كلفة ثقيلة لتباطؤ الحكومة في إصلاح القطاع رغم مرور 5 سنوات على الخطاب الملكي
رغم مرور أكثر من خمس سنوات على خطاب العرش ل 29 يوليوز 2020، والذي ألح فيه جلالة الملك على ضرورة الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للمؤسسات والمقاولات العمومية، ما زال هذا الورش الاستراتيجي يراوح مكانه في دوائر البطء والتردد، في وقت كان يفترض أن يشكل قاطرة لتحسين الحكامة العمومية وترشيد المالية العامة. فالتقرير المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026 يؤكد بوضوح أن وتيرة التنزيل لا تزال دون المستوى المطلوب، والحكومة تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في هذا التباطؤ الذي يكلف الخزينة ملايير الدراهم سنويا في شكل تحويلات ودعم مباشر لمؤسسات لا تحقق المردودية المنتظرة.
ويشير التقرير إلى أن عدد المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 267 هيئة، تمتلك الدولة من خلالها أزيد من 530 شركة تابعة، ما يجعل المحفظة العمومية الضخمة واحدة من أكثر البنى المؤسسية تكلفة وأقلها مردودية. ورغم كل الخطابات الداعية إلى ترشيد هذا الجهاز الواسع، ما زالت عمليات الإصلاح تراوح مكانها، إذ تشمل البرامج الجارية لإعادة الهيكلة 73 مؤسسة ومقاولة عمومية، منها 64 في طور الدراسة والمشاورات، وسبع مؤسسات فقط بلغت مرحلة متقدمة من التفعيل، وهو ما يعكس حجم البطء في تنفيذ هذا الورش الذي اعتبره الخطاب الملكي أحد مفاتيح تحديث الدولة وتعزيز نجاعة الإنفاق العام. ويورد التقرير أن هذا البطء لا يقتصر على مساطر الإصلاح الإداري، بل يمتد إلى عدم التوازن بين ما تتحمله الدولة من أعباء مالية وما تحققه هذه المؤسسات من عوائد. ففي سنة 2024 بلغت التحويلات المالية من الميزانية العامة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية حوالي 61 مليار درهم، خصصت 58 في المائة منها لتغطية تكاليف الاستغلال و29 في المائة للاستثمار و13 في المائة كمخصصات رأسمال. وتُظهر التوقعات أن هذه التحويلات سترتفع إلى 84,2 مليار درهم سنة 2025، أي بزيادة تفوق 38 في المائة، في وقت لم تسجل فيه المؤشرات الاقتصادية لهذه المؤسسات تحسناً يُوازي حجم هذا الإنفاق.
وفي المقابل، بلغ رقم المعاملات المجمع لهذه الهيئات نحو 364 مليار درهم سنة 2024، نصفه تقريباً تحققه مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لوحدها، التي حققت معاملات بقيمة 96,9 مليار درهم، مقابل 91,2 مليار درهم سنة 2023، بفضل ارتفاع صادرات الأسمدة. أما باقي المؤسسات، مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والمكتب الوطني للمطارات، وصندوق الإيداع والتدبير، ومجموعة العمران، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، فتبقى بعيدة عن تحقيق مردودية تمكّنها من الاستغناء عن الدعم العمومي، رغم الموارد الضخمة الموضوعة رهن إشارتها.
وبحسب التقرير، بلغت تكاليف الاستغلال دون احتساب المخصصات ما يقارب 297 مليار درهم سنة 2024، بارتفاع نسبته 6 في المائة مقارنة بسنة 2023، وهي زيادة ترتبط في معظمها بتوسع كلفة التسيير داخل مؤسسات كالمحافظة العقارية ومجموعة العمران ومجموعة طنجة المتوسط وصندوق الإيداع والتدبير. أما على مستوى النتائج الصافية، فقد انتقلت من 9,2 مليارات درهم سنة 2023 إلى 23,4 مليار درهم سنة 2024 قبل أن يُتوقع تراجعها إلى 18,4 مليار درهم سنة 2025، وهو منحى يعكس هشاشة الأداء المالي وضعف استدامته، إذ يعتمد أساساً على أداء ظرفي لعدد محدود من المؤسسات الكبرى.
وعلى صعيد الاستثمارات، أنجزت المؤسسات والمقاولات العمومية خلال سنة 2024 مشاريع بقيمة 101,4 مليار درهم، بزيادة 25 في المائة مقارنة بسنة 2023، ويتوقع أن تصل هذه الاستثمارات إلى 152,5 مليار درهم سنة 2025. غير أن التقرير يلاحظ أن هذا الجهد الاستثماري لا يترجم تحسناً في النجاعة الاقتصادية أو في جودة الخدمات، لأن أغلبه يتركز في قطاعات البنيات التحتية والطاقة والنقل، التي تستحوذ عليها مؤسسات مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء، والوكالة الوطنية للموانئ، والشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، بينما تظل القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم في مرتبة ثانوية ضمن خارطة الاستثمارات العمومية.
ويؤكد التقرير أن الدولة لا تسترجع سوى جزء يسير مما تضخه في هذه المؤسسات، إذ بلغت الموارد المحولة من طرفها إلى الميزانية العامة دون احتساب عائدات الخوصصة حوالي 16 مليار درهم سنة 2024، أي ما يعادل ربع المبالغ التي تلقتها في شكل دعم مباشر، مع توقع بلوغ هذه الموارد 19,5 مليار درهم سنة 2025، وهو ما يعمق الفجوة بين الكلفة والعائد.
ويشير التقرير كذلك إلى استمرار مظاهر التداخل والازدواجية في المهام، خصوصاً داخل القطاعات الطاقية والعمرانية، حيث تتقاطع اختصاصات المكتب الوطني للكهرباء والماء مع الوكالة المغربية للطاقة المستدامة والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، كما تتعدد الهيئات المتدخلة في مجال التعمير والإسكان بين الوكالات الحضرية ومجموعة العمران والمصالح الجهوية، ما يجعل التنسيق المؤسساتي غائبا ويؤدي إلى تضخم النفقات دون أثر ميداني ملموس.

