تحدث عن الفجوة بين الأرقام الرسمية وإحساس المواطن بارتفاع الأسعار .. الجواهري: عندما ترتفع الأسعار من الصعب أن تعود إلى سابق عهدها حتى لو ارتفع العرض

 

خلافا للتوقعات، قرر بنك المغرب خلال اجتماعه لشهر مارس 2025 خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.25%. هذه الخطوة، التي تمثل ثالث خفض منذ يونيو الماضي، جاءت في وقت كانت التوقعات تشير إلى الإبقاء على الوضع الراهن. وأوضح والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، خلال الندوة الصحفية التقليدية التي تعقب اجتماع المجلس، أن هذا القرار يستند إلى استقرار المؤشرات الاقتصادية والهوامش المتاحة لدعم النمو والتشغيل، مع الحفاظ على استقرار الأسعار.
وفي سياق متصل، تطرق والي بنك المغرب إلى معضلة الأسعار، محذرا من صعوبة عودتها إلى مستوياتها الطبيعية بعد ارتفاعها، نظرا لارتباط ذلك بميزان العرض والطلب. وأوضح قائلا: «كنا ننادي بتسريع رفع العرض لأنه إذا ارتفعت الأسعار فإنه من الصعب أن تعود للانخفاض»، مشيرا إلى أن «حتى لو تمت الزيادة في العرض بعد ذلك، فإن الأسعار عندما ترتفع تعود للانخفاض بشكل ضعيف جدا».
كما أشار الجواهري إلى الفجوة بين الأرقام الرسمية وإحساس المواطن بارتفاع الأسعار، مضيفا تعليقا طريفا حول هذا الموضوع: «هادشي أعيشه. والسيدة ديالي كتقولي أجي معايا تشوف واش الأرقام للي كتقول هي للي كاينة». وبخصوص أسعار اللحوم، أكد أنه رغم التراجع الذي شهدته مؤخرا، إلا أنها لا تزال مرتفعة، قائلا: «البائع الذي يربح عند ارتفاع الأسعار، كايعز عليه يخسر في دقة وحدة».
وأكد الجواهري أن الهدف الأساسي من خفض سعر الفائدة يظل مكافحة التضخم وضمان استقرار الأسعار. وأشار إلى أن الأرقام تؤكد هذا التوجه، حيث تراجع معدل التضخم من 6.1% إلى 0.9%، مع توقعات باستقراره عند حوالي 2% خلال 2025 و2026، سواء بالنسبة للتضخم العام أو التضخم الأساسي. وأضاف قائلاً: «لو لم يكن التضخم الأساسي يتراجع ويقترب من هدفنا البالغ 2%، لكنا تبنينا نهجًا مختلفا»، في إشارة واضحة إلى التزام البنك بسياسة نقدية متوازنة.
وتستند هذه الخطوة إلى بيئة مالية وبنكية مطمئنة. فبحسب الجواهري، يتوقع قانون المالية لعام 2025 تقليص العجز المالي، مما يمنح مزيدا من الثقة في قدرة الاقتصاد على مواصلة مسار التعافي. كما أشار إلى أن التوقعات الاقتصادية لبنك المغرب والالتزامات الحكومية في إطار البرنامج الثلاثي مع صندوق النقد الدولي تدعم هذا التوجه، ما يعزز استقرار المالية العامة.
ومن بين العوامل الحاسمة التي عززت هذا القرار، ذكر والي بنك المغرب أن احتياطي العملات الأجنبية يغطي حاليا ما يقارب خمسة أشهر ونصف من الواردات، وهي نسبة مطمئنة تعكس توازن القطاع الخارجي. وأضاف أن الصادرات المغربية تحافظ على زخمها، بينما تبقى الواردات الطاقية تحت السيطرة، في ظل تحسن مستمر في تدفقات العملات الأجنبية من السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشار الجواهري إلى أن نسبة النمو في القطاعات غير الفلاحية تجاوزت 4%، وهو مؤشر على تحسن النشاط الاقتصادي، ما يمنح البنك المركزي هامشًا كافيًا للمناورة النقدية لدعم النشاط الاقتصادي دون الإضرار بمهمته الأساسية في استقرار الأسعار. وقال: «قررنا تعزيز سياستنا التيسيرية. كنا نوفر للبنوك سيولة غير محدودة، والآن نذهب أبعد من ذلك عبر تعديل سعر الفائدة الرئيسي، بما يساهم في تسهيل شروط التمويل وتشجيع الاستثمار».
إلى جانب ذلك، تناول الاجتماع وضعية سوق الشغل بالمغرب، حيث أكد بنك المغرب أن سنة 2024 شهدت استمرار تأثير تقلص الإنتاج الفلاحي، ما أدى إلى فقدان 137 ألف منصب شغل إضافي في القطاع الفلاحي. وعلى الجانب الآخر، شهد التشغيل غير الفلاحي بعض الانتعاش، حيث تم إحداث 160 ألف منصب شغل في قطاع الخدمات، و46 ألفًا في القطاع الصناعي، و13 ألفًا في قطاع البناء والأشغال العمومية.
وبالنظر إلى دخول 140 ألف باحث جديد عن العمل، تراجعت نسبة النشاط بشكل طفيف إلى 43.5%، بينما ارتفعت نسبة البطالة إلى 13.3% على المستوى الوطني، وإلى 6.8% في المناطق القروية، و16.9% في المجال الحضري. هذه الأرقام تعكس استمرار التحديات في سوق الشغل رغم بوادر التحسن في بعض القطاعات الإنتاجية.
وتأتي هذه التدابير في إطار استراتيجية أوسع لتطبيع السياسة النقدية، بعد بلوغ التضخم ذروته خلال 2023-2024. وأشار الجواهري إلى أن المسار النقدي الذي سلكه البنك المركزي كان ضروريًا لمواجهة الضغوط التضخمية، حيث تم رفع الفائدة تدريجيًا قبل الشروع في خفضها بشكل محسوب، وفق معطيات دقيقة تضمن تحقيق التوازن المطلوب. وأضاف: «بدأنا من سعر فائدة رئيسي عند 1.5%، ثم رفعناه إلى 3% قبل أن نبدأ في خفضه تدريجيا وصولا إلى 2.25%. ومع استقرار التضخم عند 2%، لدينا مساحة للتحرك».
وأكد والي بنك المغرب أن البنك المركزي يعتمد نهجا حذرا لكنه استباقي، حيث قال: «نحن نواكب النمو والتشغيل بطريقة مدروسة دون الإخلال بمهمتنا الأساسية. كل قرار سيتخذ بناء على البيانات المحدثة في كل اجتماع على حدة». بذلك، بعث الجواهري برسالة واضحة إلى الأسواق، مفادها أن البنك سيواصل ملاءمة سياسته النقدية وفق تطورات الظرفية الاقتصادية، بما يضمن توازنا بين دعم الاقتصاد وحماية الاستقرار المالي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 20/03/2025