كنت أعرفه قبل آن أتعرف عليه شخصيا.. حين كنت أتوصل بجريدة الاتحاد الاشتراكي أيام إقامتي العاصمة الفرنسية، كنت متتبعا للنصوص الإبداعية، شعرا ونثرا، بملحقها الثقافي الأسبوعي، ومن ثمة، نالت إعجابي بعض الكتابات لأسماء بتوقيعاتها، ومن ضمنها حسن برما، وذات لقاء باريس مع الصديق الإعلامي والشاعر حسن نجمي، وبعد أن سردت له بعض الأسماء التي تعجبني كتابتها ومن ضمنها اسم حسن برما، قال لي: إنه ولد الحي مثلك! ولا أدري كيف أجبت للتو: لا يمكن أن يكون إلا ولد الحي؟!
وبعد فترة زمنية، كان اللقاء معه بمقر للجريدة بالبيضاء بمعية الأخ المناضل عبد الرزاق معنى السنوسي ذاكرة للحزب وجرائده.
بالفعل، إنه ابن الحي المحمدي البار الذي يقول عنه إنه جزيرة الحياة والحلم الممكن.. رأى حسن النور بدرب السعادة المحاذي للسوق الفوقاني (سوق الكلب) عند نهاية النمرة جوج.. درس بمدرسة عقبة بن نافع ثم إعدادية المستقبل في أواسط السبعينيات ليلتحق بالثانوية التي تحمل نفس اسم المدرسة الابتدائية آنذاك، وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا، انتقل واثق الخطوة ليدرس بشعبة الأدب العربي بجامعة محمد الخامس بالرباط حيث حصل على الإجازة في بداية الثمانينيات.
اقتحم مهنة التعليم أولا من بوابة الخدمة المدنية، ثم بعد تخرجه من المركز التربوي بالقنيطرة، تم تعيينه رسميا أستاذا داخل البيضاء إلى أن استقر به الحال مديرا للثانوية الإعدادية ابن عبدون، قرب مسقط الرأس وليس بعيدا عن درب الحياة.. هنا، قضى خمس عشرة سنة بالطول والعرض، وهنا تعرف على الواقع المزري لأطفال الشعب ومشاكل الأسر والعائلات وما تسومه من مأساة بسبب الفقر وقلة الحيلة. ومع ذلك، كان الطموح وكان الأمل…
في البدء كانت القصيدة.. ثم القصة.. ثم النشر على صفحات ملاحق ثقافية مغربية وعربية.. هكذا، وبعد أن فرض توقيع نفسه فرضا إبداعيا مثيرا للاعتراف، لم يكن بد من الإصدارات على الصعيد الأوسع، وجاءت حصيلة البوح والشغف بمجموعة من المؤلفات موزعة بين القصة والشعر والرواية، وهاهي أمامكم وبدون تجنيس:
ضمير الخائب.. دفين العتبة.. في عين الظلمة.. صباح الورد والاعتراف.. ارتعاشات ترفض التجنيس.. شهد النسيان ناداني. حين تكلم البحر.. سيف الريح.. كمان تعزف حنينها…
وحدها العناوين جديرة بدراسة عميقة وتحليل أعمق.. شارك في للعديد من الملتقيات واللقاءات في جميع أنحاء البلاد، وفاز من بر مصر بجائزة المهرجان الدولي للقصة القصيرة، وجميل الجمال هو إطلاق اسمه على مسابقة القصة القصيرة في المهرجان الدولي التاسع للقصة القصيرة بمدينة خنيفرة.
يقول: «عابرون في وقت أرعن ولاشيء يستحق الحزن والندم، في الزمن، ما يكفي لنعيش ونكتب بحب آلاف الحكايات، نقتنص بمشيئتنا مساحة للحلم والفرح، ولا نستسلم لحياد الوقت وقهره القاسي…»، عبارته هذه تعكس بالمرآة واقع عمق كتاباته: عدم الاستسلام للحزن والندم بالحب والفرح والحلم، وما أضيق العيش لولا فسحة الإبداع والأمل.
كتابات حسن موغلة في مسافات الصمت والكلام تمددها خطوات الألم والأمل، والأفراح والأحزان، قصائد ونصوص تتحسس الأوجاع وتعاتب المسؤولين عن النفوس المشحونة بالحقوق المهضومة.
في كتابات صديقنا حسن برما، هناك مواقف ومشاعر وأفكار ورؤى ومستملحات تمليها امتدادات الزمان والمكان بلغة رصينة وأسلوب متين من السلاسة بمكان. هناك اللغة الشعرية والصور الشعرية داخل النصوص القصصية، وهناك السرد الجميل إيقاع الحكي داخل القصائد الشعرية.. أعمال تعج بالصراخ والاحتجاج بالأسئلة الحارقة حول حفاة الدرب ونيران الخصومات والقلوب المجروحة.
حسن هو القاص.. حسن هو الشاعر، والواحد لا يتحرك دون الآخر، يمشيان معا في الحرارة والرطوبة وما بينهما.. يمشيان معا في دروب الجراحات والطموحات والانفعالات، بالجد والسخرية، وعشق الشيخات وأغانيهن والإبداع اليدوي للنقاشات.. وحين تتناسل ثقوب التعب والإرهاق، يضرب كفا بكف، ويحمل همومه أحلامه إلى الجديدة عاصمة دكالة للتأمل والتفكير في ما ستجود به القريحة الكتابية في القريب.. وما الغد ببعيد…
هامش:
حسن نرايس ــ الحي المحمدي وجوه وأمكنة ــ 2024 )ص181 ــ 184(