بيداغوجيا (الخطأ) ما بين اللسانيات التطبيقية والديداكتيك : الخطأ استراتيجية فعالة للتعليم والتعلم

من بين القضايا الديداكتيكية التي يتم تجاهلها اثناء عمليات التقويم التربوي في تدريس اللغات ومنها اللغة العربية ، عدم الاهتمام بالأخطاء اللغوية، كإحدى الموضوعات التي اشتغل عليها الدرس اللساني الحديث وذلك بغاية تحديد الخصائص النوعية للغة عند المتعلم من جهة وكذلك البحث عن البعد التواصلي للغة من وجهة نظر السوسيولسانيات وكذلك البحث في آليات تشكل وتتطور معارف المتعلم، كما تهتم بذلك السيكولسانيات .
فمنذ التعليم الابتدائي يلاحظ ان التعلم يعمل على العناية بترتيب الالفاظ اللغوية على المعاني لا على الحروف الهجائية ،اي من خلال ما يسمى بنظرية الحقول الدلالية، حيث ترتبط مجموعة من الكلمات في دلالاتها تحت لفظ عام يجمعها ، وهو ما كان منطلقا في تحديد الحقول المعجمية من خلال وضعهم لمعاجم المعاني وذلك بسبب شيوع الالفاظ من جهة المقبولية الدلالية،ولكن من خلال مقبوليتها واستعمالها .
وقد عملت اللسانيات التقابلية التي تنطلق من درجة التشابه بين اللغة الأم، واللغة الهدف أي اللغة الأجنبية وترى بينهما اختلافا كبيرا وواضحا على مستوى التداخلاتinterférences على وضع قواعد علمية لكيفية تعلم اللغات عبر العديد من التطبيقات التحليلية بغرض الوصول الى انساق التشاكل والتقارب والاختلاف بين البنيات اللغوية، كما تحصل في ذهن المتعلم المزدوج اللغة ، فكان بذلك الانتقال من تطبيق النموذج البنيوي التصنيفي لبلومفيلد الى النموذج التوليدي التحويلي مع تشومسكي، من اجل تحديد اسباب الصعوبات والاخطاء التي تواجه المتعلمين اثناء التعلم. لأن التحليل التقابلي باستطاعته ليس فقط ان يضع حدا للأخطاء، بل وأن يقدم تفسيرا لها .
إن المتعلم ينمي قدراته بواسطة تكرار التجربة التي تمكنه من إدراك مكامن الخلل، والثغرات التي اعترت معرفته السابقة. ثم إن منهج تحليل الأخطاء ظهر في سياق مجموعة من الاعتراضات النظرية، والتجريبية على التحليل التقابلي الذي يدخل ضمن ميادين علم اللغة التطبيقي، وهو جانب نظري للدراسات اللغوية التقابلية، التي تقوم على تحديد الفروق بين اللغة الهدف واللغة الأولى للمتعلم والتنبؤ بالأخطاء والصعوبات التي يمكن أن تعترض السيرورة التعلمية . لكن التحليل التقابلي لا يسمح دائما بتطبيقه في مجال التعليم ، لسبب ان الاخطاء اللغوية ترتبط بمرجعيات اخرى تمتد خارج اللغة ويتداخل فيها النفسي والاجتماعي والديداكتيكي ، فكانت اللسانيات النفسية التي ترجع الأخطاء إلى عوامل نفسية، إذ تتحدث عن الانحباس، واللحن والكبح، والسياق النفسي وقد أسست هذه المقاربة لعلم أمراض اللغة، الذي يرصد نمو المستويات اللغوية عند المتكلم ، من اجل البحث والتنظير من خلال التفاعل بين خطابين ، خطاب علم النفس واللسانيات ، فعلم النفس اهتم بالظواهر اللغوية من اجل الوصول الى معرفة وفهم الطبيعية النفسية للمتعلم ، اما اللسانيات فكان تبحث في علم النفس عن الاليات التي تنتظم بواسطتها المعطيات اللغوية . فكانت هذه الملاءمة هي الطريق للبحث عن المشاكل النظرية التي يطرحها النحو بالمعنى التقليدي للكلمة بحثا عن تحديد العوامل التي يكون لها الاثر الحاسم في اكتساب الطفل للغة .
يكاد يجهل اغلب اساتذة اللغة العربية ان العربية ليست هي اللغة الام للمتعلم ، وهو مايعني ان هناك معطيات نفسية ترتبط بكون ان السلوك اللفظي عند المتعلم يرتبط بلغة اخرى تشكل لديه نسقا وظيفيا كثيرا ما يلجأ اليه لتفسير الظواهر اللغوية، بل ويقف حاجزا امام ما يسميه تشومسكي بالإنجاز . وعلى المدرس مراعاة ذلك حتى يتلاءم ومسارات اكتساب اللغة وتحديد بنية المسار الديداكتيكي من اجل انتاج البنيات اللغوية تسمح بتأسيس واكتساب التلميذ او المتعلم للمقدرة التعليمية .
كما ان للغة ارتباطات بالمجتمع والسلوك بصفة عامة ومن هنا عملت اللسانيات الاجتماعية على الاهتمام بالخطأ من خلال الكشف عن العوامل الكامنة وراء ذلك وما تتيحه من مرونة التعلم في حال التشابه بين-اللغة الأم (الدارجة مثلا ) باللغة الهدف (العربية)-وما تطرحه من تحديات في حال وجود تباين عميق بين اللغتين ، كاستمرارية لتحولات البحث اللساني على اقتراح انماط من الاشتغال على اللغة عبر مفاهيم ترتبط بمجموعات لغوية عينية بالتخطيط اللغوي والسلوك اللغوي المزدوج واثنوغرافيا التواصل وتحليل الخطاب والتي غالبا ما ترتبط بمواقف واوضاع المتعلم التواصلية العادية من خلال القواعد التي يستعملها والتي تكون سلوكه السوسيولساني .
إن أي تصور ممنهج لعملية التعليم والتعلم، وخصوصا عملية التقويم التربوي يقوم على اعتبار الخطأ كاستراتيجية فعالة للتعليم والتعلم؛ لأن الوضعيات الديداكتيكية تنطلق من سياقات متعددة لاكتساب المعرفة أو بنائها عن طريق المحاولة والخطأ، ذلك ان الخطأ في اللسانيات التطبيقية بداية ايجابية ، فهو وكما يرى «باشلار» ليس مجرد تعثر في الطريق، ولا يظهر فقط بفعل ما هو خارج عن المعرفة، بل إنه نقطة انطلاق المعرفة، ذلك أن المعرفة لا تبدأ من الصفر، بل تصطدم بمعرفة مستعملة موجودة من قبل، وهذا ما لا ينبغي للبيداغوجيا أن تتجاهله..
ان اعتماد منهج لساني دقيق ومنظم اصبح ضروريا في منظومة التعلم ، لأنه ينطلق من التعرف على الخطأ وتحديد مكانه ووصفه وتصنيفه وتصويبه ،علما ان تحديد الأخطاء يتم على كل مستويات الأداء من الناحية التركيبية والدلالية والصرفية والمعجمية في إطار «نظام «اللغة، ذلك ان بلورة الاهتمام بالخطأ اللغوي كأحد أهداف العملية التعليمية التعلمية، سيساعد على إبراز الصعوبات والمشاكل اللغوية النحوية والصرفية، والصوتية، والبلاغية، والأسلوبية، والمعجمية، والإملائية التي يواجهها المتعلم كما يبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الخطأ، وكذا أنجع الوسائل لعلاجها والحد منها.
* متصرف تربوي وباحث بماستر اللغة العربية والتواصل وحوار الثقافات – فاس سايس


الكاتب : -ذ- محمد دخاي

  

بتاريخ : 11/02/2021

أخبار مرتبطة

وفد كبير وغير مسبوق يرافق إيمانويل ماكرون وحرمه، وأجندة حافلة نحو تعزيز شراكة استثنائية بأفق واعد     يحل اليوم

تعد الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب محطة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بين هاتين الدولتين اللتين تربطهما

عبد الرحيم شهيد: حكومتكم هي الأضعف على مستوى خلق مناصب الشغل، بل هي الأكثر إنتاجا للبطالة في السنوات الأخيرة  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *