“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 37 -الإنسانية اليوم لاتحتاج إلى أي رسالة أو نبوة

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ، هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟، كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة، ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

يرى الدكتور محمد شحرور، أن هناك حقيقة تاريخية مهمة جدا، تتمثل في أن التاريخ الإنساني وفق التنزيل الحكيم، يمكن تقسيمه إلى مرحلتين، المرحلة الأولى، يقول المفكر السوري محمد شحرور، مرحلة الرسالات التي انتهت برسالة  محمد صلى  لله عليه وسلم، وهي الرسالة التي نسخت فيها الرسالات السابقة لها، والمرحلة الثانية، هي مرحلة مابعد الرسالات التي نعيشها، وقد ختمت الرسالة المحمدية التشريع الإلهي والنسخ الإلهي وبدأت بالتشريع الإنساني والنسخ الإنساني، علما يقول الدكتور محمد شحرور، بأن النبي صلى لله عليه وسلم مارس الحالتين معا، إذ كان عليه البلاغ في الرسالة، وفي الحالة الإنسانية، شرع لمجتمعه في تفصيل المحكم وتنظيم الحلال «كما جاء في الآية الكريمة «وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا لله»، وأوضح  الدكتور شحرور، أنه صلى لله عليه وسلم، لم يشرح أي شيء من رسالته سوى الشعائر، وهذا هو القانون المدني الإنساني القابل للنسخ والتغير باختلاف الزمان والمكان، هذا التغير في التشريعات كما يرى  الدكتور محمد شحرور، هو ماينطوي تحت ظل ميزة الحنيفية التي تتصف بها الرسالة الإلهية، وهي  تتماشى مع درجة تطور كل مجتمع، أي إن الإنسانية اليوم لاتحتاج إلى أي رسالة أو نبوة، بل هي قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها دون نبوات، وقادرة على التشريع لنفسها دون رسالات، والانسانية اليوم،كما يرى، أفضل بكثير مما كانت عليه في عصور الرسالات، لأن البشرية كانت قديما بحاجة إلى الرسالات لترتقي من المملكة الحيوانية إلى الإنسانية، أما الآن، يقول محمد شحرور، فتطورت ووصلت إلى مستوى بعيد جدا عن مستوى المملكة الحيوانية، لأن المستوى الإنساني والأخلاقي في تعامل الناس بعضهم مع بعض الآن هو أفضل بكثير عن ذي قبل، وحتى عن عهد الرسالات.
وفي المحصلة، كما  يقول  الدكتور محمد شحرور، يصبح البكاء على عصر الرسالات لاجدوى منه، لأن مستوى الإنسانية الآن أرقى معرفيا وتشريعيا من ذي قبل، فأما  معرفيا، يشرح  الدكتور، فتشهد عليه التطورات العلمية في مختلف  مجالات العلوم والتكنولوجيا، وأما في التشريع، نجد الإنسانية تعيش مرحلة التشريع الإنساني بعد انتهاء مرحلة التشريع الإلهي مع الرسالة الخاتمة التي جاءت للرسول صلى لله عليه وسلم بالحنيفية، إذ أصبحت التشريعات الإنسانية، كما يرى، ينسخ بعضها بعضا تماشيا مع تطور المجتمعات من كل النواحي، في حين أنه من الناحية الأخلاقية، يكفينا  كما يقول ،دليلا على ذلك أن ضمان حقوق الإنسان في العالم أصبح كابوسا على رأس كل متسلط، بالإضافة إلى أن المؤسسات المدنية المحلية والعالمية، التي تقوم على أساس تطوعي، تتنامى يوما بعد يوم، إذ ألغي الرق عالميا إلغاء كاملا، وهي مهمة دشنت بدايتها الرسالة المحمدية على عهد النبي صلى لله عليه وسلم، بتحويل العملية من رق إلى عقد عمل بين أحرار، وهي ظاهرة يرى الدكتور محمد شحرور، لم تعرفها البشرية قبل البعثة المحمدية، ولم تطبق إلا بعد مرور ألف سنة على نزول الرسالة المحمدية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 08/06/2020