«ترانيم ذاكرة» لفريدة عدنان شعاع صبح يمحو الخطايا بتفاصيل رواية يكتبها القدر

 

بعد ديوانها البكر» رماد الشوق بعيون ريفية» الصادر في العام 2023، تواصل الأديبة المغربية الأستاذة فريدة عدنان مسيرتها في الإبداع الأدبي بإصدار جديد موسوم ب « ترانيم ذاكرة « تواصل يحذوه الأمل الغزير بعدد قطرات المطر، وسقفها همس المدافئ وحكايات العاشقين. الإصدار الجديد جاء في 124 صفحة من الحجم المتوسط، يتضمن 34 نصا شعريا يحاكي من زوايا مختلفة حياة بشرية وقعت سهوا من على صهوة الأحلام. وداستها أقدام الذكرى. حياة لم يصبها الصدأ، بل ظلت تقاوم مثل حديقة نذرت تربتها شتائل رحبة لغرس الأماني وزراعة الأحلام وقطف الأوهام. ولما أينعت فراشة حالمة بعثرتها الآلام. لكنها ،وإن احترقت بنار البعد سوف تكتحل برماده قصائد وقلائد مع مرور الأيام.
النصوص الشعرية في أضمومة» ترانيم ذاكرة «طبعة 2024 جاءت مرتبة بذوق بديع :وقعت سهوا / تماهي / هل لي أن أراك؟/ هناك خلل/ مجرد شوق / سأتوب/ من أحق بمن/من كل الزوايا / وأنت تكتبني/إذا يوما / شرود/ إلى صديقي/ تصور / رثاء حب/لك أحن/ والتقينا/ في صمت/ تراتيل حب/ سلامي إليك/ شيء مني / من المفروض/ محفل من ورق/أنا وأنت والمطر/ ورحلت/ أخبره يا ليل/ إليك الخبر/ حبك وطن/ القريب البعيد/ سنقول يوما ما / غياهب الحب / ألا تشتاق/ صوتك/ بلغ مسامعي/ وفي الختام.
والقصائد في جوهرها إشراقات إبداعية وارفة الظلال، حزمة مشاعر فياضة، ذبذبات أنيقة، نغم جميل على أوتار الزمن، ونبض مجتمعي شفيق رفيق يتماهى مع الحياة في تجلياتها المريبة والمبهجة. أحاسيس تتألم مع الفرح تارة. وتسيل أنهارا من الحزن في سياق الأحلام تارة أخرى. إنها تجسيد بديع لمشاعر نفس بشرية تواقة، حالمة واهمة ناقمة إزاء شاشة الحياة الكبرى. حيث تنصهر الأحلام والأوهام باقة واحدة. وتتلظى أعطاب النفس البشرية بين الأنخاب والأسباب. وفي المجمل باقة ورود من كلام لا تذبل أبدا.
وأنت تقرأ قصائد الديوان، تتمطى أمام عينيك ترانيم الذاكرة في شكل نظرات دافئة للأشياء عبر زاوية نظر مثقلة بالشفقة مفعمة بالحياة. لكن في قالب نعيم بديع فاتن وساحر جذاب رحيم. إنها قصائد: تحيل الحروف مشاعر والكلمات أحاسيس، نصوص تجيد لغة الوفاء، ترتب عقارب النبض القلبي. إنها وجع ورجع صدى في شكل محاضر بوح جميل. صفحات تقر وتعترف «أن الأزهار على أعتابك تتفتح، وأن الصحراء في عيونك تخضر «وأنت أول القصيد وآخره « قصيدة بلغ مسامعي: ص 118
في شعر فريدة عدنان كما في خواطرها الخمسين، تتماهى المشاعر الدافئة مع العمل السياسي الملتبس. ويتجلى الأدب رفيعا خالدا يلامس بحنان أفعال البشر. فالقصيدة هنا عنوان بارز لاستحضار كل ما هو جميل غارق في أغوار النفس قبل الولادة وما بعدها. استرجاع مدو للهمسات السحيقة الثاوية في الأعماق. همسات لا يحجبها صخب الأيام الموجعة التفاصيل ولا المجتمع المحموم في نبضاته وإيقاعاته المريبة حينا والجارفة أحيانا.. فتطل ذكراها من ثنايا القلب كالسهام تتوهج مثل شعاع صبح يمحو الخطايا. وفي الختم التفاصيل رواية يكتبها القدر.
ورغم أن الكاتبة من مواليد مدينة تازة، إلا أنها نشأت وترعرعت ببلدة تيسة، وتابعت دراستها العليا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس سايس في شعبة علوم الحياة والأرض. وفي سنة 1997 التحقت من جديد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بمدينة فاس، وحصلت على شهادة الإجازة في الدراسات الاسلامية. وتعمل حاليا بالسلك التربوي كمتصرفة إدارية بالثانوية التأهيلية التقنية بفاس. وهي حرم الأستاذ يوسف لحجوجي إطار إداري بالمركز الجهوي للامتحانات التابع للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس مكناس.
من ديوان «ترانيم ذاكرة» الذي وقعته الأديبة مؤخرا برواق الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة بالمعرض الجهوي للكتاب بصفرو، نقتبس قصيدة «كل الزوايا «:
جميل أنت
من كل الزوايا
تعرش على رفوف ذاكرتي
والحنايا
تمسح دموع الأطفال
وتسلب عقول الصبايا
لحسنك سر ينسي
البلايا
أيا رجلا اجتمعت فيه أسرار العشق
ونسجت حوله أغرب الحكايا
عيناك بر وبحر
ومعقل السبايا
قرأت عن السند والهند
وأتممت الألفية مع التقويم
حتى صرت خبيرة بالنوايا
لكني أمام عينيك عجزت
عن سبر الخبايا
أيا حبا يسكن الروح
قبل الولادة
ويحيي الأمل بعد الإبادة
فيك اجتمعت كل المزايا
أتيتك بالأمس
لا أنوي الرحيل غدا
أنثر قواعد العشق
وألملم الشظايا
تطهرت بحروف اسمك
من كل الخطايا
جميلة بك تزينت
وها قد كسرت كل المرايا
وعشقتك من كل الزوايا


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 04/07/2024