“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 12 – أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول الدول البرلمانية الحقيقية  تتمثل في قوانينها حنيفية الإسلام

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

في قراءته للتاريخ العربي  الإسلامي، ،يستنتج  الدكتور محمد شحرور، أن مفهوم الردة  قد اصطبغ بأصبغة شتى، كما حدود هذا المصطلح كانت هلامية مطاطة، وسجل محمد شحرور، أن البعض أساء الاتكاء عليه أكثر من مرة، ويورد هنا حكاية الحجاج الذي قتل سعيد بن جبير ،ليس لأنه ارتد عن دينه  بل لأنه بايع الزبير على الخلافة، حيث رأى في ذلك ردة سياسية  تستوجب القتل، والكل يعلم يضيف  المفكر السوري، أن بيعة الزبير  تمت قبل بيعة مروان بن الحكم وابنه عبدالملك، مع ذلك لم يقتلا بتهمة الردة، والعجيب كما يرى، أن الذي حدث هو العكس ،ويقول  إن هناك ردة عقائدية هي الارتداد عن الدين، وهناك ردة سياسية لا علاقة لها بدين ولا بإسلام  ولا بإيمان، وقد اختلطت هاتان في الوعي العربي الإسلامي الثقافي والسياسي حتى كأنهما عنده شيء واحد.
ويرى الدكتور شحرور، أن الإسلام دين الفطرة الوحيد الذي ارتضاه لله للناس، وهو الدين الذي أغلق المحرمات، ومن هنا يقول، لامحرمات بعده، إذ يأتي بعده أمر ونهي كما يراه المجتمع في مؤسساته التشريعية والمدنية، وهو المنتشر اليوم بين معظم أهل الأرض.
من هذا  المنطلق، يرى الدكتور محمد شحرور إلى  الردة عن الإسلام ضمن  مستويات عدة، المستوى  العقائدي، أي الإيمان بالله واليوم الآخر، ومن ينكر ذلك  يعرف  بالملحد، أو من دخل في دين آخر وثني غير توحيدي، أي خرج عن شهادة أن لا إله إلا لله  ولايهم بعدها  أشهد أن محمدا رسول لله أم لم يشهد، في هذا المستوى  يوضح محمد شحرور، للإنسان مطلق الحرية أن يكون مسلما أو ملحدا، ولاسبيل لأحد عليه بإكراهه لأنه مستوى شخصي بحت لايحمل  الصفة الاجتماعية  وله الحق أن يعلن ذلك  بالوسائل السلمية المتاحة.
وهناك  يضيف المفكر السوري، المستوى العملي، أي العمل الصالح  والقانون الأخلاقي، الذي تكون الردة عنه  مستحيلة، إذ لايمكن  للإنسان  يوضح، أن يضرب والديه ويمارس الفاحشة العلنية ويدعو مجتمعه إلى الغش في المواصفات وشهادة الزور  وإشاعة الغيبة  والنميمة والتجسس حتى لو كان ملحدا، فإن حدث ذلك، عمل أفراد المجتمع أنفسهم بغض النظر عن ملتهم وديانتهم على توقيفه وإيداعه المستشفى على أنه مجنون أو مجرم بحق المجتمع، ويرى أنه في هذا المستوى ،يجب أن يقوم التعاون بين  المؤمنين وبقية الناس.
فالإسلام  حسب  ماجاء في هذا الكتاب، هو مثل عليا تنظم العلاقات الاجتماعية الإنسانية وترى حقوق الإنسان جزءا منها  ،يتفق عليها الرأي والرأي الآخر ،من هنا  يرى الدكتور محمد شحرور، أن الردة عن الإسلام   وبعبارة أخرى إن الردة العملية  مستحيلة.
المستوى  الثالث، هو المستوى التشريعي، ويقول إن التشريع الإسلامي هو تشريع مدني إنساني ضمن حدود لله، فكلما زادت الأمم تحضرا، زادت اقترابا من التشريع الحدودي  الذي يمثل حنيفية الإسلام   والدول البرلمانية الحقيقية يقول محمد شحرور  تتمثل في قوانينها حنيفية الإسلام.
ويعود محمد شحرور ليذكر  بأركان الإسلام وأركان الإيمان، ،ففي التنزيل الحكيم  ،سور كاملة تتحدث عن المؤمنين حصرا  كسورة محمد وسورة الأنفال، ويقول محمد شحرور، إن اليهودية والنصرانية ملل وليست أديانا،كما جاء  في قوله تعالى في سورة البقرة “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، أي الذي يتحول من التبعية لمحمد صلى لله عليه وسلم، أي من الملة الحنيفية إلى ملل أخرى هي اليهودية والنصرانية، فقد خرج من الإيمان فقط  اذا بقي على التوحيد  وهذا يقول محمد شحرور  حقه أيضا، ونلاحظ هذا في قوله تعالى في سورة آل عمران “قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا لله ولانشرك به شيئا ولايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون لله  فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون “.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 08/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *