها مقاعد مخصصة للترشيحات النسائية. وعلى ذلك فلا حظوظ لا للشباب ولا لمغاربة العالم. وعلى ذلك، فإن الأحزاب السياسية مدعوة للبحث عن طرق أخرى بديلة لدعم تمثيلية الشباب ومغاربة العالم في المؤسسات المنتَخَبَة.

أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق وجدة
عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
حوار : عبد الحق الريحاني


بتاريخ : 05/05/2021

أخبار مرتبطة

لقي شاب ينحدر من مدينة عين بني مطهر حتفه غرقا بمنتجع كفايت باقليم جرادة. وأكدت مصادر من عين المكان للجريدة

أطلقت بساحة الوحدة بكورنيش أكادير، يوم الجمعة 21 يونيو2024، حملة ترويجية مسماة «أزوول أكادير» من أجل تسويق المؤهلات السياحية التي

 سلا .. رصاص شرطي  يوقق  جانح له كلب من فصيلة شرسة  استعمل موظف شرطة يعمل بالأمن الإقليمي بمدينة سلا، الإثنين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *