بورتريهات الفنان عبد الله بلعباس.. الكتابه بالوجوه الرسم عندما يضاعف أحيانا من عتمة الكتابة

 

يشبه اختزال وجود الكائن في الوجه، عبر البورتريه المنقط، اختزال الجسد في حركاته و رقصاته أو تمايلاته، وعند عبد الله بلعباس يفرض نفسه بواسطة تفرد أسلوبه في العمل على ملامح غير مكتملة في الغالب.
ولعلنا نخمن حياة صاحب البورتريه، الأدبية بالأساس، من خلال ما لم يكتمل بالذات. بل لعلنا نستخلص منها أن هناك قطعة من المخلية لا يدركها الأدب المكتوب، بل تتستر في تلافيف الرسم أو التشكيل الغرافيتي أو الواقعي أو الخربشاتGribouillages ، وفي وجوه بعينها، عندما نستشعر مساهماتها، بل ما يعلق بذاكرتنا منها، ندرك بالعين فقط أن الرسم يضاعف أحيانا من عتمة الكتابة أو بالعكس يضيف إليها لمسات مضيئة صادرة عن حب وتقدير، وأهم درس في البورتريه عند بلعباس هو أن طاقة اليد- المنفذة، والخيال- المهندس، هما اللذان يشكلان المادة الأساسية، فيسهل وقتها تعويض الصورة- المتعارف عليها فوتوغرافيا
وفي تأصيل ذلك، يمكن القول إن الخطاطة النهائية، قد تشبه الخطاطة الأولى، تلك التي تتركز على فكرة ما أو علي تأمل يسبق حركة اليد..
الرسم الفوري العفوي أو المتستر عوض التركيز على الانجاز المفكر فيه أو المجاورة بينهما، يشبه مجاورة الحروف والخطوط. وكما يتعلق الكاتب بالأبجدي والكاليغرافية في رسم بورتريه لكاتب أو فنان او شخصية ما، يميل عبد الله بلعباس الى التعلق بالخطوط الرصاصية لكي يرسم ذات الوجه، مع حرصه على Œمضاعفة˜ البورتريه بالحروف. أليست الدارجة بليغة في ما تذهب إليه من أن الحياة إذ تذهب تترك «حْروفها»، مثل الجمال- «الزين»؟
إن الوجوه، في المسعى الجديد، الذي لم يغامر بمعرض عنه أحد قبل بلعباس حسب تقديري ، لا تظل حقائق موجودة عندما تلمسها أقلام التشكيلي، بل تصير مجرد علامة على وجود ما، عن أجساد في حالة توتر دائم بقي منها الرأس فقط دليلا على الجسدـ المنمنمة.
بلا جسد يسنده، يصبح الوجه ـ الحرف الجامع تعبيرا عن نزوع متوتر في النزعة الكافكاوية للرسم كما يهدد من طبعه بلعباس بترميم حميميته. ولعل المتن corpus هنا هو الحامل الفيزيقي البديل أو العوض عن الجسد corps.
إن البورتريه، إضافة إلى قيمته الفنية وما يحمله من قرابات رمزية بين الرسام الفنان التشيكي وأصحابها هو كذلك قيمة مضافة الى الوصف والسرد..
وعندما تصل الكتابة إلى حدها، ويتهددنا العي اللغوي والانحباس المتعلق بالأبجدية وفقدان القدرة على الكلام نسعى إلى الخطوط الرصاصية للكتابة الكتابه بالوجوه..


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 17/07/2023