«بيتنا الكبير» لربيعة ريحان: الطقوس الصارمة في الكتابة تكسر الرهبة التي تستفز الكاتب تجاه ورقة بيضاء

بمكتبة الألفية بالرباط، تم تقديم وتوقيع رواية « بيتنا الكبير « التي وصلت في الدورة الأخيرة 2022إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية.
وفي كلمة لتقديم الرواية معنونة ب»من السيبة إلى الدولة « وقف الأستاذ لحسن أوزين على أن سلطت الرواية الأضواء عن ذاك التاريخ المغربي المنسي والغير المدون . كما وقف في معرض تحليله لدلالة العنوان، بصفته عتبة رئيسية، على أن هناك علاقة جدلية بين المكان والإنسان ، وتحدد» نا « الارتباط بالجماعة والعلاقة بين البيت وأهله ، وصفة البيت الكبير مكانا وإنسانا تتمحور حول الشخصية الأساسية للجد كبور وسردية العائلة الممتدة .
السقف الزمني للرواية يقع غداة الحماية الفرنسية للمغرب وصولا إلى بناء الدولة وعهد الإستقلال ، الساردة فريدة تعرض تاريخ العائلة وماعرفته من تحولات وتفكك للبنى الاجتماعية التقليدية ، مع الإنتقال من أسرة العائلة المتشجرة إلى الأسرة النووية ، بيد أن فريدة منشدة إلى الذاكرة بقوة ومنها تستقي مادة الحكي ، في عهد الحماية والإستعمار الفرنسي الدخيل ، وقد ساد التمزق القبلي وعجزت السلطة المخزنية عن ضبط الإنفلاتات في زمن مايطلق عليه زمن السيبة ، أي التمرد على السلطة.
كبور الجد الأكبر تنطع وخرج عن السلطة رافضا الإذعان ، فهو انبرى للدفاع عن شخص مظلوم ثم هرب ناجيا بنفسه ، بعيدا عن أعين السلطة الراصدة .استقربه المقام في خلاء معزول في إحدى ضفاف نهر تانسيفت وهناك أنشأ حياته الجديدة وبيته الذي كبر وتوسع مع كر الزمن ، تزوج عدة مرات وأنجب وخلف أولادا وذرية وعزوة ، وراكم ثروة فلاحية وتجارية ووقف إلى جانب المقاومة المغربية وهي تصارع من أجل طرد المستعمر الدخيل بدعم مادي .
وأجلى المتدخل التحولات الاجتماعية وعوائق بروز النازع الفردي، فسردية الجد كبور اختزال ـ على نحو ما ـ لسردية البلد ككل ، الذي تحولات في بنيته وتركبته ، زمن توغل الحضور الكونوليالي وما خلف من تفاعلات، فريدة الساردة تغيت دراسة السينما وفن السيناريو على وجه التخصيص ، فقد استفادت من التمدرس وتعلمت وأدركتها ملكة وحرفة الكتابة ، وجعلت من فعل الكتابة مطية لمحاورة مصادر نفسها وهي الراغبة في البحث عن أصولها ونفسها ، تنازعت الساردة رغبتان : الرغبة في دراسة الفن السينمائي أو الركون إلى الذاكرة الحبلى بالأحداث والوقائع التي تضج بها الرواية ، متابعة سرديات الجماعات القبلية والعلاقات السائدة بينها وعلاقتها بالسلطة الناهضة على الولاء والإذعان ، كما أدرجت الحضور الاستعماري وما حرك من حس ووعي وطنيين والدفاع من أجل التخلص من الاستعمار .
الأديبة الروائية ربيعة ريحان تفاعلت مع العرض ومع الأسئلة الخصبة التي طرحها جمهور نوعي متتبع اعتبرت أن الرواية سعت لأن تخلق عوالمها الخاصة،فالحديث عن البيت والدولة في مسار رواية « بيتنا الكبير « هو مكون من مكوناتها الفكرية والجمالية، ووضحت بأنها ـ أي الذات الكاتبة ـ مبثوثة بشكل كبير في جميع كتاباتها بشكل من الأشكال ، فهناك تقاطع بين ما عاشته شخصيا أو عاشته كتجارب إنسانية. فالكاتب (ة) تقول ريحان « مهما حاول من تعتيم على مايكتب، برغم ما يحاول أن يهرب من ضمير « الأنا « في كتابته محاولا أن يقول ، ما أكتبه ليس أنا، وبالتالي مايكتبه الكاتب هو جزء منه، نابع من ذاته وأحاسيسه وعمقه وينتمي إليه « بيتنا الكبير « الذي هو جزء كبير منه، سيرة ذاتية ، ولكن في نفس الوقت ليس سيرة ذاتية ، فهي وقائع عشتها عن طريق الحكي أو دفق الحياة المباشر أو عبر مخزون الذاكرة ، الذاكرة تحضر بكثافة في كل ما أكتبه حيث تحضر التفاصيل عن مدينة أسفي، وتحضر الشخوص في « بيتنا الكبير « من الشارع حاولت أن أعبر عن أسماء حقيقية في الواقع الحرفي وخشيت التعرض للمساءلة كما جرى للروائي حنة منه حيث جره ذكر الأسماء الصريحة إلى المحكمة ..»
وعن عزلة الكاتبة وطقوس الكتابة، ذكرت ربيعة ريحان بأن الرواية خامرتها منذ سنين لكن سكب الكتابة والإنجاز الكلي كان خلال سنوات كورونا وتأتي الكتابة كمقاومة وصراع ضد تحديات متعددة مضيفة أنها «لا يمكن أن أكتب بمنامة نوم مثلا ، أتعطر ويكون إلى جانبي ورد وأستمع إلى موسيقى ، الآن يمكنني أن أكتب بلا طقوس ولا حاجة لي لوردة صفراء أو خضراء كما كان يحرص على ذلك غرسيا ماركيز ، تلك الطقوس لا تعدو أن تكون تكسيرا لتلك الرهبة التي تستفز الكاتب تجاه ورقة بيضاء» .


الكاتب : المصطفى كليتي 

  

بتاريخ : 25/12/2023