حقوق الإنسان في المغرب: مكاسب وانتظارات
نظم مكتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالقنيطرة، ندوة حقوقية،يوم الثلاثاء 21/02/2023 بنادي هيئة المحامين، حول موضوع ” حقوق الإنسان في المغرب: مكاسب وانتظارات “، وكانت من تأطير كل من بوبكر لركو، الرئيس السابق للمنظمة ومصطفى المريزق، عضو المكتب التنفيذي .
وجاءت فكرة تنظيم هذه الندوة إثر النقاش الذي كان قد أثاره بيان البرلمان الأوروبي الصادر بتاريخ 19/01/2023 ضد المغرب متهما إياه بعدم احترام حقوق الإنسان. وأفضى هذا النقاش بالخصوص إلى يقين لدى بعض أعضاء المكتب وثلة من المناضلين الحزبيين أيضا كون هذا البيان يستند إلى خلفية سياسية، وأنه مغذى بشظايا نار الحرقة التي يشعلها الجيران والتي انسحبت آثارهاعلى بعض البلدان الأوروبية المتضررة من الحرب الأوكرانية الروسية بسبب أزمة المحروقات، وعلى رأسها دولة فرنسا بطبيعة الحال، باعتبار أنها كانت هي المحرك الأساسي لإصدارهذا البيان، مما دفع بالفرع إلى العزم على دعوة الأساتذة الكرام: بوبكر لركو باعتباره الرئيس السابق للمنظمة ولولايتين،ومن قبل أمينها العام، وعضوا لمكتبها التنفيذي، حيث راكم تجربة طويلة جدا في هذا الميدان وراقب عن قرب مسار تطور حقوق الإنسان في المغرب، وكذلك الدكتور مصطفى المريزق، الذي يتمتع هو الآخر بتجربة كبيرة داخل المنظمة باعتباره عضوا للمكتب التنفيذي ومؤسس حركة “قادمون وقادرون” ومنظما للجامعيات الشعبية على امتداد التراب المغربي، وأستاذا جامعيا .
هكذا اختار مكتب فرع المنظمة المشاركة في هذا النقاش، والذي خلقه بيان البرلمان الأوروبي، لكن ليس بخلفية سياسية بل من دافع توضيح الحقيقة وبيانها لذاتها ومن أجل ذاتها. من هنا اختار كموضوع لهذه الندوة ” حقوق الإنسان في المغرب: مكاسب وانتظارات “، إيمانا منه بأن بلادنا تسير في الطريق الصحيح . نعم قد تصيب أحيانا وقد تخطئ أحيانا أخرى، وهذه سمة العمل الإنساني، ولأنه ليس هناك مطلب يتحقق بالمطلق ودفعة واحدة، وأن الديموقراطية تبنى بالتدريج وعبر صيرورة متتالية .
مداخلة الرئيس
بوبكر لركو :
لتكن نظرتنا شمولية من جهة وموضوعية من جهة أخرى خلال مقاربة هذا الموضوع، من هنا أشير في البداية إلى أنه في السنوات الأخيرة بدأ الفرنسيون يناقشون حقوق الإنسان، بل ظهر توجه يدعو إلى إعادة النظر فيها، الشيء الذي يشير إلى أن الليبرالية( باعتبارها خالقة حقوق الإنسان ) تعيش أزمة الديموقراطية التمثيلية، والتي لم تعد تعطي أكلها مما دفعهم إلى اختيار بديل آخر هو الديموقراطية التشاركية المتمثلة في العرائض والملتمسات .
ومن جهة أخرى حينما نشاهد اليوم التراجع الكبير للأحزاب اليسارية في أوربا والعالم، وأزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ، والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ومن قبلها أزمة كورونا والتي تركت مشاكل كثيرة ليس فقط على المستوى الاقتصادي والصحي والنفسي بل على المستوى الحقوقي، فهناك أطباء وممرضون طردوا من عملهم لأنهم رفضوا التلقيح مثلا .
هذا دليل على أن هناك تراجعات في ميدان حقوق الإنسان في الغرب أي في الدول التي قلنا عنها إنها ديموقراطية، ثم أيضا يجب أن نتذكر ما وقع في الدول الاسكندنافية، والتي تعتبر من أرقى الدول في مجال الديموقراطية، والمعاملات اللاإنسانية التي تعرض لها المهاجرون السوريون، بل إن الإشكال وصل إلى حد سن قوانين ضد الهجرة خاصة في رومانيا، معنى ذلك أن هناك تراجعا خطيرا على مستوى حقوق الإنسان في أوروبا بل الأمر وصل إلى حد منع أخبار روسيا عن العالم في حربها مع أوكرانيا .
ثم إن الجميع يتذكر “الكاريكاتور” الذي نشرته جريدة “شارلي إيبدو” عن زلزال تركيا وجنوب سوريا، والذي اعتبره الجميع كارثة أخلاقية .
ثم إن الولايات المتحدة تراجعت عن قوانين الإجهاض في كثير من الولايات، وهذا خرق فادح أيضا لحقوق الإنسان .
ومن قبل كل هذا وذاك كلنا يتذكر الربيع العربي الذي اجتاح دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والذي لم يجلب إلا الموت والحرب وعدم الاستقرار في سوريا واليمن وليبيا، كما أن تونس تراجعت عن كثير من المكتسبات وعن كل ما تم اكتسابه من ثورة الياسمين، ومصر أصبحت مشتتة، كل هذا لأن الحراك لم يكن له قائد وفكر يوجهانه وهذا نقص كبير سجل على هذا الحراك العربي، حيث شاهدنا أن “الإخوان” في مصر و”النهضة” في تونس أرادوا الوصول إلى السلطة بسرعة فائقة مما أدى إلى إزاحتهم بسرعة أيضا، معنى ذلك أن الصورة قاتمة في العالم العربي على مستوى الحقوق .
والآن نتساءل عن الوضعية الحقوقية في المغرب ما هو طابعها العام ؟ يمكن القول إن المغرب على المستوى الحقوقي هو في وضع”بين – بين”، أحيانا يظهر لنا أننا سائرون في طريق حسن، وأحيانا أخرى يبرز العكس .
نعم لقد كانت عملية الإنصاف والمصالحة، والتي مست الجانب السياسي من حقوق المعارضين للنظام، قفزة نوعية كبيرة جدا في بلادنا، وكذلك صدور التقرير الخمسيني، والذي كان قراءة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لكن المشكل هو ركوب الإسلاميين على نتائج 20 فبراير ووصولهم إلى الحكم حيث طبعوا البلاد بتراجعات خطيرة جدا وجمدوا مقتضيات دستور 2011 بل إن كثيرا من مقتضيات هذا الدستور ما زالت لم تراوح مكانها إلى اليوم .
كما نتذكر أيضا ما تتعرض له الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من الحرمان من وصل الإيداع بالنسبة لكثير من فروعها، أما بالنسبة للتظاهرات والوقفات الاحتجاجية والمسيرات فيسمح لبعض الجمعيات وتمنع أخرى، أحيانا بدون مبررات، وأخرى بمبررات واهية .
وهناك إشكال آخر أشارت إليه المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في إحدى تقاريرها لسنة 2019، ويتعلق الأمر بالهدر الزماني في التشريع، حيث تظل كثير من القوانين المنظمة راكدة مثل القانون الجنائي، الذي ما زال لحد الآن لم يراوح مكانه، في حين يعتبر هو القانون الأساسي لحماية المجتمع والمواطن، ونتمنى أن يأتي القانون الجديد بالمساواة بين الرجل والمرأة لأن الحالي يوجد فيه هدر لحقوق النساء، مثلا المرأة تعاقب إذا ارتكبت الخيانة والرجل إذا سامحته زوجته لا يعاقب .
وكانت قد تكونت هيئة للإشراف على الاسترتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وشرعت في عملها لكنها جمدت في ما بعد .
كما كان الرميد وزير العدل السابق قد وضع ما يسمى بالخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان، والتي يمكن القول إنها وضعت الحد الأدنى من الحقوق لكنها لم تفعل هي كذلك رغم أن الشق المالي فيها لا يتطلب الكثير .
ويمكن القول إن التعذيب الممنهج لم يعد كما كان في سنوات الرصاص، لكن الإفلات من العقاب ما زال موجودا وبحيل متنوعة.
وفي فترة الانتخابات لا تقوم كثير من الأحزاب والكثير من المرشحين بالتشاور مع المواطنين مما يتسبب في خلق برامج بعيدة عن اهتمامات هؤلاء .
ثم إن الكثير من الناس ليس لهم تغطية صحية وبعض العمال في القطاع الخاص لا يطبق عليهم السميك ( S.M.I.G).
كما نجد في كثير من المدن بنايات ضخمة لمؤسسات، لكنها فارغة، مما يدل على خلل في التسيير، وهذا ما دفع الدولة إلى خلق النموذج التنموي الجديد، ثم التغطية الصحية، وهذا أمر مهم سنتابع كيفية تطبيقه
أما حينما نريد الحديث عن دور الأحزاب السياسية في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها نجد الفراغ التام في البرامج الانتخابية من هذه الحقوق عند الأغلبية الساحقة ما عدا بعض الاستثناءات .
وإذا ألقينا نظرة على حقوق الطفل المسطرة في القوانين المغربية نجد أن هناك 27 حقا لكن 70 في المئة من الأحزاب لم تذكر ولو حقا واحدا في المذكرة المعدة لتغيير الدستور، وأول حزب ذكر 11 حقا فقط .
وهذا ما دفعنا إلى عقد ندوة ” الفاعل وحقوق الإنسان ” كندوة موضوعاتية خلال المؤتمر الوطني 11 للمنظمة، والإشكال أن حاملي حقوق الإنسان ومن جاء بها هي الليبرالية وليس اليسار .
وهنا أسوق مثالا خطة إدماج المرأة في التنمية، والتي أتت بها حكومة التناوب، وكان فيها نقطتان خلافيتان فقط و98 حقا متفقا عليه، لكن اليمين الإسلامي افتعل صراعا حادا لا مثيل له في تاريخ البلاد .
وإذا رجعنا إلى استراتيجية عدم الإفلات من العقاب سنلاحظ أن كل المؤشرات موجودة وواضحة للعيان، لكن نلاحظ أن هناك من يتقن عملية إخفاء الآثار التي تدل على ارتكاب الجريمة ويفلت من العقاب، كما أن الرشوة موجودة أيضا بل تغلغلت داخل المجتمع، لكننا نلاحظ الآن أن هناك وسائل إلكترونية تحاربها، غير أنه في المشاريع الكبيرة تتفاهم الشركات الكبرى في ما بينها .
وبالنسبة لشروط المحاكمة العادلة نلاحظ أن القضاء سابقا كان طرفا في انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا ما سجلته هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن الآن هناك مؤشرات مهمة على تقدمه، ويجب التشبث بها وصيانتها خاصة وأن الدستور يؤكد على عدم التدخل في القضاء، ولذلك نجد أحيانا أحكاما جريئة من بعض القضاة، لكن المشكلة كامنة في العقليات أحيانا، لأن هناك من يضع حدودا نفسية لذاته ولا يستطيع التقدم إلى الأمام .
إذن هناك مكتسبات كثيرة يجب الحفاظ عليها، ونحن في منزلة وسطى، وأفضل من عدد كبير من الدول، فمثلا نلاحظ مشكلة تونس الآن حيث الرئيس يشرع وينفذ مما أدى إلى احتقان داخلي خطير .
لكننا نعيش الآن مشكلة الغلاء وتدني القدرة الشرائية للمواطن والتضخم والجفاف وآثار ونتائج أزمة الطاقة والغاز ، وانعكاس كل ذلك على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، ولذلك خرج المجلس الوطني لحقوق الإنسان ب 100 توصية مما يدل على وجود 100 خصاص، ويبقى السؤال الأساسي: كيف يمكن معالجته ؟
الخلاصة أنه تم تحقيق الكثير من الحقوق لكن بقي الكثير منها أيضا، ولذلك يجب مواصلة الطريق من أجل تحقيق ذلك لما فيه من صيانة لكرامة الإنسان.
مداخلة الدكتور
مصطفى امريزق :
من أجل تقديم إضاءات في ما يخص حقوق الإنسان والتراجع العالمي الذي أصبحنا نلمسه في هذا المجال ، نشير إلى تفاقم هذا الوضع بالخصوص بعد أحداث 11 شتنبر 2001 حيث تحولت قضية حقوق الإنسان من قضية إنسانية إلى قضية أمنية .
وتحت تأثير التغيرات الجيوسياسية حصل تغيير كبير على مستوى الخطاب، من خطاب ديموقراطي أو يدعي ذلك ويرتكز على مبادئ عالمية، إلى خطاب يجعل من الأمن قضية جوهرية بذريعة مواجهة الإرهاب والعنف وغير ذلك .
ومن هنا ظهر تصدع في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان على مستوى الانتهاكات الجسيمة لهذه الحقوق للأفراد وللدول، والعراق نموذج صارخ في هذا المجال .
وهناك نموذج آخر يجعلنا نقرأ هذه الصورة التي خلقها 11 سبتمبر، هو تنامي الخلافات على مستوى الإيديولوجية المؤسسة لمبادئ حقوق الإنسان : الازدواجية، الانتقائية، والبعد النظري الهزيل وعلى مستوى التطبيق كذلك .
هذا وبالإضافة إلى كل ذلك، لا بد من الإشارة إلى بداية تحطيم حقوق الإنسان في الغرب، وفتح الباب للشعبوية بكل توجهاتها التي أصبحت تقتحم البيوت والمدارس والمؤسسات المختلفة .
إن إضفاء الطابع الأمني على مختلف المعالجات لقضايا حقوق الإنسان أدى إلى قراءات متعددة ومختلفة منها الفقهية والقانونية وقراءة المنظمات الدولية غير الحكومية، وبالتالي غياب تعريف محدد جامع ومانع لحقوق الإنسان، فالكل يتحدث عنها الآن، لكن إذا سألنا الغير عن معناها سنحصل على العديد من التعاريف ولكل قناعته، كما نجد ازدواجية في المعايير أحيانا وفي التطبيق كذلك .
وإذا تساءلنا عن واقع حقوق الانسان في المغرب اليوم لابد أن نتذكر أولا دستور 2011، وما تلاه من قوانين وإحداث مؤسسات ذات طابع حقوقي مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990، ثم تحويله في ما بعد إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وخلق توصية هيئة الإنصاف والمصالحة، وإحداث وزارة حقوق الإنسان سنة 1993 وديوان المظالم سنة 1994 وتبنيه للتعددية السياسية، بالإضافة إلى كثير من المبادرات الكبرى مثل مصادقته على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان قبل هذا التاريخ، أي سنة 1979( العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) . وكذلك على العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية السيداو (C.D.A.W )، واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حماية العمال المهاجرين، كما وقع على الاتفاقية المتعلقة بالأشخاص في وضعية إعاقة، وهي اتفاقيات وجدت طريقها إلى التشريع رغم النواقص.
كما تم إحداث المحاكم الإدارية، والعفو الشامل عن المعتقلين السياسيين سواء الذين كانوا في قلعة مكونة أو في تازمامارت والكشف عن الكثير من المقابر.
واليوم هناك محاولة لجبر الضرر المجالي مثلا: ترميم سجن تازمامارت، وترميم بعض المقابر في الحسيمة والناظور وفي الدار البيضاء بالنسبة لشهداء أحداث 1981 .
وبطبيعة الحال حقوق الإنسان تتطور حينما تكون موازين القوى في أوجها، وحينما تكون هناك نهضة نوعية، وحينما تكون هناك حاجة لحماية الحركات الاحتجاجية.إذن هناك مكتسبات مهمة يجب الحفاظ عليها وحمايتها .
-لكن لا بد من أن نشير إلى أننا الآن، وفي هذا المجال، أمام بعد فيه ازدواجية : ما هو وطني بما هو دولي بحيث يتأثر الوطني بالدولي في كثير من الأحيان كما تمت الإشارة إليه من قبل .
لكن لا بد أيضا من تسجيل الملاحظة التالية أن الغرب أصبح يتعامل مع حقوق الإنسان بطريقته الخاصة، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي كان أول إعلان أصدرته الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحول الآن إلى إعلان خاص بالغرب، لقد حوروه على مقاسهم، ولم يعد ذلك الإعلان الذي فيه الكرامة والنبل، لقد أخضعوه لتوجهاتهم ومصالحهم أحيانا باسم الحداثة وأحيانا باسم ما بعد الحداثة، وهي كلها تبريرات يخدمون بها مصالحهم الخاصة .
تلا هذين العرضين نقاش مثمر ومكمل، وانتهى اللقاء بتكريم غير معلن في بداية النشاط لرئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بوبكر لركو، حيث تم الإدلاء بشهادات قيمة في حقه من طرف مكتب الفرع وثلة من أصدقائه .