بينما كان الاقتصاد المغربي يسير بخطى حذرة نحو استعادة توازنه بعد الاضطرابات الأخيرة في التجارة العالمية، حمل مطلع عام 2025 مؤشرات مقلقة على مستوى المبادلات الخارجية. فقد أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الصرف تراجعا في الصادرات بنسبة 2.4%، أي ما يعادل خسارة 886 مليون درهم، لتستقر عند 35.359 مليار درهم مقارنة بـ 36.245 مليار درهم في يناير 2024. في المقابل، شهدت الواردات ارتفاعا بنسبة 3.4%، ما أدى إلى زيادة الفاتورة الإجمالية إلى 59.844 مليار درهم، بزيادة قدرها 1.990 مليار درهم عن العام السابق، وهو ما فاقم عجز الميزان التجاري بنسبة 13.3% ليصل إلى 24.485 مليار درهم مقابل 21.609 مليار درهم قبل عام، متسببًا في فقدان 3.5 نقاط في معدل تغطية الواردات بالصادرات الذي انخفض إلى 59.1% بعدما كان في حدود 62.6% خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية.
ولا يقتصر الأمر على هذا الخلل، إذ إن طبيعة الواردات التي سجلت ارتفاعا ملحوظا تكشف عن اختلالات بنيوية عميقة. فقد زادت الفاتورة الغذائية بفعل تضاعف واردات الذرة التي قفزت بنسبة 92.4%، أي بزيادة 333 مليون درهم، وارتفاع واردات الحيوانات الحية (الأغنام والأبقار) إلى 449 مليون درهم بعدما لم تكن تتجاوز 124 مليون درهم العام الماضي، فيما شهدت واردات زيت النخيل ارتفاعا بحوالي 86 مليون درهم، وزيت الزيتون بزيادة قدرها 79 مليون درهم. وفي مقابل هذا الارتفاع، تراجعت واردات القمح بنسبة 47%، أي بانخفاض بلغ 1.033 مليار درهم، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لكبح جماح التضخم في الفاتورة الغذائية.
أما على مستوى المنتجات المصنعة، فقد ارتفعت الواردات من المنتجات النهائية الموجهة للاستهلاك بنسبة 6.4% (+767 مليون درهم)، بينما سجلت المعدات والآلات الصناعية زيادة بنسبة 10.8%، أي بارتفاع قدره 1.383 مليار درهم، مدفوعة بزيادة الواردات من الطائرات والمركبات الفضائية بقيمة 250 مليون درهم، وأجهزة التصفية والتنقية بزيادة 240 مليون درهم، فضلًا عن ارتفاع الواردات من مواد البناء والتجهيز الصناعي، مما يبرز استمرار اعتماد المغرب على استيراد التكنولوجيا والمعدات الأساسية.
وفي المقابل، تعرضت بعض القطاعات التصديرية الحيوية لضغوط كبيرة، إذ تراجعت صادرات قطاع السيارات بنسبة 10.9%، أي بخسارة بلغت 1.257 مليار درهم، مع انخفاض مبيعات السيارات المصنعة محليا بنسبة 36.2% (-1.545 مليار درهم). ولم يكن قطاع الفوسفاط ومشتقاته في منأى عن هذا التراجع، إذ انخفضت صادراته بنسبة 10.7%، أي بخسارة قدرها 673 مليون درهم، نتيجة انخفاض مبيعات الفوسفاط الخام (-249 مليون درهم) والأسمدة الطبيعية والكيميائية (-236 مليون درهم). أما الصادرات الفلاحية والصناعات الغذائية، فقد سجلت تراجعًا بنسبة 2.3%، حيث انخفضت صادرات الصناعات الغذائية بـ 310 ملايين درهم، في حين لم يعوض الارتفاع الطفيف في صادرات المنتجات الفلاحية (+118 مليون درهم) هذا التراجع.
ورغم هذه المؤشرات السلبية، سجل قطاع صناعة الطيران أداء جيدا بارتفاع صادراته بنسبة 14.2% (+278 مليون درهم)، كما ارتفعت صادرات النسيج والجلد بنسبة 5% (+180 مليون درهم)، بفضل نمو صادرات الملابس الجاهزة (+184 مليون درهم). غير أن هذه الزيادات لم تستطع تعويض التراجعات الحادة التي عرفتها باقي القطاعات.
وأمام هذا الوضع، بات من الضروري إعادة النظر في السياسات التجارية والاقتصادية للمغرب. فالرفع من مستوى التصنيع المحلي، وتعزيز القيمة المضافة للمنتجات الوطنية، وتطوير الصناعات التصديرية، كلها عوامل أساسية للحد من العجز التجاري وتقليل التبعية للواردات. كما أن تعزيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ذات القدرة التنافسية العالية، مثل الطاقات المتجددة والصناعات التكنولوجية، قد يمثل رافعة أساسية لتحقيق التوازن المطلوب. وإلا، فإن النزيف التجاري سيظل مستمرا، مما يزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني أمام التقلبات الخارجية، ويجعل تحقيق الاستقلالية الاقتصادية هدفا بعيد المنال.
تراجع الصادرات بـ 886 مليون درهم.. وتفاقم العجز التجاري بـ 24.5 مليار درهم

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 05/03/2025