تبدو توجهات الرئيس الاميركي دونالد ترامب المناهضة جدا للهجرة، ابعد ما تكون عن مضمون القصيدة التي نقشت على قاعدة تمثال الحرية الذي ينتصب في نيويورك لاستقبال المهاجرين المعذبين الهاربين من الظلمات في بلدانهم سعيا وراء بلد الحلم.
القصيدة التي كتبتها الشاعرة الاميركية ايما لازاروس عام 1883 تتكلم باسم تمثال الحرية الذي يخاطب المهاجرين الواصلين بحرا الى نيويورك قائلا «اعطوني جماهيركم المتعبة المثقلة المسكينة المتزاحمة، جماهيركم الهاجعة التي تتوق الى استنشاق نسيم الحرية، إلي بالبؤساء والتعساء والمتضايقين والم زدر ى بهم! أرسلوا إلي الم شر دين الذين تتقاذفهم العواصف والأنواء، ها أنا في استقبالهم رافعة مصباحي على مقربة من الباب الذهبي!».
ومن العودة الى الماضي يتبين ان توجهات ترامب ازاء المهاجرين تجد جذورا لها في صفحات سوداء تخللت تاريخ الهجرة الى الولايات المتحدة، حيث كانت تظهر مواقف مناهضة ورافضة لفئات معينة من المهاجرين.
وبخلاف اسلافه منذ عقود عدة سارع ترامب الى اطلاق المواقف المناهضة للهجرة فارضا قيودا على تأشيرات الدخول، من دون ان يخفي رغبته بطرد ملايين المهاجرين غير القانونيين. بالمقابل دعا الى جذب المهاجرين الاغنياء اصحاب المستويات العلمية العالية، وخصوصا من بين الاوروبيين البيض.
وتحركت قضية الهجرة في الولايات المتحدة مجددا عندما ندد ترامب الخميس الماضي خلال اجتماع عقد في البيت الابيض بالهجرة القادمة من «بلدان الحثالة» معتبرا انه من الافضل ان تستقبل الولايات المتحدة مهاجرين من النروج مثلا.
وتعتبر هذه المواقف متعارضة تماما مع المبادىء العامة التي يعتمدها بلد مثل الولايات المتحدة يفتخر بقدراته على استيعاب المهاجرين وادماجهم.
الا ان المؤرخين الذين نبشوا التاريخ الاميركي يؤكدون ان البلاد شهدت موجات عدة من المواقف المناهضة للهجرة، ونقاشات حادة حول جدوى البقاء كدولة هجرة.
تقول استاذة التاريخ في جامعة ميريلاند جولي غرين «من يتمعن بكامل التاريخ الاميركي يرى ان اكثر ما يميزه هو تطور النقاش حول الهجرة ليركز على اعراق المهاجرين».
ففي عام 1790 صدر قانون تجنيس كان الهدف منه منع السود من الحصول على الجنسية الاميركية. وفي عام 1798 صدر قانون جديد استهدف الفرنسيين، ثم قانون اخر عام 1875 منع دخول العمال الاسيويين. وفي عام 1924 اقر قانون استهدف سكان اوروبا الشرقية واوروبا الجنوبية حيث غالبية السكان من الكاثوليك واليهود.
يقول استاذ التاريخ في الجامعة الاميركية الان ليشتمان «ظهرت مشاعر قوية مناهضة للهجرة طيلة القرن التاسع عشر. وخلال مراحلة عدة من التاريخ الاميركي كان ينظر الى فئة معينة من المهاجرين على انها تشكل تهديدا للولايات المتحدة».
وقبل دونالد ترامب بنحو قرن جعل الرئيس الجمهوري وارن هاردينغ من موضوع الهجرة اساس حملته الانتخابية عام 1920.
فقد وصل الى البيت الابيض اثر انتعاش اقتصادي كبير تواصل لاربعين عاما تدفق خلاله 22 مليون مهاجر الى الولايات المتحدة. الا ان الاميركيين في تلك الفترة كانوا يتخوفون من ان تؤدي موجة الهجرة من اوروبا الشرقية واوروبا الجنوبية الى ادخال «اعراق متدنية» الى البلاد او ادخال روس من البلشفيك.
ويضيف ليشتمان «على غرار ترامب كان هاردينغ يقدم نفسه على انه رئيس +اميركا اولا+».
بعد ذلك عرفت البلاد ردات فعل مناهضة لفئات من المهاجرين لكنها كانت اقل حدة. فكان رفض للمكسيكيين خلال الثلاثينات، وحذر من الهجرة بشكل عام بعيد الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1965 الغي نظام الكوتا للمهاجرين لتشجيع هجرة الاشخاص الكفوئين ولم الشمل، فكانت النتيجة ان الهجرة الشرعية كانت تضخ مليون شخص سنويا، القسم الاكبر منهم من آسيا اضافة الى هجرة غير قانونية من المكسيك.
في عام 1986 شرع الرئيس الاميركي الجمهوري رونالد ريغان اوضاع 3،2 مليون مهاجر سري. وبعدها باربع سنوات اراد الرئيس جورج بوش تنويع اصل المهاجرين فادخل سياسة اليانصيب للحصول على الاقامة المعروفة بالبطاقة الخضراء.
الا ان المشاعر المناهضة للهجرة عادت بقوة مطلع الالفية الثالثة.
وبسبب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 استهدفت المشاعر المناهضة للمهاجرين المسلمين بشكل خاص.
كما شهدت هذه المرحلة تغيرات عميقة في بنية الاقتصاد قلبت اوضاع الكثير من مناطق البلاد وغيرت ديموغرافيتها، ما جعل البيض اقلية في الكثير من المناطق.
وامام 12 مليون مهاجر غير قانوني موجودين في البلاد سعى الرئيسان جورج بوش وباراك اوباما الى فرملة تدفق المهاجرين القادمين من الخارج، مع اعطاء فرص كثيرة لمنح الجنسية الاميركية للموجودين اصلا في البلاد.
الا ان المؤرخين يؤكدون ان احدا لم يجعل من الهجرة مسألة سياسية كما فعل ترامب خلال حملته الانتخابية مدغدغا مشاعر البيض الخائفين من التطورات الديموغرافية التي تشهدها البلاد.
ويضيف ليشتمان «لقد عمل على جذب اقلية لديها شعور قوي مناهض للهجرة. الا ان هذا الشعور ليس شعور الاكثرية».
اما غرين فقالت بهذا الصدد «من السهل اللعب على العواطف في هذا المجال».
غضب في افريقيا ازاء تصريحات ترامب
رد الافارقة بغضب واستياء الجمعة على تصريحات نقلتها وسائل الاعلام نسبت الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب وهاجم فيها دولا افريقية عدة وهايتي واصفا اياها بانها «حثالة».
وقالت إبا كالوندو المتحدثة باسم رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فقي لفرانس برس «هذا ليس جارحا فحسب، باعتقادي، للشعوب ذات الاصول الأفريقية في الولايات المتحدة، وإنما بالتأكيد للمواطنين الأفارقة كذلك».
واضافت «انه جارح اكثر بالنظر الى الحقيقة التاريخية لعدد الافارقة الذين وصلوا الى الولايات المتحدة كرقيق».
وتابعت «الامر ايضا مفاجىء جدا لان الولايات المتحدة تبقى مثالا ايجابيا جدا للطريقة التي يمكن ان تنبثق فيها أمة من الهجرة»، واصفة ما نقل عن ترامب بانه «تصريح يثير غضبا كبيرا ويتنافى تماما مع السلوكيات والممارسات المقبولة».
وغردت وزيرة خارجية بوتسوانا بيلونومي فنسون-مواتو ان ملاحظات ترامب شكلت «ضربة موجعة» للعلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والدول الافريقية.
واعلنت بوتسوانا الجمعة انها استدعت السفير الاميركي لديها لتعرب عن «استيائها» ازاء التصريحات «العنصرية» التي نسبت الى ترامب، وقالت الخارجية في بيان «نعتبر ان تصريحات الرئيس الاميركي الحالي غير مسؤولة وعنصرية الى حد بعيد».
واكدت حكومة هايتي في بيان الجمعة انها «تدين بشدة هذه التصريحات المشينة (…) وغير المقبولة لانها تعكس رؤية سطحية وعنصرية مغلوطة تماما».
واعتبرت انها «غير منسجمة مع العلاقات المتعددة التي نسجها تاريخ طويل من الصداقة والتعايش يوحد الشعبين في اقدم ديموقراطيتين» في القارة الاميركية.
وكتب بطل العالم السابق في العاب القوى برنار لاغا الذي يحمل الجنسية الاميركية منذ 2004 على تويتر «انا ابن قارة عريقة اسمها افريقيا وفخور بذلك. ان ارثي متجذر بعمق في جذوري الكينية. سيد ترامب، افريقيا ليست مكانا قذرا».
واذ عبروا عن استيائهم من الملياردير الذي بات رئيسا، تقاسم كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا لناطحات سحب حديثة او مشاهد رائعة عن بلدانهم.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت ان الملياردير الجمهوري استقبل في مكتبه عددا من اعضاء مجلس الشيوخ للبحث في مشروع يقترح الحد من لم الشمل العائلي. في المقابل سيسمح الاتفاق بتجنب طرد آلاف الشبان الذين وصلوا في سن الطفولة الى الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تذكرها ان ترامب سأل خلال المناقشات «لماذا يأتي كل هؤلاء الاشخاص القادمين من حثالة الدول الى هذا البلد؟».
ولمح الرئيس الاميركي الجمعة الى انه لم يستخدم العبارات المسيئة التي أثارت غضب الامم المتحدة ودفعتها الى وصف كلامه بأنه «عنصري». وكتب ان «اللهجة التي استخدمتها في الاجتماع كانت قاسية لكنني لم استخدم هذه الكلمات».
لكن السناتور الديموقراطي ديك دوربن اكد ان ترامب استخدم كلمة «حثالة» مرات عدة للاشارة الى بعض الدول خلال اجتماع الخميس في البيت الابيض محوره ملف الهجرة.
من جهته، قال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة روبرت كولفيل خلال مؤتمر صحافي في جنيف «اذا تاكد ذلك، فانها تعليقات صادمة ومعيبة من جانب رئيس الولايات المتحدة. آسف، ولكن لا كلمة اخرى (لوصف ما قاله ترامب) سوى +عنصرية+».
وكتب الغاني ادمون برايم ساربونغ على موقع فيسبوك «سيد ترامب، سارافقك يوما الى بلد حثالة اسمه غانا».
واضاف «المحطة الاولى ستكون قصر اوسو ثم قصر ايلمينا ومن ثم اكثر من اربعين قلعة استخدمت لاعتقال نحو ثلاثين مليون عبد ضربوا واقتيدوا بحرا (الى القارة الاميركية). ولاحقا، ساروي لك تاريخ افريقيا وكيف حولها اناس مثلك الى قارة حثالة».
وصرح المعلق السياسي الكيني باتريك غاتارا لوكالة فرانس برس ان تصريحات ترامب لا تنطوي على «اي جديد» من جانب ادارة اميركية «عنصرية وجاهلة».
وقال «هذا لا يختلف عما تقوله هوليوود او وسائل الاعلام الغربية عن افريقيا منذ عقود. وما يشكل اهانة اكبر هو نفاق جميع من يدينون ترامب، علما بانه ينبغي ادانته، من دون النظر الى لهجتهم وسلوكهم».
ودعا الناشط الكيني بونيفاس موانغي عبر تويتر الى «عدم الخلط بين حثالة القادة الذين ننتخبهم نحن الافارقة وقارتنا الجميلة»، مضيفا ان «قارتنا مباركة لكن (مسؤولين) امبرياليين اغتصبوها بالتعاون مع قادتنا الحثالة منذ اجيال».
وفي جنوب افريقيا، اعتبر حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم ان تصريحات ترامب «مهينة للغاية»، فيما وصفها اتني ويك اتني المتحدث باسم رئيس جنوب السودان الذي يشهد حربا منذ ديسمبر 2013 بانها «مشينة».
في المقابل، اكدت مواطنة سودانية جنوبية تقيم في جوبا لفرانس برس ان تصريحات ترامب «في محلها تماما» وقالت «يوجهون الينا اهانات مماثلة بفضل قادتنا الافارقة».
وكذلك في نيجيريا، اكد كثيرون عبر تويتر ان بلادهم «حثالة».