بدأ الروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، المعتقل حاليا بالجزائر بتهمة المساس بأمن الوطن، بعد تصريحات صحفية حول مغربية الصحراء، في الكتابة بتشجيع من صديقه الراحل رشيد ميموني عام 1997 في عز الإرهاب الذي ضرب الجزائر، ونشر روايته الأولى «وعد البرابرة» عام 1999 قبل أن تتوالى رواياته: الثانية «طفل الشجرة الفارغة المجنون» والثالثة «قل لي الجنة» عام 2003 والرابعة «حراقة» عام 2005 والخامسة «قرية الألماني» عام 2008 والسادسة «شارع داروين» عام 2011.
عالج صنصال في جميع هذه الروايات المذكورة وفق تسلسلها الزمني صعود التطرف الإسلامي في الجزائر، التي مازال مقيما فيها بضاحية بومرداس الواقعة شرق العاصمة، وفساد الحكم الجزائري، ومأساة الشبان الجزائريين، وعلاقة الإسلاميين الراديكاليين بالفكر النازي. له كثير من الكتب العلمية والتقنية والدراسات والأبحاث عن تاريخ الجزائر، والمسألة اللغوية، والذاكرة، والفن المعاصر.
منذ سنوات وصنصال يكتب عن جوانب محزنة من تاريخ وطنه الذي عانى تحت وطأة الحرب الأهلية والإرهاب الإسلاموي. وقدم العديد من الروايات التي تبرز جرأة في طرحها ونقدها للواقع الديني، وهو ما صنع له بصمة أدبية خاصة، مكنته من أن يحصل على عدة جوائز عالمية، ومنها «قرية الألماني» «قسم البرابرة».
بعيدا عن الجانب السياسي في اعتقاله، نقدم هنا لمحة عن الوجه الأدبي للكاتب بوعلام صنصال من خلال أهم رواياته ، وما أثارته من قضايا وجدل أيضا.
“قرية الألماني”: الهولوكوست والإسلاموية
طرقت رواية “قرية الألماني” للروائي .الجزائري بوعلام صنصال دربا جديدا، حيث تناولت هذ الرواية التي صدرت الطبعة الأولى منها بالفرنسية ملف الحقبة النازية والهولوكست، وهو ملف قلما تتطرق إليه الرواية المغاربية أو العربية عموما. عن ذلك يقول بوعلام صنصال: إن هذه الرواية مبنية على ثلاث قواعد وهي: الحقيقة التاريخية والمسؤولية والشفافية، وهي القواعد التي يتغاضى عنها الكثير من الكتاب العرب للحديث عن علاقة بعض المجتمعات والأنظمة العربية بفلول النظام النازي، حسب رأيه.
اهتمام صنصال بالحقبة النازية ينبع من قناعته بأهمية التعريف بالجرائم الإنسانية حتى لا تتكرر ، ولأن عدم تسليط الضوء عليها وعدم المعرفة بها قد يؤدي إلى قيام أنظمة متطرف في المنطقة على غرار الأنظمة الفاشية.
نازي يستقر في الجزائر
تدور رواية”قرية الألماني” حول نازي ألماني يدعى هانز شيلر، اختفى عن الأنظار بعد الحرب العالمية الثانية ليستقر به المقام في إحدى القرى الجزائرية ويشارك في الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
الرواية كما يقول مؤلفها تحاول أن تلقى نظرة عن حقبة النازية ومابعدها عبر نظرة الطفل البريء إلى الجرائم التي ارتكبت في حق
البشرية. فشيلر الذي دخل الإسلام وتزوج وأنجب يلقى مصرعه هو وزوجته على أيدي اسلاميين متطرفين، ثم يكتشف ابناه بعد مقتل والدهما السر الذي أخفاه عنهما طيلة حياته، وهو أنه شارك في جرائم النازية. فيجدان نفسيهما فجأة في مواجهة ماض مؤلم يشعران أمامه بالحيرة.
يقول صنصال إن فكرة الرواية مبنية على قصة حقيقة، ففي ثمانينيات القرن الماضي حل الكاتب بإحدى القرى الجزائرية القريبة من ولاية سطيف، ليكتشف أن ضابطا سابقا في الجيش النازي كان يحكم هذه القرية، ولا يزال ينظر إليه كبطل للخدمات التي قدمها لأهل القرية و مشاركته في ثورة الجزائر.
الإسلاموية والفاشية
في إحدى النقاط الأكثر جدلا في الرواية التي كُتبت بالفرنسية، يحاول الكاتب المقاربة بين الفاشية والإسلاموية، فبطل رواية قرية الألماني النازي “شيلر” لقي حتفه مع زوجته على يد مجموعة إسلامية متطرفة، وهو نفس المصير الذي لقيه آلاف الجزائريين بمختلف أطيافهم طيلة عشر سنوات من الإرهاب، حيث تؤكد تقارير منظمات غير حكومة عدد القتلى الذين سقطوا أثناء الصراع بين الاسلامويين و الجيش الجزائر في التسعينيات بأكثر من 200 ألف قتيل.
صنصال الذي قرأ كثيرا عن حقبة النازية كما يقول وجد قواسم مشتركة بين هذه الأخيرة والعنف الذي يرتكبه اسلامويون، ولعل من ابرز هذه القواسم التي يذكرها هي كراهية الآخر، وتبنيها لمبدأ إما إن تكون معي أو أن تكون ضدي.
رواية قرية الألماني التي عرفت نجاحا منقطع النظير في أوروبا بعد ترجمتها إلى عدة لغات عدا اللغة العربية لا تزال تحت مقصلة الرقيب الحكومي، وقد لا تدخل الجزائر بالرغم من أن جمهورها الحقيقي موجود هناك، فالرواية لاقت استهجانا كبيرا من طرف الإعلام الجزائري، إذ وصفها بعض الكتاب هناك بأنها تتنافى مع أخلاقيات الثورة الجزائرية .
“2084”.. رواية حول التوليتارية االدينية
تعتبر رواية “2084” للكاتب الجزائري المعتقل حاليا بالجزائر، عملا أدبيا مستقبليا يستلهم تقنيات الرواية الديستوبية (أدب المدينة الفاسدة) لرسم صورة قاتمة عن مستقبل العالم، حيث تتحول الأرض إلى مكان مظلم بفعل تصاعد التطرف والاستبداد.
” 2048 ” المستوحى عنوانها من رواية أورويل الشهيرة ….عمل أدبي خيالي سياسي يتناول قضايا معاصرة في سياق مستقبلي سوداوي، حيث تصور الرواية العالم في عام 2048، تهيمن فيه الأنظمة الاستبدادية، وتتلاشى الحريات الفردية، ويتم التحكم في مصير البشر من قبل قوى شمولية، وفيه يفكك صنصال آليات الإرهاب الإسلامي، الاجتماعية واللغوية ومختلف الرموز التي تقوم عليها التركيبة الهيكلية للتوليتارية الإسلاموية.
تتخذ الرواية من مدينة “قدس أباد” محورًا رمزيًا للأحداث، حيث تتحول إلى عاصمة عالمية لدولة كبرى “ابيستان” تتبنى نظامًا صارما يدمج بين التكنولوجيا الحديثة والاستبداد الديني. وتسلط الضوء على القضايا المعاصرة مثل صعود التيارات المتطرفة، استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، وانهيار الحدود بين الدول في مواجهة العولمة التي تتلاعب بها قوى كبرى.
من خلال هذا العمل، يقدم صنصال نقدا للمجتمع العالمي ومساراته الخطرة، محذرا من احتمالية تفاقم الأزمات البيئية والسياسية والدينية. الرواية تعكس رؤية كئيبة ولكنها ثاقبة لمستقبل البشرية .
أحداث الرواية
أحداث الرواية -التي نشرتها دار “غاليمار” الفرنسية (2015)- تدور في زمن غير محدد، نعرف فقط أنه يقع بعد العام 2084 الذي انتصرت فيه إمبراطورية “أبيستان” على جميع أعدائها وبسطت سيطرتها على العالم.
وبينما يدير هذه الإمبراطورية مرشد ديني غير مرئي، يخضع سكانها الممنوعون عن التجوّل خارج أحيائهم لمراقبة ثابتة على يد جهاز سياسي-أمني يتحكم بجميع مفاصل حياتهم ويملك القدرة على معرفة حتى ما يدور في خلدهم.
وكما لو أن ذلك لا يكفي، فُرضت على الرعايا “لغة لا تحاور الذهن، بل تحلله وتحوّل ما تبقّى منه إلى مؤمنين في حالة شلل فكري كلي”. أما الطرقات التي تربط مدن الإمبراطورية بعضها ببعض فلا يسلكها سوى حجّاج يختارهم النظام وفقا لطاعتهم و”ورعهم”، ويخطّ سلفا طريقهم إلى أماكن “مقدسة” يخلقها وفقا لحاجاته.
التسلية الوحيدة في الإمبراطورية التي تخيلها الروائي هي العقوبات التي تُنفذ في أماكن عامة مخصصة لها، وتشكّل لجمهورها الغفير لحظات اتحاد شديد بواسطة الدم المتدفق بغزارة والرعب المطهر الذي ينفجر كبركان
بطل الرواية شاب في العقد الثالث من العمر يدعى أتي، نجده في مطلع الرواية يخضع للمعالجة في مصحة لمرضى السل يقع في مرتفعات جبل سين، قبل أن يقرر الرجوع إلى داره في عاصمة “أبيستان” إثر شفائه.
وفي رحلة العودة التي تقوده إلى عبور مناطق ومدن وقرى لا تحصى، تفصل بينها حدود غير مرئية لكن مغلقة بإحكام لمن لا يحمل تأشيرات المرور، ينكشف له الواقع العميق لحالة التكييف والاستلاب التي يخضع لها جميع سكان الإمبراطورية.
هذه الحالة تجعل من كل فرد “آلة محدودة وفخورة بمحدوديتها، شبح إنسان محتبسا في الطاعة والخنوع، يعيش من أجل لا شيء، بفعل واجب لا فائدة منه، وكائنا خسيسا قادرا على قتل البشرية جمعاء عند أول إشارة” من حاكميه.
تدور الرواية في عام 2048، حيث تسود “القدس الكبرى: قدس آباد”، وهي دولة عالمية توحدت فيها الشعوب تحت نظام شمولي صارم قائم على تطرف ديني وتقني. في هذا العالم، تتلاشى الحريات الفردية ويتم التحكم في العقول والسلوكيات عبر تقنيات متقدمة، بينما يُستخدم الدين كوسيلة لإخضاع الأفراد.
البطلان الرئيسيان، “عاطي” وصديقه عالم الاثار “كوا” وهما من شخصيات هامشية في النظام الجديد، يحاولان البحث عن الأمل والتغيير. عبر حواراتهما وأفعالهما، يكشفان النقاب عن ماضي العالم وكيف وصلت البشرية إلى هذه الحالة الكارثية. يتم استعراض الأحداث من منظور نقدي يربط بين الماضي (زمننا الحاضر) والمستقبل.
يدمج صنصال في هذه الرواية بين السرد الروائي والتحليل الفكري، ويستخدم أسلوبا مشوقا يغلب عليه الطابع النقدي والسخرية أحيانًا، وهو يتناول مواضيع راهنة من قبيل:
1. صدام الحضارات: تتناول الرواية كيف يؤدي سوء فهم الأديان والثقافات إلى صراعات مدمرة، مما يفتح المجال لتنامي الحركات المتطرفة.
2. الاستبداد السياسي والديني: تحذر الرواية من الأنظمة التي توظف الدين لتحقيق غايات سياسية.
3. التكنولوجيا كأداة سيطرة: تستعرض الرواية كيف يمكن للتكنولوجيا، إذا أسيء استخدامها، أن تصبح وسيلة فعالة للتحكم في البشر وإلغاء إرادتهم.
4. الهوية والحرية: تسلط الضوء على فقدان الإنسان لهويته في مواجهة أنظمة عالمية تفرض نمطًا موحدًا للحياة.
“2048 ” ليست مجرد رواية خيالية، بل هي أيضا دعوة للتأمل في القضايا السياسية والاجتماعية والدينية التي تواجه عالمنا اليوم، حيث من خلال هذا العمل، يقدم بوعلام صنصال تحذيرا للبشرية من عواقب انعدام التسامح، تصاعد الأصولية، والاعتماد المفرط على التكنولوجيا دون ضوابط أخلاقية، كما يدعو القارئ إلى التفكير في الحاضر واتخاذ قرارات حاسمة لتجنب مستقبل قد يصبح واقعًا.
“قسَم البرابرة” :Le Serment des Barbares
رواية “قسم البرابرة” (Le Serment des Barbares) هي أول عمل روائي للكاتب الجزائري بوعلام صنصال، نُشرت لأول مرة عام 1999. تُعد هذه الرواية واحدة من أبرز الأعمال التي تسلط الضوء على الواقع السياسي والاجتماعي في الجزائر خلال فترة ما بعد الاستقلال.
تدور أحداث الرواية حول لخضر نصري، مفتش شرطة في ضاحية بالقرب من الجزائر العاصمة. يعيش حالة من الانكسار الشخصي بعد وفاة زوجته ويجد نفسه متورطًا في تحقيق حول جريمة قتل رجل فقير عُثر عليه مقتولًا في ظروف غامضة. الرجل الضحية كان عاملًا زراعيًا عاد إلى الجزائر بعد أن قضى سنوات في فرنسا.
من خلال التحقيق، يدخل المفتش في متاهة من الأسرار تتعلق بتاريخ الضحية وعلاقاته، مما يقوده إلى الكشف عن الفساد المستشري والوجه المظلم للنظام السياسي والاجتماعي الجزائري. الرواية تعكس واقع الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان العنف والإرهاب يعصفان بالبلاد.
تناقش الرواية الثيمات التالية:
1. الفساد السياسي والاجتماعي: تنتقد الرواية الفساد الذي أصبح جزءًا من حياة المجتمع الجزائري بعد الاستقلال.
2. الإرث الاستعماري: تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الجزائر وفرنسا وتأثير الماضي الاستعماري على الحاضر.
3. العنف والتطرّف: تناقش الرواية حقبة التسعينيات المظلمة التي شهدت صراعًا بين النظام الحاكم والجماعات الإسلامية المسلحة.
4. الهوية والانتماء: من خلال الشخصيات، تتناول الرواية صراع الهوية بين ما هو محلي وما هو مستورد، وبين ماضٍ استعماري وحاضر متأزم.
رواية “قسم البرابرة” التي فازت بجائزة الرواية الأولى من دار النشر Gallimard ليست فقط قصة بوليسية، بل هي أيضًا استكشاف عميق لجروح الجزائر بعد الاستقلال، مما يجعلها قراءة لا غنى عنها لفهم تعقيدات هذا البلد، وقد أثارت جدلا كبيرا بسبب نقدها الجريء للوضع السياسي والاجتماعي في الجزائر.
جوائزو تكريمات
serment des barbares ” سنة 1999 حصلت سنة صدورها على جائزة الرواية الأولى بفرنسا. وبفضلها سافر إلى العديد من المدن في فرنسا لتقديم الرواية للقراء.
– نالت روايته “قرية الألماني أو مذكرات الأخوين شيلر” سنة 2008 الجائزة الكبرى للفرانكوفونية. وتحكي علاقة ضابط سابق في الجيش النازي بقادة جبهة التحرير الوطني في الجزائر.
فاز الروائي الجزائري بوعلام صنصال عن كتابه “إبراهيم أو الحلف الخامس” بجائزة المتوسط الأدبية الفرنسية لعام 2021. ونال بوعلام صنصال البالغ 71 عاما، الجائزة عن فئة أفضل رواية بالفرنسية، تقديرا لكتابه عن “القوة ومكامن الضعف في الفكر الديني” والذي نشرته دار “غاليمار”، وفق اللجنة القائمة على الجوائز.
حصل في يونيو 2012 على جائزة الرواية العربية عن كتابه “حي داروين”.
-في 2011، فاز الكاتب والروائي الجزائري الفرنكفوني بوعلام صنصال بجائزة السلام في معرض فرانكفورت للكتاب بألمانيا، وذلك “مكافأة له على انتقاده الصريح للوضع السياسي والاجتماعي بالجزائر”، وفق ما قاله مدير المعرض غوتفريد هونفيلدر.و قد هنأه وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله صنصال ، قائلا في بيان إن “الجائزة لا تأتي فقط تكريما لعمل بوعلام صنصال الأدبي، بل لتكافئ أيضا جهوده من أجل تغيير ديمقراطي وسلمي في الجزائر”.
*رواية “2084: نهاية العالم” توجت بالجائزة الكبرى للرواية من الأكاديمية الفرنسية.