بورتريه … عبد الجبار بوهلال

رجل أقرأ كُلّ فُيوضه وفنان أكتب بَعْض مَزاياه

 

(1)
طَلْق المحيَّا، باشّ،
باعث على الألفة، وخالق لانسيابها.
يعلو فؤاده فوق جراح الوقت،
ويمتشق ابتسامة فيها يكمن وارف انتصاره.
بكُلِّية نصوعها، تَجِيءُ إِلَيَّ ضحكته، تلك التي أرى في نصفها الأول نصف شخصيته. وأسمع في نصفها الثاني كُلّ إشراقه. وفي محامدها، هذه الضحكة المضيئة، التي يَرْبُو عمرها عن سبعين حبورا طفوليا، يحلو لي أن أعيد إنتاج معرفة واعية، ومتجددة، بخواص هذا الرجل المغاير، الذي لا أناديه باسمه الشخصي، عبد الجبار، بل «السي بوهلال».
حين من يفاعة قلبه تقترب، لسَجَاياه تختبر، وبدواخله تلوذ، تكتشف غزير مزاياه، دفعة واحدة، ثم يتجلى إزاء انطباعك، وأمام تفحصك، إنسانا مَرِحا حَدَّ مداعبة الأشياء العابرة في انفراج فرحه، في خلود خطوه إلى علو البهجة.
إذا أخذته سَوْرَةُ الغَضَبِ،
لسبب من دواعي بقايا الطفل
القابع في أحشاء سريرته،
يلوذ بصمته، ويعتزل كُلّ جهر.

(2)
إلى ٱل بوهلال، هذه الأسرة التي كان لها باع طويل وكبير في العمل الوطني التحرري، ينتسب هو، بالجملة والتفصيل، وعبر جذور شجرة الانتماء، واتساع جغرافية الانتساب.
حتى حين تم فطامه عن صدر آلِهِ، وتخطى فتوة صْحبِهِ، بقي مشدودا إلى مكارم متوارثة، نابعا من شيم مكرسة، ومحمولا على أكتاف كُلِّ هَادٍ إلى أزمنة السؤدد، وكُلِّ مُهْتَدِ بأفضية ظل جمرها قيد اشتعال لا يَخبُو له لهيب ذاكرة.
ما بين وُلادته (30 غشت 1942) في مصحة الدكتور ديبوا روكبير (clinique Docteur Dubois-Roquebert) في الرباط، وتشبع وعيه بأفكار والده محمد بن المعطي بوهلال،
وتشربه لقيم والدته راضية بنت محمد بوهلال، تَمكَّن بشكل ماهر من بلوغ سقف النشأة، وهو مُحصَّن من أعطاب راهنه، ومن الٱتي، تباعا، في ما بعد.
من هنا، أنا أزعم، وبي يقين،
أن جهاز مناعة عبد الجبار بوهلال
ضِدّ الزمن الأغبر المتفشي الٱن،
لم يتشَكَّل إبان أعالي رجولته،
بل ترسخ خلال أفق يفاعته.

(3)
كثيرا يحدث أن ألمح في كلام وصوت السي بوهلال، وهو يحدثني – بحنين جارف – محتوى زمن مضى، ومتون جيل انصرم، وهوامش واقع انتهى سريان مفعوله.
يَرْبُو زمنهُ سَنةً بَعْدَ سَنَةٍ،
دون أن يتخلى عن فواسح خصال
اغتنى بها جيله الذهبي، الذي لن يتكرر.
أليس هو الذي تكفل بتربيته، وزرع قيم المواطنة فيه، عمه أحمد بوهلال، هذا الذي كان من المناهضين للظهير البربري٬ وصاحب جريدة «الشاب المغاربي» (سنة 1946)، ومجلات «بلادي» و»المغرب الحرفي» و»المهاجرين»٬ مؤلف كتاب عن الجيش الملكي، وأول دليل للهاتف٬ ومن مؤسسي أول نواة للكشفية الحسنية، تحت رئاسة ولي العهد، آنذاك، المرحوم الحسن الثاني ؟!
ومن أرومة هذه الأقاصي، توالى علينا وعيه الغميس. وجاء رسوخ الكثير من إمكاناته الثرية، التي تتوزع طولا. وتتعدد عرضا. وتمتح من شخصية تأبى تقاعدا.

(4)
ٱهل بالتعدد وزاخر به،
هو هذا الرجل.
لا يشكو في ثراء التوثب
أي عوز ما يذكر هنا.
من عشق السباحة في مصب أبي رقراق بالمحيط الأطلسي ما بين الرباط وسلا٬ ومشاركته في مباريات لكرة القدم مع فتيان فريق اتحاد توارڭة، وأقرانه من أبناء عائلات برڭاش، اڭديرة، بن عبد الله، والمسناوي، وحرصه على أن يكون من الرواد الدائمين، والمميزين، للمراكز الثقافية التابعة لأمريكا، الاتحاد السوفياتي، وفرنسا (الرباط)، وتخرجه من المدرسة الوطنية الفلاحية للمهندسين بمكناس (1961)، واصل سي عبد الجبار بوهلال، سليل الأعالي هذا، ثراء مساره المتجدد على مدى سنوات حوافل، وشسع مسيرته اليقظى، متسلحا بتطلعات لم يهدأ له خطو حتى الٱن.

(5)
هنا، غير بعيد عن سلالة الأكابر، تحديدا في مدينة الجديدة،
يقيم هذا الرباطي، الٱتي من ربع ما بقيت إلا ٱثاره، منذ عين (سنة 1969) رئيسا لقسم الإرشاد الفلاحي والتكوين المهني لأبناء الفلاحين بالإقليم.
ترسخ في الجديدة،
بعد أن انخرط في جغرافيتها،
ونهل من فيوض ينبوعها،
وسبح في لجج بحرها،
واختبر كُلّ متاهات دروبها،
وولج كنه أهاليها،
فأضحى «جديديا» قُحّاً، يُحِبّ ويُحبّ.
حين رحل إلى مدينة ديجون بفرنسا ليواصل تعليمه العالي، ظل قيد رهانات وطنه. ولم يكف عن منح جماع قدراته لهذا الانتماء المكين، لكي تبلغ القاطرة منتهاها المشتهى. هنا جاء وعي التحدي، ذاك الذي دفعه، سنة 1981، إلى إصدار مجلة شاملة باسم « المسيرة الاقتصادية».
وكانت الجديدة، أيضا، موئل كُلّ مبادراته الجريئة. كما كانت، كذلك، مٱل كُلّ المسؤوليات، المهنية والسياسية، التي تولاها على مدى عقود من الجهد الغزير، الذي ما عرف إلا الدأب، إلا التسارع في خطوات تلاحق طموحات.

(6)
جديد في الفرشاة،
قديم في اللون.
وعابر في القماش،
مقيم في الظلال.
نهل هذا المتكاثر من ٱيات الثقافة البصرية، ونشط في حقل مكون من شتيت الفنون، قبل أن يلج عتبات التشكيل. لذلك تسلح بتمرسه الثقافي السابق، سواء من خلال تقلده رئاسة اللجنة الثقافية لبلدية الجديدة (2000)، أو من خلال توليه قيادة نادي روتاري الدولي عبر ولايتين متتاليتين (2007 / 2008 و 2008 / 2009).
هكذا، وبمعية الفنانة الكبيرة زهور معناني، انطلق عبد الجبار في عوالم التشكيل. شرع في رسم لوحات تعبر عن هواجسه ورؤاه. هذا مكنه، في وقت وجيز، من المشاركة في ملتقيات فنية داخل المغرب، وخارجه، سواء بالحضور الفعلي، أو عبر البعد الافتراضي. وحظيت أعماله بشواهد تقدير.

(7)
يُحَوِّلُ محتوى إشراق وَجْهه
إلى قلبك، وباتجاه يدك المصافحة،
كُلَّمَا رَآك مقبلا نحوه.
ويوم التقيت به في الجديدة، ذات زيارة رائعة، بحضور كُلّ من الأديبة التطوانية أسماء المصلوحي، والفنانة التشكيلية الدكالية زهور معناني، بدا لي شخصا مختلفا، ينادي إعجابا كثيرا إليه، عبر جمالية عفويته. وبساطة تلقائيته. ومنسوب السَجيَّة الذي يسري، وهجا، في رحيب روحه.
في ضوء تلك الأيام الرائعات، في بهاء حضرته، وفي الوقت الواهب معه، أسلست لأفق انطباعي عنه كل قيادي. ورحت أتقرى ما به كان السي بوهلال، وأتقصى ما عبره يتبدى إزاء قراءاتي في صفحات شخصيته الأمارة بالحبّ !
وأنا على أهبة العودة إلى طنجة، وقادما من الجديدة، حيث فضاء لقائي الثاني به، بعد لقاء أول، عابر كان بتطوان، قلت للكاتبة أسماء المصلوحي:
عبد الجبار بوهلال،
رجل بكلِّ التِّرحاب أقرأ مزاياه.
فنان بكلِّ الرُّحْب أكتب ثناياه.


الكاتب : حسن بيريش

  

بتاريخ : 24/02/2022