خلال أشغال الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة مكناس، المنعقدة يوم 17 دجنبر 2025، والمخصّصة لمناقشة إعادة تفويض تدبير قطاع النظافة، أثار المستشار الجماعي عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الدكتور محمد قدوري، جملة من المعطيات الدقيقة التي أعادت إلى الواجهة واحدًا من أكثر القطاعات استنزافًا للمالية الجماعية، وأقلها أثرا على جودة الخدمات بالمدينة.
فقد ذكّر الدكتور القدوري، بالأرقام والوقائع، بحجم النزيف المالي الذي رافق هذا القطاع منذ سنة 2001، والذي فاق 1,6 مليار درهم، دون أن يوازيه أي تحسن ملموس لا على مستوى نظافة المدينة، ولا على مستوى ظروف عمل عمال النظافة. كما نبّه إلى خطورة التسرّع في المصادقة على عقد جديد يمتد لسبع سنوات، في غياب تقييم قبلي موضوعي للتجربة السابقة، وبوثائق منقوصة لا تتيح للمجلس ممارسة رقابته كما يفرض القانون.
واعتبر المستشار الاتحادي أن الإصرار على هذا المسار لا يعدو أن يكون إعادة إنتاج لفشل معروف النتائج، أشبه بـ « عرض فيلم قديم فقد كل نسبة مشاهدة «، محملا المجلس مسؤولية سياسية وتاريخية في حال المصادقة على عقد جديد دون القطع مع اختلالات الماضي.
غير أن هذه المداخلة، التي عرّت بالأرقام حجم الميزانيات المصروفة في غياب تتبع ومراقبة حقيقيين، لم تجد طريقها إلى نقاش موضوعي داخل المجلس. إذ اختار رئيس المجلس، بدل التفاعل مع المعطيات المقدَّمة، أسلوب المناورة واللعب بالأرقام، وصناعة رواية موازية لا صلة لها بالوقائع المعروضة، قبل أن ينزلق النقاش إلى مستوى غير مقبول، حين وجّه عبارة مستفزّة لممثل حزبنا مفادها:
« إن الاتحاد الاشتراكي أكبر من أن تنتمي إليه « .
وقد جاء رد الدكتور محمد قدوري في منتهى الرقي الأخلاقي والسياسي، معبرا عن عمق انتمائه الاتحادي، حين قال:
« إذا كنتم تعتبرون الانتماء للاتحاد الاشتراكي امتحان قبول صعب، فأطمئنكم… لقد اجتزته منذ زمن، وبنجاح ولا يحتاج إلى شهادة مصادقة «.
إن جريدتنا، التي تتابع عن كثب ما تعيشه مدينة مكناس من أعطاب متراكمة في التدبير الجماعي، ترى أن ما وقع داخل هذه الدورة لا يمكن فصله عن سياق عام يتسم بتعثر المشاريع، وتراجع جودة الخدمات، وغياب رؤية تنموية واضحة تستجيب لانتظارات الساكنة. وهو ما يتم التغطية عليه، في كثير من الأحيان، بالركوب السياسي على مشاريع تنجَز من طرف مؤسسات أخرى، من قبيل المشروع الملكي لتأهيل المدينة العتيقة، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتهيئة بعض المحاور الطرقية التي يشرف عليها مجلس جهة فاس–مكناس، أو مشاريع وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير، أو مشروع محطة القطار العصرية التي يشرف عليها المكتب الوطني للسكك الحديدية.
الأخطر في هذا المسار، ليس فقط غياب الإنجاز، بل محاولة تحويل فشل التدبير إلى معارك جانبية، يكون هدفها إلهاء الرأي العام، واستهداف الأصوات الجريئة التي تمارس دورها الرقابي داخل المجلس الجماعي.
وفي هذا السياق، لا يمكن فهم هذه التصريحات التي طالت ممثل حزبنا إلا باعتبارها تعبيرا عن ضيق واضح بكل صوت اختار ممارسة حقه الدستوري في المراقبة والاقتراح، وفق ما يتيحه القانون التنظيمي للجماعات، وبما ينسجم مع قيم العمل السياسي النزيه والمسؤول.
إن مؤسسات الجماعات الترابية ليست فضاءات لتصفية الحسابات السياسية، ولا منصّات للتقليل من رمزية الأحزاب. فموقع رئاسة المجلس يفرض الحياد، واحترام التعددية السياسية، والتعامل المتكافئ مع جميع مكونات المجلس، أغلبية ومعارضة. وأي خروج عن هذا المبدأ يعد مسّا بروح العمل الديمقراطي، وإفراغا للمؤسسة المنتخبة من دورها التمثيلي الجامع.
والدكتور محمد قدوري، بصفته مستشارًا جماعيًا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليس حالة طارئة ولا معزولة. إنه منتخب معروف باستقامته ووضوح مواقفه، وبانحيازه الدائم لقضايا المواطنات والمواطنين. وهو طبيب اختار، عن وعي ومسؤولية، أن يخصص جزءا مهما من وقته لخدمة الشأن العام، دون امتيازات أو حسابات ضيقة، واضعا السياسة في معناها النبيل أي خدمة الصالح العام.
إن استهداف هذا النموذج من المنتخبين يعكس أزمة تدبير حقيقية، وأزمة في تقبّل الرأي المخالف، خاصة حين يكون هذا الرأي مسنودا بشرعية انتخابية وموقف سياسي واضح.
وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي راكم تاريخا نضاليًا طويلا في الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يعتبر أن الدكتور القدوري هو نتاج طبيعي لهذا المسار، وقد حظي بثقة مناضلات ومناضلي الحزب، وتزكية قيادته، وثقة ساكنة مكناس خلال استحقاقات شتنبر 2021، وهي ثقة ما يزال يترجمها ميدانيًا من داخل المجلس الجماعي.
إن مكناس اليوم في حاجة إلى نقاش جدي ومسؤول حول سبل إنقاذها من منطق الارتجال وضعف الحكامة، لا إلى خلق خصومات وهمية أو إسكات الأصوات الصادقة.
فالتاريخ لا يرحم، والمواطن المكناسي أصبح أكثر وعيًا بمن يخدم المدينة بإخلاص، ومن يوظفها لأغراض أخرى.
تدبير قطاع النظافة بمكناس: بين النزيف المالي ومحاولة إسكات الصوت الرقابي
الكاتب : يوسف بلحوجي
بتاريخ : 22/12/2025


