تجارب .. الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية توسع أفق اشتغالها

لا تقتصر العلاقات بين الأمم والشعوب على المصالح السياسية أو المنافع الاقتصادية المشتركة؛ إذ تلعب الثقافة وتبادل الخبرات والتعاون في المجال الأكاديمي دورا رائدا في تخفيف حدة النظرة إلى الآخر وتضييق الفجوات، وهذا ما تهدف إليه الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية، التي يترأسها حاليا الأستاذ الجامعي ومدير « مختبر البحث حول المغرب، إسبانيا وأمريكا اللاتينية: التاريخ، اللغة والآداب» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير، الكاتب المغربي محمد أبريغاش، ابن مدينة الناظور بالجهة الشرقية، التي لقبها الملك الراحل محمد الخامس في أول زيارة له بلقب مدينة النور.
هذه الجمعية يمثلها أعضاء من خيرة الدكاترة الباحثين المهتمين بثقافات دول أمريكا اللاتينية، وإسبانيا والبرتغال وآدابها، وينتمي هؤلاء إلى جامعات مغربية مختلفة منها:
جامعة الحسن التاني بالدار البيضاء، جامعة محمد الخامس بالرباط، جامعة ابن زهر بأكادير، جامعة محمد بن عبد الله بفاس، جامعة مولاي اسماعيل بمكناس، جامعة القاضي عياض بمراكش، والكلية المتعددة التخصصات بالناظور.. وجب التذكير بأنه خلال السنوات القليلة الماضية ركزت الجمعية على تشجيع مشاريع التعاون في المجالين الثقافي والأكاديمي، وتوثيق أواصر الصداقة بين المغرب والبلدان السالفة الذكر، من خلال المشاركة في المعارض الدولية، تنظيم محاضرات وندوات دولية، تنظيم رحلات علمية وثقافية، بناء علاقات متينة مع جامعات دولية، ومع الأدباء والباحثين والممثلين الدبلوماسيين لهاته البلدان، كما قامت بإصدار المجلة العلمية المحكمة «فضاءات» بأربع لغات هي: الإسبانية، البرتغالية، العربية، والفرنسية، بطبعتين: الورقية والرقمية، لتشجيع البحث العلمي ونشر دراسات، مقالات، شهادات، أوراق، ومقابلات، أنجزها أساتذة وطلبة باحثون من قارات مختلفة.
تجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2019 تم تنظيم المؤتمر الدولي الأول لهذه الجمعية تحت شعار «الآداب الإفريقية باللغات الإيبيرية 1956-2018»، وقد نظم أيام 18-19و20 من أبريل برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير، بتعاون مع بلدية سيدي إفني في شخص السيد العمدة: عبد الرحمان فابيان الذي يجيد اللغة الإسبانية، وقد قدم للمنظمين
والمشاركين في المؤتمر نبذة تاريخية عن هذه المدينة، وعن أهم متحف يوجد بها، «متحف المقاومة» الذي يعتبر الذاكرة التاريخية لمقاومة أهالي آيت با عمران.
كان هذا المؤتمر، في نسخته الأولى، بمثابة فرصة قيمة لتجديد اللقاء مع ثلة من الأساتذة الباحثين والطلبة المتميزين الذين حلوا من مختلف المدن المغربية، وكذلك من دول أوروبية وإفريقية، يجمعهم حب لغة ثيرفانتيس، ويعشقون سبر أغوار الثقافات الأخرى.
وقد وعد المنظمون بنشر أعمال هذا المؤتمر، ووفوا بوعدهم، بفضل تنسيق كل من رئيس
الجمعية السيد محمد أبريغاش، والمركز الثقافي محمد السادس لحوار الحضارات بكوكيمبو بجمهورية التشيلي الذي بات جزءا لا يتجزأ من سفارة المغرب في الشيلي، وفضاء خصبا لتعزيز التبادل الثقافي مع مختلف الهيئات والمؤسسات الثقافية، وإشاعة قيم السلام والإنسانية الكونية والقيم الحضارية، علاوة على ذلك، تم تقديم الكتاب الذي يضم أعمال هذا المؤتمر في المعرض الدولي للكتاب بالرباط يوم الخميس 29 يونيو 2022 بحضور الرئيس السابق للجمعية، الأستاذ المقتدر أحمد بن رمضان، مسيرا للجلسة، و السيد محمد أبريغاش الرئيس الحالي للجمعية الذي قدم رفقة الدكتورة الباحثة سحر وفقى، مداخلتين قيمتين بخصوص النسخة الأولى لأعمال المؤتمر.
وبسبب نجاح هذا المؤتمر الأول بشهادة جميع المشاركين، نظمت الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية مؤتمرها الثاني هذه السنة تحت شعار «المخيال، التراث المشترك والتجارب المتقاطعة أيام 26، 27 و28 من ماي الماضي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ومعهد ثيرفانتيس بنفس المدينة، وعرف حضور أسماء لامعة من جل الجامعات المغربية والدولية، وشخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى، من بينها سفيرة
المكسيك في المغرب مابيل ديل بيلار غوميز أوليفيي، وسفير دولة البيرو في المغرب أرتورو تشيباكو كاسيدا، بالإضافة إلى قنصل اسبانيا في المغرب وممثلي السلطات المحلية بالدار البيضاء. وشكل هذا المؤتمر الذي أطفأ شمعته الثانية ، فرصة ثمينة لخلق مساحات للحوار، وتقاسم المعارف والتفكير الإيجابي والتفاعلي بخصوص مواضيع ذات الاهتمام المشترك كالتاريخ، الأدب،الهوية، الذاكرة، المخيال الشعبي والعلاقات الدولية..إلخ. فضلا عن ذلك، ستعمل الجمعية على نشر أعمال هذا المؤتمر التيتميزت بتعدد موضوعاتها وتنوعها، وطرقها مجالات مختلفة مثل الدراسات الأدبية، والتاريخية، والعلاقات الدبلوماسية الدولية والدراسات المقارنة..بعضها يهم المحيط المغربي والإسباني، بينما يتسع بعضها الآخر، ليشمل البرتغال والعالم اللاتينو-أمريكي.
لا يفوتنا أن ننوه أيضا بالمجهودات التي تقوم بها الجمعية من أجل تبادل الخبرات وتقاسم
التجارب الناجحة وتوطيد أواصر الصداقة مع مؤسسات ومنظمات وطنية ودولية، إذ نذكر
على سبيل المثال لا الحصر أنه عُقِدَ لقاءٌ تواصلي يوم 30 يونيو المنصرم، بين السيد محمد أبريغاش رئيس الجمعية، والأستاذ الجامعي والجمعوي المتميز السيد عبد الرحمان بلعياشي الذي يشغل منصب أمين المال بنفس الجمعية، وبين السيدة إنمانكولادا ماريرو، الكاتبة
التنفيذية للمؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا بغرناطة، لبلورة مشاريع مشتركة،تُعنى بالشأن الثقافي بين الضفتين في الشهور القليلة المقبلة.
وجدير بالذكر أيضا، أن الكاتبة العامة للجمعية، المترجمة والأستاذة الباحثة فاطمة لحسيني توجد حاليا بجمهورية باناما، لتقديم آخر أعمالها الترجمية بالمعرض الدولي للكتاب بباناما، بعنوان «تملكني الجمال» للشاعرة المتألقة غلوريا يونغ، السفيرة السابقة لباناما في المغرب، والكاتبة العامة لجمعية الصداقة المغربية البانامية، والذي استوحت أشعاره من تجربتها في المغرب الحاضر بتفاصيله الجغرافية، بساكنته، بثقافته بموسيقاه، بألوانه وأطباقه العالميةالتي وظفتها في قصائدها بتقنية كتابة «الهايكو» اليابانية- التي تعتمد ألفاظا بسيطة، تصف الحدث أو المنظر بعفوية، ومن دون تدبر أو تفكير، وهذا النوع من القصائد يعكس أحاسيس الشاعر وانطباعاته المتدفقة التي يصبها في قالب من سبعة عشر لفظا-.
وجود ممثلة الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية بباناما كان فرصة لعقد عدة لقاءات مثمرة هناك مع شخصيات وازنة في الحقل الأكاديمي والجمعوي، فقد استُقبلت
من لدن رئيس جامعة باناما السيد إدواردو فلوريس الذي وضع رهن إشارة الأساتذة والطلبة الباحثين المغاربة الذين ينضوون تحت لواء الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية، أربعَ وستين مجلةً علمية، معظمها دولية، مفهرسة، ومحكمة، لنشر أبحاثهم ومقالاتهم العلمية في مجالات المعرفة المختلفة، كما كان لها لقاء أيضا مع الرئيسة
الحالية لجمعية النساء الجامعيات في باناما من أجل وضع اللبنة الأولى لاتفاقية التعاون والصداقة بين الجمعيتين.
وتعتزم الجمعية القيام بعدة مشاريع مستقبلية؛ إذ تسعى إلى تنظيم اللقاء الوطني الأول لأساتذة اللغة الاسبانية كلغة أجنبية(ELE)، أو كلغة ذات غايات محددة(EFE )، بتعاون مع كلية اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض، والمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير التابعة لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، ومعهد ثيرفانتيس بمراكش، وذلك يوم 23 نونبر2022. وسيكون هذا اللقاء فرصة لخلق فضاء مشترك للتفكير في تعزيز الإبداع وتقوية العلاقات، وتشجيع التواصل بين جميع المهتمين بالبحث والتدريس في مجال اللغة الإسبانية،وسيشهد هذا اللقاء تقديم عروض الأساتذة المشاركين، ونتائج أبحاثهم، وأيضا تقاسم التجارب وتبادل الخبرات في ما بينهم.
وتماشيا مع ما تم ذكره، ستعمل الجمعية على إنشاء موقع إلكتروني رسمي خاص بالجمعية في الأيام القادمة، كما أنه من المرتقب أن يُنظَّم المؤتمر الدولي الثالث سنة 2024 بمحاور ومواضيع جديدة.
ختاما، لا يسعنا إلا أن نرجو الاستمرارية لهذه الجمعية الواعدة، بانخراط كل المهتمين، ليكونوا عونا لها من أجل الدفع بها إلى الأفضل، وتقديم كل ما هو مفيد، لتطويرها وإظهارها بالمظهر الذي تليق به، لأنها منا وإلينا.

أستاذة باحثة، مهتمة بالشأن الثقافي المغربي والإسباني°.


الكاتب : سلمى متوكل *