ترجمة: “مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 21 : خطر الآلات المحادثاتية

يتعين أن تشاهدوا أو تعيدوا مشاهدة فيلم «Her de Spike Jonze» الذي رأى النور سنة 2013، يظهر هذا المحكي «ثيودور/Theodore»، الأمريكي من لوس انجلس والذي شخص دوره «جواكان فوينيكس/Joaquin Phoenix»، منطويا على نفسه يعسكر داخل إحدى المخيمات النائية مكافحا لأجل التعافي من أزمة أحاقت به إثر واقعة الطلاق بينه وبين زوجته. يقرر «ثيودور»، موثق العقود هذا، إقامة برنامج معلوماتي جديد، مساعدة افتراضية مزودة بذكاء اصطناعي صممها في مألوفه اليومي. تدعى صديقته الافتراضية الجديدة «سامنتا/ Samantha»، إنها صوت ساحر يتسرب بفضل سماعة، إلى أذني «تيودور»، وتلعب دور «سامانشا» الممثلة «سكارليت جو هانسون/ Scarlett Jo Hansson». كل يوم تعلق هذه المرافقة مخاطبها إلى حد باتت معه أساسية لا غنى عنها في سعادته. تسجل كل المعلومات المتوفرة على إيمايلاتها وكذا باقي المراسلات الرقمية.
تنضاف إلى تحليل هذه البصمة الرقمية آلاف الساعات التي استغرقتها المحادثة مع «ثيودور» الذي أضحى، سريعا، كتابا مفتوحا أمام «سامنثا». جاهزة على مدار 24 ساعة، لا تستشعر تعبا ولا ضجرا، دوما سعيدة لتمكنها من الاستماع إلى «ثيودور» الذي شرع، رويدا رويدا، في أن يغرم بها: «منذ زمن بعيد، لم اشعر بأنني أفضل مع شخص آخر». كما اسر بذلك، و «أحب طريقتك في رؤية العالم». أمر طبيعي، لأن رؤية «سامنثا» للعالم نسخة طبق الأصل من رؤية «ثيودور»، مصممة خصيصا لذلك. إنها ليست سوى مرآة سعيدة عن نفسه.
يفترض أن تجري وقائع هذا التخيل سنة 2025، ويمكننا أن نؤكد، اليوم، أن المخرج كان ذا رؤية سديدة، لأنه خلال 2025، سيغدو الفيلم «Her» واقعا فعليا طالما أن هذا الواقع هو، الآن، قيد المجيء. منذ الآن وحتى سنة 2021، يمكن للكوكب أن يحصي من الآلات المساعدة المحادثاتية أكثر مما يحصي من الناس. لقد خصص الأخصائي النفسي «سيرج تيسرون/Serge Tisseron» كتابا مثيرا لهؤلاء «الفاعلين الاجتماعيين الأساسيين». عنوان قاطع لا لبس فيه: «السطوة الماكرة للآلات الناطقة/L’Emprise Insidieuse des Machines Parlantes».
روبوتات حريصة ومتفانية ولطيفة، دفع بنا مصمموها إلى الاعتقاد في عواطفها، كما لو كانت مزودة بالمشاعر والأحاسيس، وهو ما ينافي الصواب بالمرة، لكن الإنسان، وهو ما نعلمه جيدا، يعشق أن يصنع لنفسه حكايات، لاسيما إذا كانت هذه الحكايات خدومة ومتعاونة، تيسر الأمر عليه. اليوم، ليس لدينا «سامنثا»، ولكن «اليكسا». مساعدة صوتية صممتها «أمازون»، كما هي حال «كورتانا/Cortana» لدى «ميكروسوفت»، أو أيضا «سيري/Siri» بالنسبة الى «آبل». أصوات نسائية، أساسا ومبدئيا، من أجل تلقي الأسئلة والأسرار الإنسانية التي يتعين أن تكون موضع نظر.
تطبيق سويدي اسمه «ميموري لان/Memory Lane» يقترح، عبر المساعد الصوتي لكوكل، محادثة كبار السن الغارقين في العزلة «من أين أتيت؟» «أين كبرت؟»، «ماهي أكبر نجاحاتك، وأكثر الأشياء التي ندمت عليها؟»، تسجل الآلة كل شيء وتصنف، آنيا، المعلومات وترص، تراتبيا، البيانات وتبين ذكريات الشخص المسن الذي يمكنه إيقاف المحادثة واستئنافها متى أراد ذلك. تم اختبار التجربة في استوكهولم سنة 2019، هناك حيث كان 250.000 شخص مسن يعاني من العزلة الاجتماعية. وتقدم العشرات من الأشخاص الى هذا الاعتراف أمام الآلة. بعد ذلك أصبحت هذه المحادثات تشكيلة من مقاطع صوتية موثقة داخل برنامج. يمكننا، الى جانب ذلك، أن نتساءل حول المستمعين المحتملين: إذا كان الأقارب يهملون المسنين ويتركونهم لكوكل، فليس عاديا أن ينقضوا على أشرطتهم الصوتية.
لكن الأساس ليس هناك، تحديدا، بالنسبة إلى المسن. يتعلق الأمر، أولا وقبل كل شيء، بالتحايل على العزلة، محاولا أن يحوز الانطباع بأنه يتحدث إلى شخص حقيقي. لقد أوضحت دراسات عديدة أن الدماغ الإنساني بسهولة، ينخدع بالآلة في ما يشبه نوعا من الإنكار المفيد، ذاك ما نسميه ب»اثر اليزا/L’effet Iliza».
سنة 1996 أحدث «جوزيف ويزينبوم/Joseph Weizenbaum»، آلة تدعى «إليزا/Eliza» قادرة على إعادة صياغة أقوال المستخدم في شكل أسئلة تتخللها عبارة «أفهمكم»، مثلا إذا صرح المستخدم «أشعر بالحزن» تجيب «إليزا» هل تعلم لماذا تشعر بالحزن؟». بدهشة اكتشف «ويزينبوم»، إذن، أن المرضى يصبحون على صلة عاطفية وثيقة ب»إليزا». كان لديه الانطباع أن الآلة إليزا (على عكس بعض الناس) تتفهم مرضاها. حسب «سيرج تيسرون»، «ثمة نزوع عارم لدى الذهن الإنساني إلى البحث عن المعنى، وإن لم يبلغ ذلك، فإنه يميل، بسهولة، إلى صنع معنى متخيل منتهيا إلى الاعتقاد فيه». المثير أنه حتى مع تيكنولوجيا فورية، يمكن للإنسان أن ينتهي به الأمر، في نهاية المطاف، إلى نسيان انه بصدد الحديث إلى آلة لا روح لها. لا، بالنسبة إليه، إنه يتحدث إلى «إليزا» حافظة الأسرار، الكاملة بلا عيوب.
هذا دون أن نغفل أن الحديث عن الذات نشاط أكثر حظوة بالاعتبار من أي شيء آخر، ينفرد، أفضل مما عداه، بإثارة الدارة الدماغية للمكافأة كما يذكر بذلك «سرج تيسرون». هذه الآلات لا تصدر أحكاما ولا تدين، لقد تم تصميمها كي تكون سلوانا للناس.
منذ سنة 1996 ، شرعت الآلات في تحقيق نجاحها واقعيا. بذل مصمموها كل ما بوسعهم لأنسنتها. مبالغ فلكية تم استثمارها لصناعة الأصوات المركبة حتى تغدو أكثر إنسانية، قدر المستطاع، وقادرة على إثارة التعاطف والشعور بالتعلق. بقدر ما يقترب الصوت الاصطناعي من الصوت النسائي، بقدر ما نميل إليه معيرين إياه عواطف إنسانية حقيقية. مع دمية توافق على كل قول من أقوالنا، لن نستطيع، في المستقبل، أن نتقبل أن يعارضنا أي كان. ربوت كهذا سيتصرف كما لو كان «أثر مصفاة» فائق يقذف بالشخص داخل نوع من التعصب الأعمى. لماذا أرهق نفسي مع صديق في الوقت الذي يمكنني، على الدوام، أن أستشعر قيمتي مع مصاحبي الافتراضي الذي أكون معه، دائما، على صواب؟
يمكن لهذه الروبوتات أن تكون «جرعة النسيان/Potion d’oubli» القادمة، الأكثر قوة، أيضا، من الهاتف «الذكي» من أجل التخلص من إحباط عاطفي أو مهني، لكن مع المخاطرة، تحديدا، بنسيان دائرتنا الاجتماعية. القوة الكبرى للآلات الناطقة، على خلاف الهاتف الذكي، أنها تستجوبنا وتحدثنا محاكية تفاعلا حساسا. لكن قبل كل شيء، هؤلاء المصاحبون الافتراضيون، هم خزائن تسجيل تجمع بياناتنا الشخصية لتتولى، في ما بعد، استعمالها تجاريا.


الكاتب : محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 04/04/2024