بين محمد أكنسوس وأحمد البكاي -3- الطريقة القادرية لها أفضال كثيرة على مريديها

سنركز على أهم مساجلة فكرية دارت رحاها بين الشيخ أبي عبد الله محمد اكنسوس وغريمه أحمد البكاي ضمن مجال مراكش وبلاد شنقيط  و خصوصا منطقة الأزواد و بلاد السودان، حتى تتماشى هذه الورقة البحثية مع مناسبة تكريم الأستاذة الفاضلة زهرة طموح التي قدمت الكثير للبحث العلمي الرصين في محاضراتها وكتبها الفردية والجماعية حول الجنوب المغربي وبلاد السودان الغربي ضمن تيمة الدين والتصوف. ونرى بأن أهمية اختيار نموذج المساجلة الفكرية بين أكنسوس وأحمد البكاي رهين بكون الأجوبة التي قدمها أكنسوس كانت كافية لشد المريدين الكنتيين رحالهم إلى الطريقة التجانية التي ستنتشر بشكل أوسع في مجال شنقيط وبلاد السودان، حيث سينفرد مجال شنقيط بخاصية تشبت المريدين بجوهر التجانية وآداب الطريقة الكنتية. تحاول مساهمتنا البحثية هذه الإجابة عن إشكالية مفادها إلى أي حد ساهمت المناظرة الفكرية بين أبي عبد الله محمد اكنسوس وأحمد البكاي في انتشار الطريقة التجانية بشكل واسع وحصر الطريقة القادرية في مجال شنقيط وما وراء نهر السينغال؟

اكتسب أبي عبد الله محمد أكنسوس دراية كبرى في الرد على خصوم الطريقة التجانية، وقد تبين من خلال عدة مراسلات جوابية وجهها هذا الأخير إلى مريديه أن منهجه في السجال يتلخص في الإعراض عنهم وعدم مجادلتهم. ولعل هذه الردود تبلورت أساسا انطلاقا من الزخم الكبير من الإنتاج الفكري الرافض لمشروعية أحمد التجاني ومن بين هؤلاء المنتقدين نجد على سبيل المثال لا الحصر:
أبو القاسم الزياني، وأحمد بن عبد السلام بناني، ومحمد الكمليلي الملقب بإبن انبوجة، ومحمد المفضل بن الهادي، غير أن الذي يهمنا في هذا المقام دراسة وتحليلا هو الانتقاد الذي وجهه أحمد البكاي للطريقة التجانية في شخص أكنسوس والموسوم ب « فتح القدوس في الرد على أكنسوس».
لقد سبق لأحد الباحثين أن استفسر عن السبب في رد أكنسوس على أحمد البكاي، ولعل الجواب قد قدمه سلفا أكنسوس بقوله « وما كانت مقاولتنا وجوابنا للسيد أحمد البكاي حفيد الشيخ المختار الكنتي إلا لكونه عالما يفهم ما يقال له، ويعلم ما يقول، وقد قيل من سعادة المرء أن يكون خصمه عاقلا». وتجذر الإشارة أن أكنسوس اعتبر « المنازعة والمحاورة في مثل هذا ضرب في حديد بارد، وتضييع للأعمار في غير طائل بلا فائدة دينية ودنيوية» ويضيف أن كل المناوئين للطريقة التجانية هم في الأصل جهلة
و « الجاهل المركب الذي يجهل، ويجهل أنه جاهل، لا ينفع فيه شيء من أنواع التذكير و لا تفيد في دائه مراهم البينات والدليل» ويرى أن هؤلاء إذا اجتمعت فيهم ثلاثة معوقات لا يمكن البت مجادلتهم لا من باب الاقناع ولا من باب الدحض وهي : الكبر والبدعة والتقليد المحض، وقد نصح مريديه في الطريقة التجانية بعدم تضيع الوقت مع هؤلاء، وأن محاولة ذلك «شقاء لا ثمرة له ولو على المنكر التوراة والانجيل والزبور والفرقان ما ترك إنكاره» ويعتقد أكنسوس أن الرد عليهم سينتج عنه «فساد من حيث يرجى الصلاح، وسد ما يراد فتحه من أبواب الرشاد والفلاح، لأن إدراك الحق لا ينفتح بابه إلا لعبد تقي نقي، ولا يرفع حجابه إلا لقلب منيب زكي».
يؤكد محمد أكنسوس على أن المنتقدين للطريقة التجانية والمعرضين عن مقولات أحمد التجاني هم في الأصل مشوشين ظهروا كمدافعين عن الحق والحق منهم براء. و قد شدد على مريديه بعدم الدخول معهم في عداوة حتى لا تفتح باب الفتنة واكتفائهم ترديد عبارة «حسبنا الله ونعم الوكيل» مائة مرة. فسلامة الدين في نظره، مرتبطة بإصلاح المريدين لأنفسهم وصد الباب في وجه المعرضين لأن في ذلك سلامة الدين.
رسالة أحمد البكاي إلى مريدي الطريقة التجانية بمراكش تلويح للصراع الطرقي التجاني ـــ القادري
قبل الخوض في تحليل مضامين الرسالة البكائية لابد من التذكير أن تاريخ هذه المراسلة يتزامن مع تثبيت دعائم الطريقة التجانية ببلاد شنقيط وبلاد السودان الغربي على يد محمد الحافظ الشنقيطي الذي اخذ مباشرة على أحمد التجاني، كما ان الحاج عمر الفوتي ساهم هو الآخر في جعل أغلبية الشعوب المستقرة بين نهر السينغال وبلاد الهوسا تدخل في الطريقة التجانية وتأتمر بأوامره لدواعي سياسية محظة.
أرسل أحمد البكاي رسالته المؤرخة في متم شوال من عام 1270ه /1854م، إلى مريديه في مدينة مراكش؛ وهي في الحقيقة مراسلة موجهة إلى أشخاص بعينهم هم : محمد بن أحمد الصحراوي، والفقيه عبد الخالق الدباغ، و والمقدم المختار القادري، والحاج محمد عمور، و وإمام الزاوية مولاي المدني العلوي الشريف، وعبد الله الديماني، ومولاي الكبير الطايع. وهي رسالة يدافع فيها أحمد البكاي عن الطريقة القادرية وعلو كعبها مقارنة مع الطريقة التجانية. وخلاصة هذه الرسالة أنها تتمحور حول فكرتين اثنتين؛ أولاهما أن الطريقة القادرية لها أفضال كثيرة على مريديها وعلى هؤلاء الشد عليها بالنواجد، وثانيهما تتلخص في تحجيم الطريقة التجانية ومحاولة استمالة أكنسوس إلى الطريقة القادرية لوقف النزيف في صفوف القادريين خاصة بالسودان الغربي الذي أصبح يخضع للحركة العمرية بقيادة الحاج عمر الفوتي.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 05/04/2022