«التجارة غير المنظمة «تعيث في «قلب» البيضاء فوضى وعشوائية!
هي أسباب هذه الفوضى ؟ « .. سؤال يطرحه كل زائر لـ»سونتر فيل» ، هذه الأيام ، جراء استفحال «التجارة غير المهيكلة» ذات التداعيات المتعددة الأوجه : اقتصاديا ، بيئيا وسياحيا …
ساحة الأمم المتحدة، شارع محمد الخامس، شارع الحسن الثاني ومحج الأمير مولاي عبد لله.. فضاءات أصبحت عنوانا ل “ اللانظام” ، حيث استغل المعنيون، إضافة إلى الشوارع والممرات الضيقة، مداخل بعض المؤسسات والعمارات لدرجة يصعب على القاطنين بها أو العاملين ، الولوج إليها بسلاسة .
باعة جائلون، فرّاشة، أصحاب عربات مجرورة، “حلايقية”… يملؤون المكان ، عدد منهم يتصايحون دون مبالاة بالمارة والسكان والسياح الوافدين على العاصمة الاقتصادية. أكثر من ذلك هناك من يمتهن بيع “ الأدوية الطبيعية» ، حسب ادعائه ، بعيدا عن أعين المراقبة الصحية ؟ .
يحدث هذا في الوقت الذي يتم تحديث مجموعة من المرافق العمومية بالدار البيضاء خاصة بمركز المدينة، حيث يتم إنشاء مجموعة من المشاريع الكبرى التي ستزيد من جمالية المكان، منها المسرح الكبير الذي تشرف أشغاله على الانتهاء في أفق فتح أبوابه، إصلاح كاتدرائية «القلب المقدس» ، وإعادة تأهيل حديقة الجامعة العربية و “لاكازابلانكيز” وفضاء “نيفادا.”.. .
بنايات تاريخية، مؤسسات بنكية ، مكتبات، عيادات أطباء، فنادق فخمة، مكاتب محامين، مقرات شركات، محلات تجارية، مقاهي ومطاعم،… كل هذا تحاصره الفوضى والعشوائية ومظاهر اللاتمدن …
حتى مسار الترامواي لم يسلم من العرقلة ، حيث يضطر غالبا للتوقف بعد تجاوز محطة “السوق المركزي” إلى أن يتجاوز محطة “الأمم المتحدة”…
سلوكات بعض الباعة هي الأخرى لا تكون سليمة دائما، فترى الواحد منهم يبدي عنفه من حين لآخر سواء تجاه زميله في «المهنة « بحيث يرفض اقترابه من «منطقته»، أو يصدر العنف بعراك مع زبون أو أحد المارة… في مشاهد يختلط فيها الحابل بالنابل .
باعة : لابديل لدينا
يقول «حسن .ب»، بائع جائل، “ليس لنا مصدر رزق غير مهنة التجارة عبر التجول، أنا مستعد للتخلي عن هذه الحرفة المتعبة حين أحصل على عمل محترم بمدخول بسيط يكفيني للعيش مستورا. لقد جرّبت العمل في عدة شركات ومعامل، لكنني لم أستطع الاستمرار بسبب عدم تقبلي إهانة كرامتي من قبل عدد من المشغلين”. وشدد حسن على أنه يفضل عملا فرديا متعبا على أن تمس كرامته، على حد قوله.
من جهته، محمد .س (يشتغل بعربة صغيرة للفشار) يصرح «نحن مكرهون على هذا العمل المتعب والمليء بالمخاطر، يكفي أننا دائما مطاردون من طرف القوات العمومية، كما قد نتعرض لسرقة سلعتنا من قبل بعض اللصوص ، وكثيرا ما ندخل في ملاسنات مع بعض أصحاب المحلات التجارية بمبرر أننا نشوش عليهم ، لكن لا بديل لدينا «.
في نفس الاتجاه، أوضح «عبد الجليل .ش»، فراش، أنه رغم ما يحدق بهذه «المهنة» من إكراهات ، خاصة في مركز المدينة، إلا أن اكتظاظ المكان بالناس يمكن من توفير دخل يسد حاجاته الأولية .
تجار : نواجه مصيرا مجهولا
من جهتهم، عبًّر عدد من أصحاب المحلات التجارية بالمنطقة عن استيائهم واستغاثتهم بالسلطات. وقال «خالد .و» (مالك لمحل تجاري) : “تراجع دخل جميع المحلات التجارية الموجودة في المنطقة بسبب التجارة العشوائية، علما بأن ممتهني هذه “التجارة” لا يراهنون على خسائر مثلنا (أصحاب المحلات)، فهم لا يؤدون الضرائب ولا فواتير الماء والكهرباء، ولا يتبعهم أجر العمال المساعدين. كل ما نفعله الآن هو الاستغاثة والتفرج على الفوضى”. وتابع حديثه : “لقد قمنا بوقفات احتجاجية والإضراب ضدا على تنامي البيع غير المنظم أمام محلاتنا، فتعمل السلطات على إجلائهم، لكن سرعان ما يعود الأمر إلى ما هو عليه، وقد راسلنا مختلف الجهات المسؤولة من أجل إيجاد حل لهذا الوضع غير السليم ، ومازلنا ننتظر تدخلا ناجعا يعيد الأمور إلى نصابها “.
« عبد الصمد .ق»، عزز نفس الكلام مشخصا الوضع أكثر بالقول : «نراكم الخسائر يوما بعد يوم، إلى درجة أن صديقا لي أصبح على حافة الإفلاس وقد يقفل محله في الأيام القادمة سعيا إلى فتح محل تجاري بمنطقة أخرى، وهو ما سيضطر معه للانتظار أشهرا أخرى مراهنا على نجاح المشروع أو فشله. أما بالنسبة لي، لا أخفيكم أنني سأحذو حذوه ‘إذا بقي الحال على ما هو عليه، قبل أن أصل مرحلة الخسارة التي وصلها صديقي”.
وزاد «عمر .ف»، مدعما حديث زميله بغير قليل من المرارة: «منا من يفكر في إقفال المحل ووضع ‹فراشة› على الرصيف مثلهم”، يشير إلى الفراشة قبالته بأصبعه. مضيفا “ نطالب بالتدخل العاجل من لدن السلطات المحلية لوضع حد لهذه الوضعية … نحن لسنا ضد ارتزاق أي كان، لكن شريطة ألا نتعرض للأذى والضرر “.
معاناة السكان وتذمر أطباء ومحامين ..
من جانبهم، عبر بعض سكان المنطقة عن معاناتهم التي تحولت إلى تعب يقتضي التأقلم معه أو الرحيل من المكان.
تقول «نجاة .ب» (قاطنة بإحدى عمارات شارع محمد الخامس) «لقد أصبحنا غرباء وسط منازلنا، والأفظع أننا أصبحنا نستأذن عندما نرغب في ولوج منازلنا، ونطلب ممن يملأ باب العمارة السماح لنا بالدخول، مع العلم أننا نواجه أحيانا بعنف لفظي . لم نعد ننعم بالراحة وسط منازلنا فما بالك في الشارع».
وأضاف «عادل .م « (طالب يسكن بعمارة بشارع محمد الخامس) « الضجيج والصراخ العشوائي المصيب بأقصى درجات الصداع يبدأ أحيانا بشكل مبكر، ويبقى مستمرا بلا انقطاع إلى أن تغيب الشمس بساعات ، بعد ذلك يدخل المنحرفون والمتسكعون على خط الإزعاج حتى الساعات الأولى من الصباح». وتساءل عادل باستياء “فأي راحة ونوم سننعم بهما وسط جو كهذا، وأي تركيز وتحصيل دراسي يمكن الوصول إليه وسط صخب كهذا؟».
وأفاد طبيب يملك عيادة بالمنطقة، بأن «الفوضى لم تعد حكرا على الباعة المتنقلين، بل طالت حتى بعض المتاجرين في الأدوية الطبيعية – كما يدعون – وهو ما يُحوِّل الأمر إلى أزمة تتجاوز فوضى المكان إلى خطر يهدد صحة وسلامة المواطنين. يجب اتخاذ إجراء مناسب ومسرع تجاه الوضع قبل أن يؤدي لا قدر الله إلى مشكلة أكبر من فوضى المكان” يختم الطبيب تصريحه.
وقال محام يتواجد مكتبه بقلب المدينة : «لم يعد المكان بالقيمة التي من المفترض أن يكون عليها، وعلى السلطات المحلية اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل استفحال الوضع. ولا ننسى أنه كلما زادت مدة التهاون كلما صعب اتخاذ التدابير المناسبة للحد من الفوضى».
وتابع قائلا « «جمالية المكان وقيمته لا ينبغي التقاعس حيالهما، فاستفحال الوضع قد يؤدي إلى نقص عدد السياح الذين يقصدون مدينة الدار البيضاء بدل العمل على مضاعفة أعدادهم».
هي ، إذن، وضعية غير سليمة يتداخل في تشابكها الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي ، البيئي ، السياحي .. تحتاج إلى حلول ناجعة ومستعجلة من قبل مختلف السلطات المسؤولة ، بعيدا عن التماطل أو الحملات الموسمية أو تقاذف “كرة” المسؤولية من “ملعب “ لآخر.
«* صحافي متدرب»