نزل إلى المكتبات في طبعته الأولى 2025 كتاب موسوم ب» تازة بعين صحفية « للكاتب والإعلامي المغربي عبد الإله بسكمار . الإصدار الجديد 2025 يعتبر السابع في ريبيرتوار الصحفي والإعلامي عبد الإله بسكمار بعد ثلاثة مؤلفات حول تاريخ الحاضرة التازية وأعلامها وحضورها في جنس الرحلات رواية « بــاب الــريح في 2002 «رواية «قبة السوق» الصادرة سنة 2009 . ثم ثلاثة كتب حول تازة « تازة بين القرنين 15 و20 الوظائف والأدوار» سنة 2014 ، «»تقريب المفازة إلى أعلام تازة ، 2017 « تازة عبر الرحلات الجغرافية والاستكشافية والحجية – نماذج من العصرين الوسيط والحديث» صدر سنة 2021، «أبطال في الزوبعة « وقد صدر سنة 2019 وهو قصة موجهة للأطفال من طبع ونشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير …والآتي تحت التحرير.. الإصدار المومأ إليه جاء في 192 صفحة من القطع المتوسط بتقديم بقلم الإعلامي عزيز باكوش ومزدان بغلاف للفنان عمر كولالي عن مكتبة السلام الجديدة .
يتناول هذا الكتاب مجموعة من المقالات الصحفية التي نُشرت مطلع الألفية الثالثة في جرائد وطنيةوعددها 18 وملحق صور . محورها مدينة تازة وإقليمها. تنوّعت هذه المقالات بين تناول المجال الطبيعي الذي يزخر به الإقليم، والمجال التاريخي والتراثي الذي يميز المنطقة بعمق تاريخي ممتد، بالإضافة إلى استحضار رمزية الإقليم الثقافية واللامادية الغنية.فمن حيث المجال الطبيعي، أبرز الكتاب المؤهلات البيئية الفريدة التي تزخر بها المنطقة، متوقفًا عند أنشطة الاستغوار، حيث تتميز تازة بمغارات طبيعية مبهرة مثل مغارة فرتوطو، ومغارة شكرواد البارد، إلى جانب المنتزه الوطني تازكة، وعين الحمراء، وكهف المغارة، ما يجعل الإقليم وجهة متميزة لعشاق الطبيعة والمغامرة.
أما في الجانب التاريخي والتراثي، فقد سلط الضوء على معالم تازة العريقة، مثل الجامع الأعظم، والمدارس المرينية، والمنشور، ومعلمة السبتيين، وبرج سارسو، حيث تشهد هذه المعالم على غنى الإقليم الحضاري ودوره المركزي في مسار التاريخ المغربي.
وفي ما يتعلق بالرأسمال الرمزي والثقافي، تناول الكتاب مسألة التسمية التاريخية لتازة، إضافة إلى تسليط الضوء على الزوايا التقليدية مثل زاوية ابن بريش، والأبواب العتيقة لمدينة تازة، والدور التقليدية، وفضاء قبة السوق، إلى جانب مظاهر العيادات الشعبية التي ما تزال مستمرة إلى اليوم، مما يعكس حيوية الذاكرة الجماعية المحلية.بهذه المقاربة الشاملة، يسعى الكتاب إلى تقديم صورة متكاملة عن إقليم تازة، تجمع بين أصالته الطبيعية، وعمقه التاريخي، وغناه الرمزي، بما يسهم في ترسيخ الوعي بأهمية هذه المنطقة ومكانتها المتميزة في الذاكرة الوطنية.
هناك إجماع من قبل خبراء الوثيقة والتاريخ على أهمية تجميع المقالات الصحفية التي مر عليها زمن طويل ، وإعادة نشرها في كتاب بعد تحيينها ومراجعتها وجعلها أكثر راهنية خدمة للأجيال اللاحقة .ويرى هؤلاء خمسة أسباب تجعل من ذلك عملا ممتعا ومفيدا لعل أهمها 1- حفظ الرصيد الفكري للكاتب أو الصحفي ،ليس لكونه يعكس رؤى الكاتب وتصوراته حيال قضايا محيطه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في حقبة معينة فحسب ، وإنما باعتبارها محك ومختبر تحليل وكشف لرجع صدى انتظاراته وتطلعاته وطموحاته من حيث التحقق والتفعيل على أرض الواقع . ومدى استجابة وتفاعل السلطات والمسؤولين والأوصياء على الشأن العام مع هذه المقالات انسجاما مع مخططات التنمية التي يرسمونها وحجم التفاعل الإداري معها .
ما قام به الكاتب والصحفي ذ عبد الإله بسكمار ينسجم تماما مع هذا الطرح ، وهو الإعلامي الرصين الذي لا يهادن ولا يفاوض في ما يعتقده صوابا وقانونا ويتماشى مع أخلاقيات النشر وسنن مهنة الجلالة وسمو أهدافها النبيلة . والكاتب هنا مواكب لتحولات عصره ، لا سيما وعالم اليوم يعيش ثورة مجنونة وهادرة بكل المقاييس . ثورة تقنية تكنولوجية تقود العالم بهدوء طائش نحو تطبيقات هائلة تجاوزت المألوف. يقودها على الأرجح كائن شبح يدعى الذكاء الاصطناعي (AI)، مارد قلبت تطبيقاته المألوف رأسا على عقب .وحلت بذهولها ودهشتها الراجفة ضيفة على مجالات حيوية في العالم المعاصر كالتعليم والاقتصاد والصحة والفلاحة والصناعات وغيرها. ومع هذا التقدم المتسارع المجنون ، تزداد المخاوف حيال الأرشيف الورقي الهائل الذي علاه الاصفرار وبات المسح الضوئي والتحديث الورقي بلسما لجراحاته.
ثاني محفز هام هو أن تجميع المقالات وفق تصنيف بياني مرتب ومبوب من قبل الكاتب الصحفي هو آلية لحفظ وصيانة إرث ثقافي مرموق للأجيال القادمة، لا سيما وأن هذا الإرث يعالج قضايا اجتماعية ثقافية وسياسية مهمة بصمت مرحلة تاريخية معينة بمدها وجزرها ، بآلامها وآلامها ، بأحلامها وأوهامها ،بانكساراتها وانتظارات أهلها .
الأمر الثالث في ما نعتقد هو النجاعة، ذلك أن تضمين وتصميم هذه المقالات وتبويبها وفق خانات مبوبة حسب الأجناس الصحفية وطبيعة المقاربة من حيث الشكل الاجتماعي للمادة ، وتقديمها لقراء الألفية الثالثة من الأصدقاء وعموم المهتمين/ ت عمل يدخل في صميم التوثيق التاريخي بالتأكيد . ليس لكون المقالات الصحفية المنشورة على مدى عقود من الزمن الماضي تمثل سجلا حيا للأحداث والأفكار وأنماط التعبير وأنظمة الحكم التي سادت المجتمع في حقب معينة وكفى .وإنما لإذكاء فكرة التجميع وأهميتها كضرورة مرجعية تاريخية، حيث يجعل منها مصدرا معتبرا للباحثين والمؤرخين والدارسين والمهتمين. فضلا عن لذة إعادة إحياء محتوى بعض المقالات القديمة التي كانت ولا تزال تحيل على أفكار ملهمة وقيمة وتشير إلى وضع تغير أم لم يطله أي تغيير يذكر، إذ مع التحيين والراهنية،يمنحها الكاتب شحنة جديدة لمادته وفرصة حقيقية للوصول إلى عدد كبير من القراء في مناطق أكثر اتساعا من ذي قبل .
في هذا الصدد ، يقول الصحفي والإعلامي عبد الإله بسكمار في مدخل كتابه البديع « تازة بعين صحفية» أغلبها مقالات سبق نشرها في الصحف الوطنية الورقية ثم الإلكترونية، والقاسم المشترك بينها هو فضاء مدينة تازة وإقليمها، ومع مرور الأيام ارتأى بسكمار جمعها في كتاب شامل، أولا حفظا لها من الضياع وثانيا لتعميم الفائدة على الباحثين والمهتمين، وقد أجريت تعديلات كثيرة بالحذف أو تقويم ما يجب تقويمه وإعادة النظر فيه. والفرق هنا يضيف المؤلف هو أن هذا الكتاب الذي وضعت له عنوانا دالا « تازة بعين صحفية « ذو طابع صحفي وإعلامي أساسا، الهدف منه تنوير القراء المغاربة والأجانب حول مميزات إقليم تازة الرمزية والثقافية وبعض خصائصه التراثية والطبيعية والتاريخية . «
ونعود للبعد الرابع والخامس كي لا نختلف حول الجميل اللذيذ والممتع في جمع المقالات الصحفية التي مر زمن غير قصير على نشرها. فهي علاوة على إبراز تجربة الكاتب ومساهمته في تنمية الشأن الاجتماعي بالمتابعة والرصد وتقديم الاقتراحات مجال الصحافة والإعلام من جهة ، فهي تظهر كذلك منسوب تطوره الفكري وأسلوب معالجته وقدرته على تجاوز كبوات الخط التحريري وانزلاقاته المنهجية والأسلوبية مع مرور الزمن. الأمر الذي يعزز مكانة الكاتب ويمنح شكله الاعتباري المجد الذي يستحقه كما يعمل على توسيع قاعدة الذيوع والانتشار. وتبقى عملية الاستفادة والإفادة من التجارب السابقة، عملة مبتكرة لا تقدر بثمن حيث يمضي الكاتب قدما في معالجة الهفوات وتجاوز الكبوات المهنية في القادم من المقالات.
وفي المدخل ذاته يسجل المؤلف عدم تقاطع العمل مع أسئلة التاريخ والمجال معا، فقد حاول جهد الإمكان الحفاظ على شروط الكتابة التاريخية وفي نفس الوقت الانتظام ضمن ما يقتضيه المجال الصحفي من آنية وتركيبية واختزال غير مخل وطابع إخباري إعلامي،» الأمر الذي يضفي عليه الموضوعية والمصداقية المهنية والتاريخية اعتبارا لكون المقال الصحفي، يمكن أن يصبح وثيقة تاريخية بمرور الزمن، بشرط أن تعضده القضايا الطبونيمية / الأماكنية وأشكال وأنماط وثائقية أخرى ككتب الحوليات والشهادات العدلية والظهائر والرسائل والحوالات الحبسية والروايات الشفوية، هذا فضلا عن وجود ما يسمى بالمقال التاريخي المحكوم بضوابطه المعلومة» .
ونحن كقراء مجايلين للكاتب في الانتماء الجغرافي والمحيط الثقافي في تعدده وغنى مكوناته، نجدد التأكيد بحماس أن عناصر الكتاب « تكتسي حيوية وراهنية معينة لا سيما على صعيد المقاربات الاجتماعية في سياق الخط التحريري أو التطور الاجتماعي الذي يكتسي الظاهرة قيد التحليل والمعالجة « ومن الوجوه المتعددة « يتناول المؤلف على سبيل الحصر « ظاهرة « العوادة « مثلا والتي لا تزال مستمرة لحد الآن بإقليم تازة، فهي تستقطب جمهورا عريضا من المرضى، رغم تقدم الطب وامتداد المؤسسات الصحية الحديثة في البادية والحاضرة، مما يطرح أكثر من سؤال ذي طبيعة اجتماعية ونفسية خاصة، وكذا ظاهرة « عين الحمراء « شمال تازة .فهنا يؤشر الكاتب حضور « المجال الطبيعي والتطبيبي والرمزي معا، ونفس الشيء يسجله حول مغارة فريواطو وميدان الاستغوار عموما والذي عرف به إقليم تازة .»
في الكتاب القيم يطالع القارئ مقالات أخرى متعددة حول تاريخ وتراث تازة، كفضاء المشور والبستيون السعدي وبرج سارازين وأبواب المدينة والمدارس المرينية وكيفان بلغماري والدور العتيقة والمسجد الأعظم، بحيث يلاحظ تناغما بين الزمان والمكان «
وللحقيقة والتاريخ فإن «هذا العمل فضلا عن كونه مساهمة جديدة تضاف إلى الرصيد المتوفر حاليا في التعريف بإقليم تازة على المستوى الوطني، فهو إلى جانب ذلك باعثا للرفع من وثيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على صعيد المنطقة التي عانت كثيرا، وهو ما يتمناه جميع الغيورين على حاضر ومستقبل الحاضرة التازية «.
تحويمة خفيفة حول مضمون كتاب « تازة بعين صحفي « تكشف عن حقائق مهمة لها علاقة وطيدة بالمهنية في مجال النشر والإعلام . الحقيقة الأولى تتمثل في كون جميع المقالات ذات طابع تنويري إشعاعي ثقافي إخباري تهم المجتمع والسلطة في آن . وهي مهمة كل صحفي مهني نزيه وموضوعي . وبالتالي فالإفصاح عنها بعد مرور الوقت يرفع منسوب الأهمية المهنية بعيدا عن الترميز السياسي أو الايديولوجي . فالمؤلف رغم انتمائه لليسار السياسي بقناعاته الفكرية في فترات معينة ، وإسهاماته النيرة في ما سمي بسنوات الرصاص وحقب هيمنة الداخلية وتأجج مناهضة الخطاب الرسمي، فهو يظهر المعلومة خاما في أهميتها القصوى كحاجة ضرورية للتنمية البشرية المستدامة إلى حيث يندثر شرط التقادم . فهو لا يذهب إلى إخفاء مقالات بعينها خوفا من أن يتسبب الإفصاح عنها إيذاء المصدر ، ذلك أن جميع المقالات تظهر محتوياتها ولا تخل بمبدإ المهنية شكلا ومضمونا . وجميع المقالات المتضمنة في الكتاب تشي بالإحاطة بالتفاصيل الدقيقة لمهنة الصحافة في أرقى تجلياتها المهنية والأخلاقية باعتبارها أكثر المهن التصاقا بالحياة الاجتماعية للإنسان..
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نبارك للكاتب الصحفي الزميل والأخ عبد الإله بسكمار مولوده الجديد ، وأن نعترف بأن العين كانت صحفية بامتياز .. وفية للمبدإ الفكري النزيه لأسرة تازية عريقة في الشغب الفكري والجدل الثقافي المثمر والبناء . أستحضر هنا روح الفقيدين العزيزين وفاجعة انطفائهما على روحهما شآبيب الرحمة والغفران . عبد اللطيف بسكمار» من أوائل بعثات المغرب نحو الدراسة في الاتحاد السوفياتي» سابقا. والفقيد ذ عبد الحق بسكمار .وأن ما حرره الكاتب والصحفي من مقالات وما التقطته العين من أحداث اتسمت بالموضوعية والمهنية تجعلنا نردد مع هنري ديفد ثورو ‘’الكتب هي ثروة العالم المخزونة، و أفضل إرث للأجيال والأمم’’ لمن يمتلك جرأة الفعل والإقدام على الأمر.