مع دخول الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران يومها الحادي عشر تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية وتبادل الضربات الجوية والصاروخية، وسط تحرك دولي ، لإعادة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
ويوم أمس، شنت إسرائيل، في تصعيد غير مسبوق، ضربات جوية استهدفت منشآت استراتيجية إيرانية في عمق الأراضي الإيرانية، كان أبرزها موقع فوردو النووي المحصن في عمق جبل جنوب طهران، الذي يعتبر من أهم مواقع تخصيب اليورانيوم في البلاد. وأكد الجيش الإسرائيلي استهدافه مقار الحرس الثوري وسجن إيفين، الذي يحتجز فيه العديد من السجناء السياسيين، ومقرات الأمن الداخلي للحرس الثوري الإيراني.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربات ضد ستة مطارات عسكرية في غرب وشرق ووسط إيران، شملت تدمير مدارج طائرات ومخابئ تحت الأرض وطائرات مقاتلة، فضلا عن منشآت إطلاق وتخزين صواريخ في كرمنشاه، حيث تم استهداف أكثر من 15 طائرة مقاتلة إيرانية.
في المقابل، توعدت طهران برد «قوي وهادف» على هذه الضربات التي وصفتها بـ»العدوانية»، مؤكدة أنها ستوسع نطاق أهدافها المشروعة لتشمل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة.
وردت إيران بإطلاق موجات من الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه مناطق متفرقة من إسرائيل، منها القدس المحتلة والجليل، مما دفع السلطات الإسرائيلية إلى تفعيل صافرات الإنذار وتحذير السكان للتوجه إلى الملاجئ. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 25 شخصاً في إسرائيل وفق البيانات الرسمية، فيما تسبب القصف الإسرائيلي بمقتل أكثر من 400 شخص وإصابة 3056 آخرين في إيران، معظمهم من المدنيين.
تدخل أميركي وتوعد إيراني
وتأتي هذه الضربات، بعد أن انضمت الولايات المتحدة إلى الحرب عبر شن ضربات جوية استخدمت فيها قنابل خارقة للتحصينات من طراز «جي بي يو-57»، مستهدفة مواقع فوردو وأصفهان ونطنز النووية، في ما أطلقت عليه واشنطن عملية «مطرقة منتصف الليل». وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن «الضربات دمرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل»، مشيرا إلى «ضرر هائل» ألحقته هذه الغارات بالمواقع المستهدفة، رغم تأكيد مسؤولين أميركيين أن التقييم الدقيق للأضرار لا يزال جاريا.
هذا التصعيد الأميركي أثار ردود فعل غاضبة من طهران، التي توعدت بضرب القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، معتبرة أنها باتت أهدافا مشروعة، وهو ما أكده مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي أكبر ولايتي، مهدداً بأن «لا مكان بعد اليوم للولايات المتحدة في المنطقة».
في غضون ذلك، عبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها البالغ، مطالبة بالسماح لمفتشيها بالوصول العاجل إلى المواقع النووية لتقييم الأضرار، خاصة في منشأة فوردو حيث كشفت صور الأقمار الصناعية عن تغير كبير في تضاريس الأرض. وأكد المدير العام للوكالة رافائيل غروسي أن إيران أبلغت باتخاذ تدابير خاصة لحماية المعدات والمواد النووية، في حين لم يتم رصد تسربات إشعاعية حتى الآن.
وحذر غروسي من أن تصاعد الضربات العسكرية على المنشآت النووية «قد يؤدي إلى انهيار نظام منع الانتشار النووي العالمي كما نعرفه».
دعوات دولية لوقف التصعيد
وسط هذا التصعيد، تتواصل دعوات التهدئة، حيث دعت الصين، على لسان متحدث وزارة خارجيتها، المجتمع الدولي إلى بذل الجهود لمنع امتداد النزاع وتأثيره على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن مضيق هرمز، الذي هددت إيران بإغلاقه، يمثل ممرا حيوياً لنحو 20% من النفط العالمي. كما طالبت روسيا بوقف فوري للتصعيد، ونددت بالضربات الأميركية «غير المسؤولة»، فيما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من المخاطر التي تهدد أسواق الطاقة العالمية.
ألمانيا، من جهتها، دعت طهران للعودة العاجلة إلى طاولة المفاوضات، معربة عن اعتقادها بأن أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني تعرضت لأضرار جسيمة. ودعت فرنسا إلى استئناف المحادثات الدبلوماسية، مشددة على ضرورة تجنب «تصعيد لا يمكن السيطرة عليه».
أما الدول العربية، فقد أعربت عن قلقها البالغ، حيث نددت السعودية، قطر، الإمارات، سلطنة عمان، ومصر بالضربات الأميركية، محذرة من تداعياتها على استقرار المنطقة، وداعية لضبط النفس والعودة إلى المفاوضات.
الولايات المتحدة تصدر تحذيرا للأمريكيين وفرنسا تنشر طائرة عسكرية لإجلاء رعاياها
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تحذيراً أمنياً عالمياً، ناصحة المواطنين الأميركيين بتوخي أقصى درجات الحذر، وسط مخاوف من استهدافهم في الخارج. كما خفّضت البعثة الأميركية في العراق عدد موظفيها، وأمرت بمغادرة عائلات الدبلوماسيين في لبنان.
وجاء في التحذير الأمني الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية «أدى النزاع بين إسرائيل وإيران إلى اضطرابات في حركة السفر وإغلاق دوري للمجالات الجوية في منطقة الشرق الأوسط. وهناك احتمال لاندلاع تظاهرات ضد المواطنين والمصالح الأميركية في الخارج».
ونصحت الخارجية «المواطنين الأميركيين في كل أنحاء العالم بتوخي المزيد من الحذر»
ولم يشر البيان إلى تدخل الولايات المتحدة في النزاع من خلال قصفها منشآت نووية في إيران، وهي خطوة اعتبرت طهران أن عواقبها يتعذر إصلاحها.
وهددت إيران الأحد القواعد الأميركية في الشرق الأوسط من هجمات انتقامية ردا على الضربات الجوية غير المسبوقة .
بدورها، أعلنت فرنسا أنها سترسل طائرة عسكرية من طراز «آيه 400 ام» إلى إسرائيل لإجلاء مواطنيها الراغبين بالمغادرة، وفق بيان لوزارتي الخارجية والدفاع الأحد.
وقالت الوزارتان الفرنسيتان إن الرحلات «من مطار بن غوريون في إسرائيل إلى قبرص» ستنطلق بعد الحصول على الموافقة الإسرائيلية، وستشكل دعما للرحلات المدنية العاملة حاليا من عمان.
واتخذ هذا القرار خلال اجتماع لمجلس الدفاع والأمن الوطني عقد الأحد في قصر الاليزيه بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون.
ويوجد في إسرائيل نحو 250 ألف مواطن فرنسي، بينهم 100 ألف على قوائم القنصليات.
وردا على استفسار من وكالة فرانس برس، أشارت وزارة الدفاع إلى أن عدد الرحلات الجوية سيعدل «وفقا للاحتياجات». وتتسع طائرة «آيه 400 ام» لنحو مئة راكب.
وتلقى فريق الأزمة بوزارة الخارجية أكثر من 4,500 مكالمة هاتفية خلال الأسبوع الماضي.
والأحد أعيد 160 فرنسيا، معظمهم من الفئات الأكثر ضعفا، إلى باريس من الأردن، حيث كان وزير الخارجية جان نويل بارو في استقبالهم في مطار باريس أورلي.
أزمة إنسانية متفاقمة وتحذيرات أممية
وقد خلفت الحرب حتى الآن أكثر من 400 قتيل و3056 جريحاً في إيران، معظمهم من المدنيين، وفقا للأرقام الرسمية ، فيما قتل 25 إسرائيلياً جراء الضربات الصاروخية الإيرانية. كما أغلقت مجالات جوية وتوقفت حركة الملاحة في عدة مناطق، ما ينذر بأزمة إنسانية واقتصادية خانقة.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «دوامة لا متناهية من الردود الانتقامية»، داعيا إلى وقف فوري للتصعيد، وقال غوتيريش خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي «لقد أدنت مرارا أي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط. لا يمكن لشعوب المنطقة أن تتحمل دورة أخرى من الدمار. ومع ذلك، فإننا نخاطر بالوقوع في دوامة لامتناهية من الردود الانتقامية».
كما أعرب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي عن قلقه إزاء خطر «توسع النزاع»، داعيا إلى «أقصى درجات ضبط النفس».
وقال غروسي في مداخلة عبر الفيديو أمام المجلس «لدينا فرصة سانحة للعودة إلى الحوار والدبلوماسية. إذا أ غلقت هذه الفرصة، فقد يصل العنف والدمار إلى مستويات لا تصدق، وقد يتفتت وينهار نظام منع الانتشار النووي كما نعرفه».
تشير جميع المؤشرات إلى أن الأزمة تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ظل تمسك كل طرف بمواقفه وتصعيد تصريحاته. وتبقى المخاوف الأكبر من توسع رقعة الحرب إلى باقي دول المنطقة، أو إغلاق مضيق هرمز، ما سيهدد إمدادات النفط العالمية بشكل غير مسبوق.
وبينما تتحدث إسرائيل والولايات المتحدة عن «نجاح العمليات العسكرية»، تصر طهران على أن برنامجها النووي لم يتعرض لضربة قاضية، وأن لديها القدرة على مواصلة تخصيب اليورانيوم، ما يعني أن شبح العودة إلى المربع الأول ما يزال قائماً.