تجارة تشتكي من بعض المعيقات ويقبل عليها مواطنون من كل الشرائح الاجتماعية

«البال».. ليست كل الملابس موجّهة لـ «ضعاف الحال»

 

تعد تجارة الملابس المستعملة أو ما يعرف بـ «البال» من الأنشطة التجارية الشائعة في المغرب، ويتم اقتناء هذه الملابس بأسعار معقولة، بالنسبة لأنواع معيّنة، التي يقبل عليها بشكل كبير الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الملابس الجديدة من الفئات الفقيرة، مما جعلها تنتشر بشكل واسع، وتصبح مورد رزق بالنسبة للكثير من الأسر فضلا عن توفيرها لفرص شغل بالنسبة لآخرين، وهو ما يجعل عددا من العاملين في هذا المجال يطالبون بتنظيم هذا القطاع الذي يوفّر خيارا اقتصاديا وبيئيا لشراء ملابس بأسعار منخفضة ويعزّز دورية إعادة التدوير والاستدامة.
وتقطع أطنان الملابس المستعملة التي تحضر في العديد من الأسواق والفضاءات في مختلف مدن المملكة، بل وحتى في بعض قراها، مسافات مهمة أسبوعيا انطلاقا من مختلف الدول الأوروبية ووصولا إلى المغرب، مرورا بمدينتي سبتة ومليلية وغيرها، ويتم الاعتماد في عدد من الحالات على نساء يحملنها على ظهورهن ويقطعن بها مسافة طويلة لكي يسلمنها لأصحابها في مكان متفق عليه سابقا، قبل أن يتم توزيعها من خلال شبكات مختصة على مختلف المتعاملين بها، في الدارالبيضاء والرباط والمحمدية ومراكش وأزرو وكذا بعدد من المدن في شمال المملكة وفي غيرها.
ملابس، للصغار والكبار، نساء ورجالا، منها ما هو «بسيط»، يعرض للبيع انطلاقا من درهم أو ثلاثة أو خمسة، فعشرة، وصولا إلى 15 و 20 و30 و50 درهما.. الخ، ومنها ما هو وإن كان مصنّفا في خانة «البال» إلا انه ليس في متناول الجميع، لأن الأمر يتعلق بعلامات أصلية، تحفاظ على قيمتها المادية، وإن تقلّصت بكثير، حتى وهي متقادمة، مما يجعل منها منتوجا موجها للمنتمين للطبقة المتوسطة الذين يقبلون عليها بتفاوت هم أيضا، نظرا لان القدرة الشرائية قد تراجعت وتدنّت عند كل الشرائح الاجتماعية.
زبناء «البال»، وفي جولة قامت بها «الاتحاد الاشتراكي» لعدد من الأسواق ما بين المحمدية والدارالبيضاء، لا يقتصرون على الفئات البسيطة الفقيرة، فحتى الميسورين تغريهم بعض أنواع الملابس التي يبحثون عنها ويسعون لاقتنائها، خاصة إذا ما حافظت على شكلها المقبول، لأن سعرها أقلّ بكثير عن سعر تلك المتواجدة في رفوف وواجهات المحلات التجارية التي تبيع العلامات الفاخرة، بأسعار جد باهظة، وهو ما أكدته تصريحات بعضهم للجريدة، حيث صرحت إحدى الزبونات الوفيّات لأحد المحلات المختصة في بيع الملابس المستعملة المجلوبة من خارج المغرب قائلة «رغم أنني ميسورة الحمد لله فإنني آتي كل يوم أحد تقريبا إلى السوق لشراء ملابس البال»، مضيفة بالقول «إن سبب إقبالي على هذه الملابس المستعملة هو جودتها، فهي أفضل من بعض الملابس الجديدة، خاصة وأن هناك بعض الملابس التي لم يتم ارتدائها بشكل كبير قبل بيعها، وأخرى تحمل ماركات عالمية شهيرة وهذا هو الأمر الذي يجذبني لشراء هذا النوع من الملابس وكذلك هناك بعض المحلات تقدم تشكيلات جيدة».
تصريح أكدته سيدة أخرى وهي ترد على أسئلة الجريدة قائلة «ها أن أنبش بين أكوام الملابس إلى أن أعثر على ما أريد بأبخس الأثمان ، فملابس البال أرخص بكثير من الملابس الجديدة، أقتني كل ملابسي من هنا، وهي تعتبر بديلا جيدا للأشخاص الذين يعانون من ضيق الوضعية المعيشية، ناهيك عن الجودة، فهناك ملابس من الصعب إيجادها في المحلات التجارية الأخرى، لأن أسواق البال تعرض التنوع في الماركات التجارية»، مشددة على أن «لها نوع (ستيل) مختلف وذوقها تجده فقط في هذا النوع من الأسواق».
إقبال واسع لدى الكثيرين يقابله تحفّظ البعض، خوفا من تبعات صحية، جلدية وتنفسية وغيرها جراء استعمال هذه الملابس، وهو ما عبّرت عنه إحدى السيدات قائلة «أخشى جدا من أن تتواجد البكتيريات والفيروسات والجراثيم في هذه الملابس مما قد يؤدي إلى انتقال الأمراض، فضلا عن الحشرات كالقمل والبقّ، أو أن تكون بها مواد كيميائية ضارة». تخوّف زكّته إحدى المواطنات اللواتي فتحنا معهن نقاشا في أحد الأسواق حول هذه التجارة، مبرزة بالقول « كنت مدمنة على شراء ملابس البال لكن في يوم من الأيام قمت بشراء بعض الملابس الداخلية وهذا ما أدى إلى إصابتي بمرض جلدي، هذا هو سبب عدم عودتي لشراء هذا النوع من الملابس»، وما كادت تنهي كلامها حتى انطلقت أخرى لتبدد كل تخوف قائلة «إن هذا صحيح ولكنه لا يعني أن جميع الملابس تشكل خطرا، بل فقط يجب على المشتري أن ينظفها مثلا بالملح والخل».
وإذا اتسمت تصريحات الزبناء والمواطنين الذي استقت الجريدة آرائهم بالعفوية وكان التفاعل سلسا، فإن إقناع الباعة بالكلام والتحدث في الموضوع لم يكن سهلا، لأن عددا كبيرا منهم امتنعوا عن الحديث دون إبداء سبب واضح، والذين تفاعلوا رغم قلّتهم عدديا، أوضح أحدهم مؤكدا أن «الربح موجود في هذه التجارة»، مبرزا أن «مختلف الفئات والأعمار يقبلون على ملابس البال ومعظم النساء هنّ زبونات قارات ووفيات». في حين صرح تاجر آخر متحدثا عن تجربته قائلا «دخلت عالم البال وأنا شاب أبلغ من العمر 17 سنة أي منذ مدة 20 سنة وأنا أشتغل في هذه التجارة، أعيل أسرتي منها، أقتني «الكولية» (مجموعة الثياب المغلقة في أكياس كبيرة)، وحتى أبنائي لا يشترون ملابس جديدة، فالأثمنة تكون جد منخفضة، بحيث تستطيع شراء ألبسة أنيقة وجميلة بأقل من 100 درهم»، مشيرا إلى أن «جميع الطبقات لها إقبال على شراء هذا النوع من الملابس» .
وتعرف تجارة «البال» التي تعاني من عدد من المشاكل، إقبالا متناميا، إذ يتزايد وفقا للممارسين، عدد الأشخاص الذين يفضلون شراء هذه الملابس، خاصة بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ويرى كثير من الناس أن شراء الملابس المستعملة يعد خيارا مستداما وفعالا من حيث التكلفة والجودة كذلك .

(*) صحفية متدربة


الكاتب : (*) مريم خدو

  

بتاريخ : 29/05/2023