تخبط حكومي وارتفاع الأسعار: هل يكفي قرار منع ذبح الإناث لإيقاف الأزمة؟

 

في خطوة متأخرة لا تعكس سوى التخبط الحكومي في مواجهة أزمة اللحوم الحمراء، أعلنت وزارتا الداخلية والفلاحة عن قرار يمنع ذبح إناث الأغنام والماعز ابتداءً من 19 مارس 2025 وحتى نهاية مارس 2026. القرار الذي تم تقديمه كإجراء لحماية الثروة الحيوانية والحد من المضاربة، لا يبدو سوى محاولة يائسة أخرى تعكس فشل السياسات الحكومية في ضبط السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين. أزمة اللحوم التي تتفاقم يومًا بعد يوم ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات من التدبير المرتبك، حيث يكشف الواقع أن السياسات المعلنة لم تكن سوى مسكنات ظرفية أمام تراجع أعداد القطعان بنسبة 38% مقارنة بسنة 2016، واستمرار المضاربة التي تستنزف جيوب المغاربة، في وقت يتم فيه ذبح ما يقارب 1500 خروفة يوميًا في الدار البيضاء وحدها، وفق إفادة هشام الجوابري، الكاتب العام الجهوي لفيدرالية منتجي اللحوم الحمراء بجهة الدار البيضاء-سطات.
في العام الماضي، قامت الحكومة باستيراد أكثر من 100 ألف رأس من الأغنام، مرفوقة بإعفاءات ضريبية ودعم مالي بلغ 500 درهم لكل رأس، غير أن الأسعار واصلت تحليقها الجنوني، ليجد المواطن نفسه رهينة لوبيات المضاربة التي راكمت أرباحًا خيالية في ظل غياب رقابة حقيقية. وقد كان من المفترض أن يؤدي هذا الإجراء إلى خفض الأسعار، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث ارتفعت أسعار الأضاحي بنسبة غير مسبوقة، ما يطرح علامات استفهام حول مصير الملايين من الدراهم التي ضُخت لإنقاذ قطاع يزداد اختلالًا عامًا بعد عام.
المتتبع للشأن الفلاحي في المغرب لا يحتاج إلى كبير عناء ليدرك أن أزمة اللحوم الحمراء ليست سوى وجه من أوجه فشل “مخطط المغرب الأخضر”، الذي رغم ضخ مليارات الدراهم في خزائنه، لم يفلح في تحقيق الاستقرار الغذائي، ولم يضمن للمواطن حقه في الحصول على لحوم بأسعار معقولة. ففي ظرف ثلاث سنوات فقط، ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 20%، واستمرت هيمنة المضاربين على السوق، فيما ظل صغار المربين يعانون تحت وطأة سياسات لا تخدم سوى كبار المستثمرين الذين يجدون في الأزمات فرصة لتعظيم الأرباح.
قرار منع ذبح إناث الأغنام، وإن بدا للوهلة الأولى خطوة ضرورية للحفاظ على القطيع، فإنه في جوهره ليس سوى محاولة لاحتواء أزمة متفاقمة دون معالجة أسبابها الحقيقية. فالسوق لا يحتاج إلى مزيد من القرارات الظرفية، بل إلى إصلاح عميق يعيد هيكلة القطاع وفق رؤية عادلة تضمن توزيع الدعم المباشر على المربين بدل تركه فريسة سهلة للوسطاء، وتشدد الرقابة على المجازر والأسواق، وتضع حدًا لفوضى توزيع الأعلاف، مع ضمان شفافية أكبر في تدبير التمويلات الموجهة لهذا المجال الحيوي. إن الرهان الحقيقي ليس فقط في منع ذبح إناث الأغنام، بل في كسر حلقة الاحتكار والمضاربة، وتحرير القطاع من براثن الفساد الذي حوّله إلى ساحة مفتوحة للمضاربين، بينما المواطن البسيط يجد نفسه مضطرًا لتحمل فاتورة سوء التدبير الحكومي، في انتظار حلول تتجاوز منطق الترقعات المؤقتة إلى إصلاح شامل يعيد الاعتبار للأمن الغذائي والسيادة الوطنية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 22/03/2025