تؤدي إلى تفشي حالة من القلق والخوف ودعوات لتعزيز الأمن ولطمأنة المواطنين
تعرف مواقع التواصل الاجتماعي في بلادنا خلال الأسابيع الأخيرة تداول عدد من التسجيلات المصورة التي توثق لجرائم متعددة، والتي تتعلق إما بسرقات بالخطف وسحل الضحايا أرضا واعتماد العنف من خلال استعمال الأسلحة البيضاء، أو التي ظهر فيها أشخاص خربوا ممتلكات خاصة وعامة، في حين أن مستويات الخطورة بلغت مداها في بعض الفيديوهات لأنها كشفت عن تهديد جانحين لعناصر من الأمن والدرك ولعدد من المواطنين البسطاء كذلك، حتى ساد نتيجة لهذا الوضع شعور بعدم الأمن والقلق العارم في أوساط الكثير من الفئات التي لم تخف تخوفها مما تم وصفه بالمد التصاعدي للجريمة.
وتسببت صور وتسجيلات الاعتداءات المختلفة المتداولة مؤخرا، التي يوثق بعضها بالفعل لأحداث حديثة في حين أن أخرى تم إعادة تداولها وإن كان مضمونها يتعلق بحوادث قديمة، في تفشي حالة قلق، بالرغم من أن مصالح الأمن ظلت تكشف في بلاغاتها عن سرعة تدخل مصالحها وعن إيقاف أحد أو كل الفاعلين، لأن حجم التخوف يكون له صلة بتفاصيل الفعل الجرمي الذي تم اقترافه، حتى أن عددا من المواطنين اقتنعوا بأن ما يقع اليوم هو مؤشر على تصاعد الجريمة من جديد، وتكرار لسيناريوهات قديمة.
وذهبت عدد من التعاليق إلى أن ما يقع من أحدا دموية عنيفة هو بسبب تأثير استهلاك المخدرات التي تشكل مشكلا خطيرا، خاصة الأقراص المهلوسة، التي تعرف بقدرتها على جعل مستهلكها أكثر عدوانية، في حين يرى آخرون بأن للعوامل الاقتصادية والاجتماعية دور كذلك فيما يقع، معتبرين بأن البطالة والفقر والتهميش من بين العوامل الرئيسية التي تدفع بعض الأشخاص إلى الجريمة، سواء بدافع السرقة أو بفعل الإحباط الاجتماعي الذي يولد سلوكا عدوانيا. أسباب ومبررات، تشمل كذلك واقع الهجرة القروية وتفكك الروابط الاجتماعية، فالمدن الكبرى تشهد توافدا مستمرا لسكان القرى، ما يؤدي إلى بروز أحياء عشوائية تعاني من الفوضي وضعف الأمن، في حين أن فئة أخرى ترى بأن ضعف الوازع الأخلاقي والديني يساهمان في تراجع القيم الأخلاقية، ويؤديان إلى انتشار ثقافة العنف في بعض الأوساط، فيساهمان بذلك في خلق بيئة خصبة للجريمة.
هذا التداول لتفاصيل الجرائم التي ترتكب ساهمت فيه التكنولوجيا واستعمال الهواتف المحمولة والكاميرات، خلافا للسابق حين كانت تقترف السرقات وغيرها «بعيدا عن الأنظار»، علما بأن هناك من المجرمين من يُوثقون جرائمهم بأنفسهم، بحثا منهم عن الشهر والصيت وبالتالي الحصول على «اعتراف رقمي» داخل دوائرهم. هذا التوثيق يعتمده البعض من أجل التحدي والاستعراض أو لترهيب الآخرين، في حين لا يتوانى بعض المجرمين عن التفاخر بالجريمة بما اقترفوه من جرائم أمام أقرانهم أو في إطار مجموعات إجرامية أو متطرفة، لإثبات «شجاعتهم» أو «ولائهم». ويرى عدد من المتتبعين للشأن الأمني بأن بعض الجناة يعانون من اضطرابات عقلية أو نفسية تدفعهم لتصوير الجريمة وتوثيقها كشكل من أشكال التعبير عن الذات أو محاولة لفهمها، مشددين على أن هناك يافعين وشباب يتأثرون بما يرونه من محتوى عنيف فتنمو لديهم الرغبة في التقليد أو التحدي في «عالم الأنترنيت»، مما يدفعهم لتصوير أفعالهم ونشرها.
هذا الواقع المؤسف بتفاصيله المؤلمة يجعل الكثير من المواطنين يطالبون بحضور أكبر للعناصر الأمنية وبشكل استباقي وليس فقط من أجل تعقب الجناة لاحقا بعد اقترافهم لأفعالهم الإجرامية من أجل توقيفهم وتقديمهم للعدالة، والتشجيع على الاستخدام الواسع للتكنولوجيا الحديثة في توثيق الجرائم وتعقب المجرمين، مثل كاميرات المراقبة وكل ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي، مع تفعيل العقوبات المشددة ضد حاملي الأسلحة البيضاء ومروجي المخدرات. ويدعو عدد من المواطنين كذلك في تعليقات ونقاشات في مجالس خاصة وعامة إلى تسطير إصلاحات اجتماعية واقتصادية ملموسة، من خلال الرفع من فرص شغل للشباب عبر برامج الإدماج المهني والمقاولة الذاتية، وتحسين ظروف العيش في الأحياء الهامشية وتوفير بنية تحتية جيدة وخدمات اجتماعية، ودعم المبادرات الشبابية التي تهدف إلى توجيه الطاقات نحو أنشطة إيجابية. وبالموازاة مع ذلك يرى عدد من المهتمين بأنه لابد من سنّ قوانين تمنع ترويج فيديوهات الجرائم التي قد تشجع على العنف، وليس التي توثق للحالات الإجرامية، والعمل على تعزيز التربية الإعلامية في المدارس لحماية الشباب من تأثيرات المحتوى العنيف، إضافة إلى تشجيع المبادرات الرقمية الهادفة التي تقدم محتوى إيجابيا يعزز القيم الأخلاقية.
(*) صحافية متدربة