يقترن اسم بول باسكون ولايزال بغلاف «سوسيولوجيا المجال القروي». سَيُسهم باسكون من خلال هذا الغلاف في تقديم تأويلات جديدة للقضايا الكبرى التي تعتمل داخل مطبخ السوسيولوجيا القروية، وسيعيد إلى الواجهة بعث نقاشات الفرضيات الانقسامية والفيودالية والقايدوية…
يقترح باسكون تخريجة جديدة تسمى «فرضية المجتمع المركب»، وهي فرضية استدماجية تنفتح على مُجمل العطاء السوسيولوجي المُنجز حول المغرب…في سياق ذلك، انشغل باسكون بتعقب «إشكالية التحول الاجتماعي» من خلال أطروحته الجامعية لنيل درجة الدكتوراه حول: «حوز مراكش: التاريخ الاجتماعي والهياكل الزراعية». صدرت الأطروحة في مجلدين سنة 1983.
وفي ما يتصل بحياته، لا تزال حياة باسكون حُبلى بالأسئلة المؤرقة، والإحالة هنا إلى غموض الملابسات التي عصفت به يوم 22 أبريل من سنة 1985 رفقة صديقه عاريف.
نقرأ تلميحا لذلك، في ما كتبه عبد الكبير الخطيبي في رواية «ثلاثية الرباط»، حينما أثار قضية الغموض التي رافقت حادثة السير. يقول في شأن ذلك: «يُشبه المغرب صندوق العجائب، حادثة سير تقع في الصحراء؟ «.
عودة إلى فرضية المجتمع المركب، ففي المجتمعات المماثلة للمجتمع المغربي، والتي لم تكن تمتلك مشروعا مجتمعيا خاصا بها يُمكنها من صنع التراضي العام، ويُوجهها إلى سبل الخروج من التبعية، لم يكن النموذج الرأسمالي هو السائد والمهيمن فقط، بل ثمة علاوة على ذلك شيء آخر: هنالك نماذج من التنظيمات الاجتماعية تتصارع داخل المجتمع.
لسنا أمام مجتمع معين، بله أمام مظاهر جزئية تتعايش أحيانا في نفس اللحظة ونفس المكان، هكذا ينتمي فرد معين وحسب سلوكاته المختلفة إلى عدة مجتمعات…»جزء من هذا التركيب يُمكن الوقوف عليه في المظهر التالي: «مجموعة فلاحين لهم الحق في الأراضي الجماعية، تذهب نساؤهم يوم العَنْصرة لسكب السوائل على قبور الأجداد، يطلبون من خَماسيهم أن يأتون بالبغلة صباحا، ويذهبون إلى المكتب ليطلبوا القرض الفلاحي جماعيا».
يُظهر التحليل أن المجتمع يتعايش مع نماذج اجتماعية مركبة. ومسألة التعايش على قدر كبير من الأهمية، إذ يتعلق الأمر، بتعايش وليس صراع كما رَوَّجت له مصنفات الإثنوغرافيا الفرنسية. ضمن هذا الأفق، وجَّه باسكون عموم المؤرخين إلى وجوب استحضار هذه التعددية في كتابة التاريخ الاجتماعي للمغرب والمغارب.
من جهة أخرى، انشغل باسكون بزاوية إليغ السوسية وبتاريخها الاجتماعي. يبدو مُهما الربط المنهجي الذي يشيده باسكون بين التاريخ الديني والتاريخ الاجتماعي في الدراسات السوسيولوجية من أجل فرز الحدود الفاصلة بين ما يُسميه ميرسيا إلياد «المقدس والمدنس».
وخلال انشغاله بزاوية إليغ، وقف باسكون عند بِنية الأراضي وشبكة المياه ونسيج المواسم، ورصد مسارات التجارة العابرة للصحراء… ويُمكن النظر إلى كتاب إليغ من زاوية «التحري السوسيولوجي» الذي يتعقب بالتحليل حياة اليهود في المغرب، ويصف المواسم المحلية المنتشرة في الجنوب الشرقي. والحق، كما يقول باسكون: «تُشبه إليغ امرأة حسناء، لكن لا رجال هنالك قادرون على تثمين هذا الجمال والحُسن». في إليغ، نشأت علاقة عِلمية بين باسكون والحسن بن علي التي مَكَّنته من الحصول على وثائق تاريخية لم ترِد في كتاب المختار السوسي المعروف عن إليغ.
حاصل القول، كتاب إليغ تأريخ سوسيولوجي حول الأسر السوسية وامتداداتها السلالية، وانشغال بالعلائق التي ربطت بين الإليغيين والدلائيين والزيدانيين.
بول باسكون: فرضية المجتمع المركب
الكاتب : عبد الحكيم الزاوي
بتاريخ : 04/01/2025