في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.
…تؤكد رواية “ابن بطوطة»، الذي زار المملكة في عهد “مانسا سليمان»، السمات الرئيسية ل»الإسلام المالكي»في القرن الرابع عشر. ومع ذلك، أصدر ابن بطوطة العديد من الأحكام السلبية على المجتمع المالي التي عكست بالأحرى وجهة نظره كمغربي – عربي – بربري. لم يوافق على العديد من أعمال السود بسبب تحيزه وعدم فهمه للعادات المحلية مثل أدوار “غريوت” أو (djeli)، وهم طبقة حافظوا على ثقافة ودساتير مجتمعاتهم،ولقد احتلوا مكانة مهمة وحاسمة في المجتمع وطوروا تقليدا شفهيا قويا ومتطورا من الأغاني والقصص والروايات التاريخية والأمثال والحكايات. لهذا السبب قال الباحث المالي الحديث الشهير “أمادو با”: «مع وفاة كل رجل عجوز، تحرق مكتبة وتندثر إلى الأبد”.
باستثناء عري النساء المستعبدات في مالي – الذي اعترض عليه ابن بطوطة باعتباره سمة سلبية للمجتمع المالي -فإن وصفه للعبودية يشبه إلى حد كبير وصف العبودية في المغرب. وذكر أن “العبيد في مالي كانوا من كلا الجنسين، صغارا وكبارا، وكانوا يؤدون جميع أنواع المهام أي»حراسا»و»جنودا»و»سعاة»و»خدم منازل»و»محظيات”، ومنهم من يعملون في مناجم الملح أو النحاس كمساعدين للتجار وحمالين، كما كان يمكن بيعهم ومعاقبتهم وإهدائهم”. قبل وصوله إلى مالي، لاحظ ابن بطوطة معاناة المستعبدين في الصحراء وأفاد أنه “لا أحد يعيش هناك [في تغازا] باستثناء عبيد “قبيلة مسوفا» [بربر صنهاجة] الذين يحفرون بحثا عن الملح”.هم الذين يعيشون على التمور المستوردة لهم من “درعة»و»سجلماسة»وعلى لحوم الإبل. كان الملح الذي ينتجه الأفارقة المستعبدون مطلوبا بشدة في غرب إفريقيا، لكونه معدنا ضروريا لحفظ الطعام وتوابله. ذات مرة، تم بيع حمولة واحدة منه في “والاتا»ب10مثقال،وتم بيعه في مالي بأكثر من ضعف ذلك وأحيانا ب40مثقال”.
في بعض الأحيان، كانت قيمته عالية جدا، لدرجة أنه استخدم كعملة مثل الذهب أو الفضة. كان العبيد الأكثر حظا هم أولئك الذين يعملون في خدمة المحكمة. ذكر ابن بطوطة أن “الملك سليمان كان لديه حوالي 300عبد وأنهم يجتمعون كلما أعطى الملك أمرا بذلك”، ووصفهم بأنهم “يحملون في أيديهم أقواسا وآخرون يحملون في أيديهم رماحا ودروعا قصيرة». هذه الهيئة من الجنود “العبيد» (أو بالأحرى الجنود المجندين من المستعبدين) مشابهة لفوج الحراس الشخصيين لبعض الحكام المغاربة المذكورين أعلاه. كانت الثقة المتبادلة ضرورية وتم التفاوض عليها ضمنيا حتى يحملوا السلاح ولكي يثق بهم الملك لضمان حياته. تقدم حادثة “ويل كيرينفيل»الشهيرة مثالا واضحا لما يمكن أن يحدث عندما يتم كسر تلك الثقة، حيث كان كيرنفيل شخصا مستعبدا لبلاط “أسكيا إسحاق»، ولأنه أغضب الملك تم نفيه في “تغازا”، بعدها هرب كيرينفيل وساعد المغاربة في غزوهم الشهير ل»سونغاي”.
كان لدى ضباط المحكمة أيضا عبيد وعادة ما يتم ذكر ذلك في المصادر المكتوبة فيما يتعلق بحريمهم. وصف “ابن بطوطة»، على سبيل المثال، حريم المترجم “دوغا» (المتحدث باسم الملك) في البلاط: «يأتي دوغا المترجم مع زوجاته الأربع وجارياته(هناك حوالي100منهن)، بملابس فاخرة وعلى رؤوسهن عصابات من الذهب والفضة مزينة بكرات ذهبية وفضية”.بعيدا عن بلاط الملك في بلدة في مال، أثناء زيارته لواليها الذي عرض على ابن بطوطة صبيا جاريا، لاحظ أن الوالي كان لديه جارية عربية من دمشق تتحدث معه باللغة العربية، ومن المهم أن نلاحظ أن الحصول على الخدم البيض في هذه المنطقة لم يكن مألوفا.
قام بعض الأثرياء في غرب إفريقيا، عند عودتهم من الحج بشراء فتيات عبدات ذوات بشرة فاتحة، كما هو موثق في نص “المقريزي”، كما شارك ابن بطوطة نفسه في العبودية، حيث كان من عادته شراء جارية في رحلاته الطويلة المختلفة،»ففي “تاكادا»، غرب “مالي»، رغب في شراء جارية متعلمة ووجد بالفعل واحدة دفع مقابلها مبلغ25مثقالا”. من المهم أن نلاحظ أن أسعار المستعبدين طوال العصور الوسطى تراوحت بين حوالي 10و 200مثقال، وفي بعض الحالات أكثر من ذلك اعتمادا على مهاراتهم وجنسهم. ربما أراد ابن بطوطة استخدام الجارية التي اشتراها ككاتبة ومحظية في نفس الوقت. وحقيقة أن ابن بطوطة طلب على وجه التحديد فتاة مستعبدة متعلمة، حتى في بلدة بعيدة عن المراكز الحضرية الكبيرة، تعني أن “مطلبه لم يكن على الأرجح مطلبا غير شائع”. الحكاية الدرامية التي رواها ابن بطوطة عن “الندم الذي شعر به الشخص الذي باعه الفتاة»لا تكشف فقط أن “الشابات اللواتي يتمتعن بهذه المهارات كن مكلفات ومطلوبات للغاية، ولكن أيضا الارتباط العاطفي الذي أقامه الأسياد مع إناثهم المستعبدات وتأثير الإناث المستعبدات على أسيادهن”.
وفقا لابن بطوطة “كانت بلدة “تاكادا»، التي يحكمها البربر، مفترق طرق حاسم يربط طريقين تجاريين رئيسيين عبر الصحراء الكبرى: أحدهما إلى “المغرب»عن طريق “توات»والآخر إلى “مصر»عن طريق “غات”، وكتب: «سكان “تاكادا»ليس لديهم مهنة سوى التجارة، حيث يسافرون كل عام إلى “مصر»ويستوردون بعضا من كل ما هو موجود.. أهلها مرتاحون، وميسورون ويفتخرون بعدد العبيد والخادمات الذين لديهم. شعب “مالي»و»إيوالاتان» [والاتا] هم أيضا هكذا، كما إنهم يبيعون الرقيق المتعلمات نادرا وبسعر مرتفع».
قدم ابن بطوطة، معلومات أخرى تشير إلى أن “المدينة كان بها بالفعل مهن أخرى إلى جانب التجارة – بما في ذلك منجم نحاس كان يوظف عبيدا من الذكور والإناث. تم صهر النحاس في قضبان وتداوله في المنطقة حتى “بورنو» (المنطقة الواقعة شمال شرق نيجيريا الحديثة وجنوب تشاد)، من هذا البلد يجلبون [شعب تاكادا] فتيات وسيمات (جواري) وعبيد شباب (فتيان) وقماش مصبوغ ب»الزعفران””. هذه شهادة واضحة على أن النساء المستعبدات أجبرن على القيام بمجموعة متنوعة من المهام تماما كما فعل الرجال المستعبدون، وبالتالي تبديد الصورة النمطية القائلة بأن النساء يستخدمن في العمل المنزلي والاستغلال الجنسي فقط…