أنا بحجم ما أراه
أرى موتي مثل حبل قصير للمشنقة، كيف سأعبر عن ذلك؟ ذاك هو ما ينقصني، سيقال عني: كان هنا ودخل في ال»ليس»، خلا منه المكان، كف عن الوجود، انتهى منه الوقت، وتعطل منه الكون، وبلغة مجازية: لقد جف مجراه الخاص..
أحس بنوع من نوستالجيا الوجود أني غبت في أقاصي غير شهية، ما عاد منها الراحلون ليحدثوننا عن الهناك.. دخلت دائرة العماء، أصبحت منفيا عن الوجود، عدما محضا،
أنا أصبحت «اللا أنا»، لم أعد «أنا»، هباء وزوالا أضحيت.
الوجود كاختيار
لا جدوى من حياة تُعاش كقدر، أريد أن ألمس تلك الرعشة الممتعة بأني أعيش وجودي
كاختيار، كحقيقة لا كمثال تصوري، أن أحتك بالأشياء الجميلة دون أن تختفي، أو تنطلق
مثل شرور صندوق باندورا.. لأُعِين بيسوا على رفع العجز عنه ليعبر «على نحو ما عبرت
عنه تلك الجملة البسيطة والجامحة لكتاب جوب» إن روحي متعبة من الحياة».. وأساعد
يفتوشينكو للوصول إلى نفسه في الموعد.
انتحال اسم
بعد كل هذا العمر، ومع هذه التغيرات الجذرية التي قلبتني رأسا على عقب، وجعلتني غير ما كنت عليه.. كلما نظرت إلى نفسي في المرآة، أتساءل: أما زال يحق لي حمل نفس الاسم أم أني أنتحل اسما.. وهو ما يوقعني تحت طائلة القانون؟
من لم يستطع أن يغير واقع حاله، فليغير اسمه على الأقل!
أطباء النص
هناك طينة جديدة من الدكاترة تناسلوا بيننا بشكل غريب في زمن يباب الإبداع وشح متلقيه.
دكاترة تقنيون يحملون مباضعهم ويُشَرحون النصوص بحثا عن ورم ما..
بدم بارد يقتلون ماء الحياة في النص، ويسرقون أعضاءه الحية لبيعها في المزاد العلني.
وِزْراتهم مثل الجزار مليئة ببقع الدم..
أطباء النص يبدون متباهين بألقابهم ونياشينهم كلما غادروا غرفة عمليات جراحة النص!
قلقي.. أناي لا آخر
ثمة شخصان لا يملان من النظر لبعضهما البعض: أنا وقلقي.
لقلقي شخصية غريبة وعجيبة، فهو دائما معتد بذاته، يأتيني متعجرفا، مزهوا بكبريائه..
ويسعى باستمرار لمحاولة إقناعي بأنه ليس شخصية مستقلة عني، فأناه هو.. هو أناي أنا!
لقلقي جسارة ملحوظة في التدليل على أنه ليس آخر، لكي يحافظ على المسافة الضرورية بين هويتين: أنا جسدا وروحا وهو كحالة كئيبة تقع بين السحر والسيكولوجيا، وأن له مدة محددة لانتهاء الصلاحية حيث يهزمه مرح جميل يلمس نبض القلب وفكرة هيفاء في الدماغ..
قلقي لا يكف عن الاعتداد بذاته، وأن لي شرف أن أكون أناه الأخرى، لأن القلق – بحسب تعبيره- صديق الشعراء، خل العشاق، صنو المغامرين ورفيق المبدعين وظل الأنبياء، وأن جذوره نبيلة لا علاقة لها بفصيلة الدم المنحط أو المختلط.
غنيمة من خسائر
كل ما نجحت في فعله في حياتي – وباستماتة قوية – هو أن أجني الفشل في قمة نضجه..
في قمة انتشائي بالنجاح، أجدني ميالا لكي أنجح في اكتشاف أسرار الفشل.
بإصرار كبير أترصد الفشل كفضيلة، أصادقه، أطارده، أفتح له باب الإقامة الدائمة خوفا عليه من التشرد.. ما ألذ الفشل الذي يعيدني دوما إلى عشقي وكتبي وموسيقاي والأشياء الصغيرة التي ظللت أُهربها بعيدا عن اكتساح جحيم اليومي ورداءته..
أنا ناجح في حصد الخيبات، لذلك حين أسمع خطابات المديح حول شخصي الناجح والمتميز، أتساءل عما إذا كنت أنا المعني بالإطراء، وأخلص غالبا إلى أن ثمة التباسا ما!