أعدت روسيا قوائم من أكثر من 40 ألف مقاتل ينتمون الى مجموعات موالية لقوات النظام ليكونوا على أهبة الاستعداد للمشاركة في الحرب الأوكرانية الى جانب الجيش الروسي، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما أكدت مصادر أخرى فتح مراكز للتجنيد في سوريا تستهدف إيجاد عناصر يقاتلون الى جانب روسيا إنما كذلك أوكرانيا.
وأعلن الكرملين قبل أيام أنه سيفتح الباب للسوريين للقتال إلى جانب الجيش الروسي الذي بدأ في 24 فبراير غزو أوكرانيا. ويقول خبراء ومحللون أن روسيا تعتمد استراتيجيات عسكرية في أوكرانيا مارستها خلال سبع سنوات من التدخل العسكري في سوريا الى جانب قوات النظام.
وأ نشئت مراكز تجنيد في سوريا، وفق المرصد السوري وناشطين، بالتعاون بين عسكريين روس وسوريين ومجموعات موالية للنظام في محافظات عدة أبرزها في دمشق وريفها وفي حمص (وسط) وصولا إلى دير الزور (شرق).
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس «سجل أكثر من 40 ألف سوري أسماءهم للقتال في أوكرانيا حتى الآن» بناء على دعوة موسكو.
ولن تكون هذه المرة الأولى التي ي شارك فيها مقاتلون سوريون في حروب خارج البلاد. فمنذ نهاية 2019، أرسلت تركيا وروسيا آلاف المقاتلين السوريين كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها كل منهما في ليبيا وناغورني قره باخ.
وقال عبد الرحمن «وافقت روسيا على 22 ألف مقاتل» منضوين ضمن القوات الحكومية أو مجموعات موالية للنظام.
وأوضح أن المجندين ينضوون في «الفرقة 25 المهام الخاصة» التي يقودها العميد سهيل الحسن الملقب بالنمر، والفيلق الخامس الذي أسسه الروس من مقاتلين معارضين سابقين، ولواء القدس الفلسطيني، وهو مجموعة فلسطينية موالية للنظام السوري قاتلت خصوصا في منطقة حلب في شمال البلاد.
ولم يتمكن المرصد من تحديد ما إذا كانت القوات الروسية بدأت بإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا.
وتشترط روسيا أن يكون المجندون تلقوا تدريبات عسكرية من القوات الروسية وشاركوا في القتال إلى جانبها في سوريا، وأن يكونوا من أصحاب الخبرة في حرب الشوارع، وفق المرصد الذي يملك شبكة واسعة من المندوبين في كل المناطق السورية والذي يوثق النزاع السوري منذ بدايته.
وفي بلد يترواح فيه راتب الجندي السوري بين 15 و35 دولارا ، وعدت القوات الروسية، وفق المرصد، المجندين براتب شهري يعادل نحو 1100 دولار أميركي.
كما يحق للمقاتل تعويضا قدره 7700 دولار في حال الإصابة و16500 دولار لعائلته في حال الوفاة في بلد أنهكت سنوات الحرب اقتصاده وباتت غالبية سكانه تحت خط الفقر.
ولا يتوقف الأمر على القوات الروسية، وفق المرصد وناشطين، إذ تجند شركة فاغنر الأمنية التي باتت معروفة بتجنيد مرتزقة في دول عدة والمعروفة بعلاقتها الوطيدة بالكرملين والناشطة في سوريا منذ سنوات، أيضا مقاتلين.
وأفاد المرصد بأنه تم «تسجيل أكثر من 18 ألف شخص» حتى الآن بالتعاون مع فاغنر.
ونقلت منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» في تقرير الشهر الحالي عن جندي أنهى خدمته الإلزامية قوله «الأوضاع مزرية، لا كهرباء ولا تدفئة ولا غاز»، فما كان منه سوى أن سجل اسمه في «فرع للمخابرات الجوية» قرب دمشق للقتال في أوكرانيا.
في محافظة دير الزور، افتتح مركزا تسجيل في مدينتي دير الزور والميادين، وفق ما أفاد عمر أبو ليلى الذي يوثق الأوضاع في المنطقة عبر موقعه «دير الزور 24».
وقال أبو ليلى لفرانس برس «بدأت فاغنر الموضوع في دير الزور»، مشيرا الى أن عدد المجندين لا يتجاوز العشرات حتى الآن.
وأضاف «في بلد لا تتوفر فيه أي مقومات معيشية، لا يجد البعض خيارا سوى الذهاب إلى حرب لا علاقة لهم فيها مقابل بضع مئات من الدولارات».
في السويداء ذات الغالبية الدرزية (جنوب)، أفادت منصة «السويداء 24» الإعلامية المحلية أن شركة أمنية سورية معنية بالتجنيد للقتال خارج البلاد، بدأت قبل يومين تسجيل أسماء.
في المقابل، نفى المتحدث باسم لجنة المصالحة الوطنية التابعة للحكومة السورية عمر رحمون وجود تجنيد. وقال لفرانس برس «لا يوجد حتى الآن أي اسم كتب، وأي جندي سجل في مركز، وأي شخص سافر بغرض القتال في أوكرانيا»، مضيفا «حتى اللحظة، كل ما أثير هو حديث إعلامي ليست له صلة على أرض الواقع».
وتجري أيضا في سوريا عملية تجنيد مقاتلين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل مقاتلة ومجموعات جهادية معارضة للنظام السوري، للقتال الى جانب القوات الأوكرانية.
وأفاد قيادي ومقاتلون فرانس برس أن التجنيد يحصل خصوصا في صفوف فرق «السلطان مراد» و»سليمان شاه» و»الحمزة»، وجميعها أرسلت مئات المقاتلين إلى ليبيا وناغورني قره باخ.
على الأرض، لا تبدو دوافع المسارعين الى تسجيل أسمائهم للقتال عقائدية، إنما تمليها ظروف بلد غارق في نزاع مدمر وانهيار اقتصادي وغياب أفق. وبالتالي، تشكل الرواتب سببا أساسيا للمخاطرة.
وقال أحد مقاتلي الفصائل في منطقة واقعة تحت سيطرة فصائل موالية لتركيا في شمال سوريا، لفرانس برس طالبا عدم الكشف عن اسمه، «وعدونا بثلاثة آلاف دولار… الأموال التي سأحصل عليها من أوكرانيا، سأفتح بها متجرا هنا».
وقال آخر «تعبنا من الجوع.. سأذهب ولن أعود. من أوكرانيا سأذهب إلى أوروبا».
الاعتماد على مقاتلين
سوريين وشيشانيين
وبفتحها المجال أمام مشاركة متطو عين سوريين وشيشانيين في القتال في أوكرانيا، تسعى موسكو إلى تعزيز صفوف قواتها وتمكينها من السيطرة على مدن كبرى.
فبعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، باتت غالبية القوات التي حشدتها روسيا عند الحدود الأوكرانية وبلغ عديدها 150 ألفا منتشرة داخل الأراضي الأوكرانية.
وشدد الخبير ماتيو بولاغ المتخصص في شؤون روسيا في مركز «تشاتام هاوس» على أن «روسيا لن تتمكن من السيطرة على أوكرانيا من دون تعزيزات كبيرة للأعتدة والعديد»، بعدما «تعثرت في بداية الحرب» وأخفقت في تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة وباتت تواجه مقاومة أوكرانية أكثر صلابة مما كان متوقعا .
وفي حال تأمن هذا الدعم الميداني فعليا، فإنه سيتيح لروسيا الالتفاف على عزلتها على الساحة الدبلوماسية.
وبحسب إفادات متطو عين سوريين جمعتها منظمة «سوريون من أجل الحرية والعدالة» شرط عدم كشف هوياتهم، طلبت موسكو من أجهزة سورية إطلاق حملة تطويع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لتجنيد رجال لديهم خبرة في قتال الشوارع.
والاثنين حذر المتحد ث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من أن الجيش الروسي «لا يستبعد السيطرة بشكل تام على مدن كبرى تم تطويقها»، في حين تتعرض مدن أوكرانية عدة لقصف روسي عنيف مع احتدام المعارك في محيط كييف التي تسعى القوات الروسية إلى محاصرتها.
وعادة ما تقتضي السيطرة على مدينة معارك دامية ومدمرة، كما أن القتال في الشوارع والأحياء عادة ما يكون عنيفا.
ولترجيح الكفة في حرب الشوارع، يجب أن يكون ميزان القوى بواقع عشرة لواحد، وفق مصدر عسكري فرنسي، لأن الافضلية هي دوما للجهة المدافعة لأنها أكثر دراية بطبيعة الميدان ويمكنها أن تتحرك سريعا من نقطة إلى أخرى وتسيطر على الأماكن المرتفعة والاستراتيجية على غرار المباني.
وبالإضافة إلى فتحها المجال أمام مشاركة متطوعين سوريين في القتال، سمحت روسيا لمجموعات شيشانية بالانخراط في المعارك في أوكرانيا.
وأكد زعيم الشيشان رمضان قديروف المقر ب من بوتين، أنه موجود في أوكرانيا وعلى مقربة من كييف حيث يشارك في المعارك إلى جانب القوات الروسية.
ونشر قديروف مقطع فيديو على تلغرام يظهر فيه بزي عسكري خلال مراجعته خططا وهو يجلس إلى طاولة مع جنود داخل غرفة.
وتتهم القوات الخاضعة لسيطرة قديروف بارتكاب انتهاكات كثيرة في الشيشان.
استراتيجيات أوكرانيا
اختبرت في سوريا
وتتبع روسيا في غزوها لأوكرانيا استراتيجية تقوم على حصار المدن واستهداف البنى التحتية بقصف جوي ومدفعي مدمر، قبل تفعيل «ممرات آمنة» لإجلاء المدنيين، في خطوات تذكر بتدخلها العسكري في سوريا التي شكلت حقل تجارب لعسكرييها وأسلحتها.
لكن في سوريا، واجهت موسكو التي لم تنشر قوات على الأرض، مع دمشق، مجموعات معارضة مقاتلة مشتتة غالبا وتفتقر الى السلاح والتجهيزات والدعم الدولي، بينما تواجه اليوم في أوكرانيا مقاومة من جيش منظم، وسط تعبئة سياسية دولية رافضة للغزو.
ومنذ بدأت غزو أوكرانيا في 24 فبراير، زجت روسيا عشرات الآلاف من قواتها في الهجوم. ويشارك هؤلاء في قصف وحصار مدن رئيسية باتت تحت مرمى نيرانهم، ما دفع عشرات الآلاف الى الفرار.
وتقول موسكو إنها لا تستهدف مناطق مدنية.
ويقول مصدر عسكري فرنسي تحفظ عن ذكر اسمه لوكالة فرانس برس إن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا شكلت «تغيرا في النطاق» معتبرا أن «سوريا كانت مسرحا صغيرا «.
لكن الكثير من التكتيكات المتبعة في أوكرانيا مستمدة من تجربة روسيا في سوريا، حيث اكتسب عديدها خبرة عملية واختبرت معظم مكونات ترسانة الكرملين العسكرية.
ومن بين كبار الجنرالات الروس الذين شاركوا في مهمات في سوريا، برز مؤخرا اسما اللواء أندري سوكوفيتسكي، نائب قائد جيش الأسلحة المشتركة الحادي والأربعين، الذي قتل الشهر الحالي في أوكرانيا، والجنرال فيتالي غيراسيموف الذي أعلنت كييف مقتله، ولم تؤكده موسكو.
ويقول الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش لوكالة فرانس برس «بالنسبة الى روسيا، تشكل سوريا حقل تدريب للعتيد والعتاد».
ويوضح بالانش أنه على الدوام «كان هدف روسيا الأول في سوريا إعادة السيطرة على المدن الكبرى» بدءا من حلب في نهاية 2016 الى الغوطة الشرقية قرب دمشق عام 2018 بهدف منح الرئيس بشار الأسد «شرعية».
ويشير الى تشابه مع أوكرانيا حيث تتقدم القوات الروسية باتجاه مدن كبرى أبرزها كييف «التي تشكل مصدر شرعية للسلطة» تسعى الى تجريدها منها.
كما في سوريا سابقا ، تتبع روسيا في أوكرانيا راهنا، وفق بالانش، أسلوب ترويع المدنيين عبر الانتقال من «قصف مواقع عسكرية إلى بنى تحتية في مجالي الصحة والطاقة لجعل حياة المدنيين مستحيلة ودفعهم الى المغادرة»، وبالتالي «تسهيل مهمة تقدم القوات» في الميدان.
وخلال هجمات عسكرية العام 2016 على مدينة حلب (شمال) ثم على محافظة إدلب (شمال غرب) بين عامي 2019 و2020، شنت موسكو مع قوات النظام السوري غارات استهدفت «بشكل متعمد» عشرات المدارس والمستشفيات والأسواق، موقعة الكثير من الضحايا، غير آبهة بنداءات دولية لتحييد المنشآت المدنية.
وقبل يومين من بدء الهجوم الروسي، أبدى مدير هيومن رايتس ووتش كينيث روث قلقه من «إمكان استنساخ استراتيجية جرائم الحرب» في سوريا مجددا في أوكرانيا.
ومع بدء الغزو، اتهمت منظمات حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية روسيا باستخدام قنابل عنقودية في قصف على مدرسة ومستشفى في مدينة خاركيف، ثاني مدن البلاد، بما يرقى إلى «جرائم حرب».
واتهمت كييف موسكو بقصف مستشفى للأطفال والتوليد في مدينة ماريوبول في جنوب أوكرانيا، ما أثار موجة استنكار دولية وتنديد بما وصفوه بأنه «جريمة حرب».
وفي سيناريو كانت روسيا المهندس الرئيسي له في سوريا لإخلاء السكان من مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري، أعلنت موسكو فتح «ممرات إنسانية» في أوكرانيا لإجلاء الآلاف، في استراتيجية يشك ك محللون بجدواها.
لا يحول التماهي في التكتيكات التي اتبعتها روسيا في البلدين دون وجود تباينات على مستويات عدة، يتعل ق أبرزها بنطاق الهجوم وطبيعة المنخرطين فيه.
ويوضح الباحث في معهد نيولاينز نيكولاس هيراس لوكالة فرانس برس «في سوريا، اعتمدت روسيا بشكل أساسي على قوتها الجوية وبعض الوحدات المتخصصة لتقديم المشورة والمساعدة للقوات الموالية للأسد»، فيما «الروس هم القوة المقاتلة» الرئيسية في أوكرانيا.
ويشير هيراس الى تباين كذلك على صعيد قدرات القوات العسكرية، إذ تواجه روسيا في أوكرانيا جيشا نظاميا مدعوما من حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومن دول أوروبية تمد ه بالسلاح، عدا عن أنه يمتلك أساسا قدرات مضادة للطائرات والدروع.
في المقابل، خاضت روسيا في سوريا «حربا على نطاق أصغر كانت لها فيها سيطرة كاملة».
ويرى الباحث غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي أنطون مارداسوف أن لروسيا بعد تجربتها القتالية في سوريا تصورا أوضح عن أنظمة أسلحتها وكيفية عملها.
ويقول «صححت الكثير من أوجه القصور في أسلحتها العالية الدقة برا وبحرا وجوا التي تم اكتشافها خلال استخدام أنظمة الصواريخ في سوريا».
ويضيف «في أوكرانيا، يتم استخدام الأسلحة العالية الدقة بشكل فاعل ودقيق للغاية».