في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.
أراد «عباس الجراري» في رسالته إلى «أحمد بابا التنبكتي» أن يفهم معنى «الأسطورة الحامية» وآثارها: “ما معنى أن يكون نسل «حام» عبيدا لنسل «سام» و»يافث»؟. إذا كان المقصود هو غير المؤمنين منهم، فإن (كونهم عبيدا) لا يقتصر عليهم، ولا (ملكية العبيد) محصورة في أخويه «سام» و»يافث»، حيث يسمح للكافر أن يكون مملوكا سواء كان أسود أو أبيض. ويبقى السؤال: «ما هي أهمية تقييد الرق عن طريق الغزو للسودان، على الرغم من أن الآخرين يشاركونهم الوضع الذي يؤدي إلى ذلك؟».
رد «أحمد بابا التنبكتي» (من تمبكتو) عام 1615، وكان رده غنيا بالمعلومات ومفصلا، مستشهدا بأسلافه البارزين، في نقل مباشر عن علماء مثل «ابن الجوزي» و»ابن خلدون»، ملخصا آراءهم في دحض «لعنة حام». كان أهم شيء بالنسبة ل»أحمد بابا التنبكتي» هو أن: “”حام» أو أي شخص آخر قد يكون مملوكا (عبد) إذا ظل مرتبطا بمعتقده الإيماني الأصلي (ربما يقصد مخالفا للدين الإسلامي)، ولا يوجد فرق بين عرق وآخر». وهكذا، في رأي علماء الشريعة الإسلامية هؤلاء، كان من غير المنطقي استعباد المسلمين الأحرار تحت أي ظرف من الظروف، سواء كانوا مسلمين من البيض أو السود.
هذه التفسيرات للشريعة الإسلامية، ترفض «الأسطورة الحامية» وتنكر أي فرق بين الأجناس في ما يتعلق بكونك مسلما، لكنها تعترف بالانقسامات وتفرض (أو تخلق) هوية «الآخر المستعبد». يتم التحقق من صحة هذه الهوية، من خلال الإصرار على الاختلافات المستمدة من الوثنية، على الرغم من أن أيديولوجية الاستعباد القائمة على (الكفر) ليس لها أي أساس في القرآن أو الحديث النبوي الشريف. في كتاب «معراج الصعود إلى نيل حكم مجلب السود» ل»أحمد بابا التنبكتي» في بداية القرن ال17 هو مثال على نص قانوني يوضح كيف تم تعريف الهويات والحفاظ عليها وانتهاكها لدى السود.
جادل «أحمد بابا» بأن: “استعباد المسلمين السود الأحرار في إفريقيا كان غير قانوني بالفعل»، موثقا أن «عبء إثبات الاستعباد (الشرعي) يقع بشكل مباشر على عاتق أولئك الذين اشتروا وباعوا العبيد». قد تبدو وجهة نظر أحمد بابا صريحة، لكنها لا تعتبر صوت المستعبدين تحديا لوضعهم، لكونهم حرموا من أي حقوق للطعن في مصيبتهم. كرم بعض العلماء، تحديات المسلمين السود المستعبدين وأمروا بإطلاق سراحهم، حيث ذكر «أحمد بابا» (نفسه) أمثلة من هؤلاء العلماء في أحد إجاباته: “حكم قضاة فاس بنفس الطريقة التي حكم بها «سيدي محمود» قاضي تمبكتو، إذ كان يقبل كلمتهم (عن المستعبدين) دون مطالبتهم بإثبات أنهم من تلك الأراضي».
ذهب «أحمد بابا» إلى حد وضع قائمة بالأراضي والأشخاص الذين كانوا قابلين للاستعباد أو لا. ووفقا ل»أحمد بابا»، «كانت الأراضي الواقعة جنوب إفريقيا السوداء المسلمة مثل «كانو» و»كاتسينا» و»جوبير» و»بورنو» و»سونغاي» وغالبية «الفولاني» و»شعب مالي»، من الحضارات التي تعتبر وثنية ومن الممالك الوحيدة التي كانت مهددة بالجهاد»، كما سمى الجماعات التي يمكن للمسلمين استعبادها (شكل قانوني) دون جهاد مثل: «»موسي، «غورما»، «بوسا»، «بورجو»، «داغومبا»، «كوتوكولي»، «يوروبا»، «تومبو» و«بوبو»».
لم يشكك «أحمد بابا» في صحة غارات المسلمين ضد جيرانهم، إذ بدا هذا الجهاد مشروعا بالنسبة له طالما كان ضد الكفار. في الشريعة الإسلامية، الكفار هم «الوثنيون» ومنهم من المؤمنين بالكتاب المقدس والرافضين للقرآن، وعادة ما ينتمون إلى «أرض الكفار» (دار الكفار) وهي الحدود «الوثنية» ل»أرض الإسلام» (دار الإسلام). تاريخيا، اتبعت ممارسة الجهاد مبدأين تجاه الشعوب المحتلة: “لم يكن أهل الكتاب (المسيحيون واليهود والزرادشتيون) مطالبين باعتناق الإسلام، ولكن كان عليهم الخضوع لسلطة الحكومات الإسلامية ودفع «الجزية» و»الخراج» مقابل الحماية والأمان. أصبحت هذه المجموعات من الناس، مثل أقباط مصر ممن عرفوا ب»الذمية» (الأشخاص المحميون من غير المسلمين المقيمين دائما في الأراضي الإسلامية).
كان ظهور المعيار الذي يبرر العبودية، أو الوضع المتميز للتسامح والإدماج لغير المسلمين، غير متسق مع القرآن الذي شدد (بحسب الكاتب) على أن: «الجهاد يجب أن يكون حربا قانونية عادلة دفاعا عن النفس فقط». كان هذا التفسير، الذي أصبح «القاعدة» منذ عهد «الدولة الأموية» (661-750) هو «المفهوم القانوني الذي ترعاه الدولة للجهاد كحرب مقدسة لتوسيع دين الإسلام، وليس كدفاع ضد الأعمال الظالمة أو التعدي الأجنبي»، كما لم يكن أحمد بابا ضميريا ولا حساسا لمصير ضحايا هذه الغارات، غير أنه من الغريب أن «أحمد بابا» لم يشر إلى «الحاج سليم سواري» (أواخر القرن ال15)، الذي «رفض الدخول في حرب ضد الوثنيين من أجل تحويلهم صوب الإسلام»، وأعلن أن «الحرب العادلة يجب أن تشن للدفاع عن النفس فقط»، كما «طور مجموعة من المبادئ القانونية التي تدعو إلى السلام والتعايش بين المؤمنين وغير المؤمنين في غرب إفريقيا والتي أصبحت تعرف باسم «التقليد السواري».
لم يعبر «أحمد بابا» حتى عن شكوكه في الغارات ضد الكفار، وإن تمت وفقا لمبادئ الجهاد المعترف بها في المذهب المالكي. القواعد المنصوص عليها في المذهب المالكي بشأن الأسرى، وفقا للفقيه المصري المالكي»خليل بن إسحاق» (ت. 1374)، وهي: “الموت، الحرية، الفدية، دفع ضريبة الاقتراع، أو الاسترقاق»، كما قد برر المذهب المالكي شن حملة تبشيرية ضد غير المؤمنين، ولكن كان يجب التقيد الصارم بالبروتوكولات المتعلقة بكيفية القيام بمثل هذه الحملة في تطبيق المذهب المالكي. هناك حديث مهم في هذا السياق، يتعلق بتعيين النبي «محمد» (عليه الصلاة والسلام) قائدا للجيش للقيام بمهمة لمحاربة الكفار داخل مجتمعه أو ضد الكيانات المعادية، وأصر النبي «محمد» على إعطاء أولئك الذين كانوا محور الحملة 3 خيارات من شأنها أن تسمح بتجنب الصراع العنيف. وفي حالة موافقة الأطراف المعادية على أي من الخيارين الأولين – تم تجنب الخيار الثالث «الحرب». كان الخيار الأول هو «اعتناق الإسلام» والانضمام إلى بناء المجتمع الإسلامي الناشئ والمتنامي في المدينة المنورة (أول مجتمع إسلامي للنبي محمد).
كانت الخيارات المتبقية للمذهب المالكي، في ما يتعلق بالأسرى هي: «القتل أو الاستعباد أو العتق (التحرير)». كانت الأسئلة التي طرحها «الجراري» في رسائله إلى «أحمد بابا» قد عبرت عن القلق بشأن قضايا الجهاد والعبودية، وبدا الجراري (حينها) مطلعا جيدا على «قواعد الجهاد» وفقا للمذهب المالكي. في إحدى رسائله إلى أحمد بابا، يطلب الجراري توضيحا: “عن أحد قادة السودان، أن الإمام الذي غزاهم وهم كفار اختار أن يجنبهم الاستعباد – لكونه يمتلك الاختيار – أو لأنه لم يفكر في الخيارات الخمسة المعروفة، مدركا أنهم ما زالوا في حالة عبودية، وكلما احتاج السلطان إلى أي منهم فإنه يأتي بأكبر عدد يريده منهم، فهل هذا صحيح أم لا؟ وكيف يمكن أن يكون الأمر كذلك في ما يتعلق بمناطق ك»بورنو التي (هي) وطن سلطنتهم، وكثيرا ما يتم جلبهم إلينا من هناك. إذن، هل هؤلاء هم أيضا عبيد أم لا؟»…