تركيا تنجز في المغرب مشاريع إنشائية بقيمة 4.3 مليار دولار وتعد بمزيد من الاستثمارات .. تفاهم مغربي تركي على إزالة العقبات التجارية ورفع المبادلات فوق 5 ملايير دولار

 

في سياق بحثه عن تصحيح الكفة و ترميم اختلالات ميزانه التجاري مع تركيا، انخرط المغرب في جولة جديدة من المفاوضات رفيعة المستوى في إطار أشغال الدورة السادسة للجنة المشتركة المغربية التركية لتتبع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر التي تربط البلدين منذ 17 عاما، والتي احتضنتها العاصمة التركية أنقرة. الاجتماع، الذي شارك فيه عمر احجيرة كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، ومصطفى توزكو، نائب وزير التجارة التركي، أفضى إلى اتفاق مبدئي حول تدابير جديدة تستهدف تعزيز التجارة المتوازنة، وتوسيع الاستثمارات التركية في المملكة، وإرساء أسس تعاون إنتاجي مشترك، لا سيما في قطاع النسيج الذي لطالما كان نقطة توتر في العلاقة الاقتصادية الثنائية.
في تصريح صحفي عقب الاجتماع، ذكّر الوزير التركي مصطفى توزكو بأن «اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا والمغرب دخلت عامها السابع عشر»، مضيفا: «يسرنا للغاية أن نرى الطرفين يستفيدان من هذه الاتفاقية، حيث بلغ حجم تجارتنا اليوم حوالي 5 مليارات دولار». وشدد على أن العلاقات الراسخة القائمة على الأخوة والإرادة القوية والتعاون السياسي والاقتصادي لا تزال مستمرة، مؤكدا في الآن ذاته على ضرورة تعميق الشراكة الاستراتيجية رفيعة المستوى بشكل أكبر.
وأضاف توزكو، الذي أفاد بأن استثمارات تركيا في المغرب تجاوزت مليار دولار العام الماضي، قائلا: «شركاتنا تنخرط بنشاط في مشاريع المغرب، وقد أنجزت مشاريع بقيمة تقارب 4.3 مليار دولار حتى الآن». ولفت إلى أن هذا النجاح مرشح للتوسع أكثر بفضل تحسن بيئة الاستثمار في المغرب، لا سيما في أفق كأس العالم 2030، حيث قال: «شركاتنا ستلعب دورا رائدا في مشاريع البنية التحتية التي ستنجز في المغرب استعدادا لتنظيم كأس العالم مع البرتغال وإسبانيا».
كما أشار توزكو إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين على أساس مبدأ رابح رابح، وقال: «لقد قررنا تطوير تعاون فعال لزيادة حجم تجارتنا إلى مستويات أعلى، بما يتماشى مع الأهداف السامية التي وضعها رئيسنا وملك المغرب». وأكد أنه سيتم اتخاذ خطوات مشتركة لإزالة العوائق أمام التجارة، وجعل بيئة الاستثمار أكثر جاذبية، وتعزيز حضور الشركات التركية في المغرب، وأضاف أن الفترة المقبلة ستشهد تنظيم فعاليات واسعة النطاق بين الشركات، ومنتديات استثمارية، وهيئات للترويج القطاعي بمشاركة مقاولات تركية ومغربية.
بدوره شدد عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية ، على استعداد المغرب لتقديم كافة التسهيلات الضرورية لجذب الاستثمارات التركية. وقال: «نولي أهمية كبيرة للاستثمارات التركية. وفي هذا السياق، نحن عازمون على توفير جميع التسهيلات التي تيسر وصول المستثمرين إلى المغرب»، معتبرا أن المملكة تشكل فرصة حقيقية للمستثمرين الأتراك. وأضاف: «أرقام التبادل التجاري بين البلدين جيدة حاليا، لكننا نرغب في الارتقاء بها إلى مستوى أعلى. المغرب بلد يمنح فرصة للمستثمرين الأتراك. نتمنى أن تزيد صادرات المغرب إلى تركيا بشكل أكبر. وفي المقابل، ستزيد تركيا استثماراتها في المغرب. هدفنا الرئيسي هو تحقيق مصلحة الطرفين».
وقد تضمن الإعلان المشترك الصادر بعد الاجتماع التزاما بإجراء دراسات تقنية وفنية لتيسير دخول المنتجات الغذائية والفلاحية المغربية إلى السوق التركية، وإنشاء خط اتصال مباشر بين وزارتي البلدين لتحسين الميزان التجاري وتعزيز التواصل الفوري. كما تقرر طرح فرص استثمارية متبادلة عبر منظمات مثل «منتدى الأعمال والاستثمار التركي المغربي»، إلى جانب تطوير التعاون القائم على نموذج «الإنتاج المشترك» في سلاسل الإنتاج، خصوصا في قطاع النسيج، الذي تأثر سابقا بواردات تركية وفيرة خلقت اختلالات هيكلية في السوق المغربية.
وأكد توزكو أن كل هذه الجهود قد عكست في الإعلان المشترك، مضيفا: «اتفقنا على تعاون فعال لزيادة حجم تجارتنا، الذي بلغ 5 مليارات دولار، بما يتماشى مع مبدأ الربح للجميع، والوصول إلى أرقام مرتفعة على المدى المتوسط. ثانيا، حددنا برنامجا يتماشى مع الأنشطة التي سيتم تنفيذها لتمكين الشركات التركية من تعزيز حضورها في بيئة الاستثمار التي طورها المغرب في الفترة الأخيرة. وفي هذا الصدد، اتفقنا أيضا على أن اللجان المشتركة بين البلدين ستعمل بشكل أوثق وتحول هذا الحوار إلى آلية دائمة. لدينا العديد من مجالات التعاون، وسيواصل المغرب وتركيا تواصلهما بشكل أقوى من خلال هذه اللجان».
القرارات المنبثقة عن هذا الاجتماع، وإن لم تصل إلى حد تعديل نصوص الاتفاق، إلا أنها تفتح الباب أمام المغرب لإعادة التفاوض العملي على مستويات الربح والخسارة داخل الاتفاقية، من خلال التوظيف الأمثل للأداة الاستثمارية، والتحول نحو الشراكة الإنتاجية بدل التبادل غير المتكافئ. وتبدو تركيا، بحسب التصريحات الرسمية، واعية بهذه المعضلة، ومستعدة لتقديم تعويضات غير مباشرة، ما دام تعديل جوهر الاتفاق لا يلوح في الأفق القريب. لكن تحقيق هذا الهدف سيظل مرهونا بسرعة تنزيل الوعود على أرض الواقع، وبقدرة المغرب على تحويل علاقات الشراكة إلى آلية للدفع بنموه الاقتصادي، لا مجرد قناة لاستيعاب فائض الإنتاج التركي.


الكاتب :   عماد عادل 

  

بتاريخ : 25/06/2025