تساؤلات حول النجاعة الإجرائية والموضوعية في مراقبة استخدام الأموال العمومية من طرف المجتمع المدني المجلس الإقليمي لبركان نموذجا

بوأ الفصل 12 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، المجتمع المدني مكانة دستورية متميزة، تجعلها مؤهلة للمساهمة، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها.
ويعتبر، بحق، هذا الارتقاء الدستوري بمكانة ووظائف المجتمع الدستوري، تعبيرا واضحا ومظهرا بارزا للخيار الديمقراطي للمملكة المغربي، وتميز نظامها الدستوري بارتكازه، بالإضافة إلى مبدأ الفصل بين السلط وتعاونها، على مبادئ ثلاثة، تم الارتقاء بها هي الأخرى إلى مصاف المبادئ الدستورية، وهي:
1- مبدأ الديمقراطية المواطنة والتشاركية؛
2- مبدأ الحكامة الجيدة؛
3- مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن هذه المبادئ الدستورية الثلاثة الناظمة لكل ما يتعلق بتدبير الشأن العام والمساهمة فيه، تكرس في آن واحد الأثر الكاشف للخيار الديمقراطي للمملكة المغربية الهادف توسيع المساهمة التشاركية في تدبير الشأن العام، وضرورة تحصين هذه المساهمة، هي الأخرى، بمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتجسيدا لهذا الخيار الدستوري، في الارتقاء بمكانة المجتمع المدني، امتثلت التشريع الوطني لهذه المبادئ الدستورية الثلاثة، حيث ينص الفصل 32 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات، على ما يلي: ” يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات من إحدى الجماعات العمومية أن تقدم ميزانيتها وحسابها للوزارات التي تمنحها الإعانات المذكورة. وتضبط بموجب قرار من وكيل وزارة الاقتصاد الوطني في المالية دفاتر الحسابات التي يجب أن تمسكها الجمعيات المشار إليها وكذلك الشروط التي تسلم بمقتضاها إلى الوزراء الميزانية والحسابات المشار إليها في الفقرة الأولى، وتجرى على دفاتر الحسابات مراقبة مفتشي هذه الوزارة. ويعاقب كل وكيل مسؤول عن مخالفات القرار المنصوص عليه في الفقرة أعلاه بغرامة يتراوح قدرها 12.000 إلى 100.000 فرنك، وتكون الجمعية مسؤولة مدنيا.”
وتعميقا لمبدأ ربط مسؤولية فعاليات المجتمع المدني بالمحاسبة في المساهمة في تدبير الشأن العام من خلال تلقي الدعم الدوري والإعانات المالية، تنص مقتضيات الفصل 32 المكرر على ضرورة التزام تصريح الجمعيات التي تتلقى دعما أجنبية بمبلغ الإعانة والجهة الأجنبية المانحة؛ هذا فضلا عن تنصيص مقتضيات الفصل 32 المكرر مرتين على ما يلي: ” يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات يتجاوز مبلغها 10 آلاف درهم من إحدى الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو الشركات التي تساهم الدولة أو الجماعات والمؤسسات الآنفة الذكر في رأسمالها كليا أو جزئيا، أن تقدم حساباتها للهيئات التي تمنحها الإعانات المذكورة، مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بالمحاكم المالية.”
وعلاقة بمدونة المحاكم المالية، تنص المادة 154 من القانون 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، على ما يلي : ” يراقب المجلس الجهوي استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات، باستثناء تلك المذكورة في المادة 148 أعلاه، والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف جماعة محلية أو هيئة أو من أي جهاز آخر خاضع لرقابة المجلس الجهوي. وتهدف هذه المراقبة إلى التأكد من أن استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة.” وفي نفس الإطار تنص مقتضيات المادة 155 من نفس مدونة المحاكم المالية، على ما يلي : ” تلتزم الأجهزة المشار إليها في المادة السابقة بأن تقدم إلى المجلس الجهوي، الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية الأخرى التي تلقتها، وذلك حسب الكيفيات والشروط المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.”
وتأسيسا على هذه الترسانة القانونية الكفيلة بترسيخ وتحصين الديمقراطية التشاركية من خلال مبدأي الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، يتضح أن جمعيات المجتمع المدني المهتمة بتدبير الشأن العام والمساهمة فيه من خلال تلقيها على الدعم والإعانات المالية، تخضع لرقابة قبلية وبعدية ذات أبعاد إجرائية وموضوعية.
ذلك أنه من جانب الرقابة القبلية في جانبها الإجرائي، يتعين على الجماعات الترابية والأجهزة المانحة التأكد استيفاء الطلب للشروط الشكلية من قبيل إعداد وثيقة دراسة الجدوى ومسك دفتر الحسابات وفق القرار التنظيمي، ومن إحالة الحساب السنوي على المجلس الجهوي للحسابات، ومن كون الجمعية طالبة الدعم مؤسسة بطريقة قانونية، ومن اكتساب شروط وصفات التمثيل والعضوية، ومن تطابق وثائقها وبرنامجها وتقاريرها الأدبية والمالية مع نظاميها الأساسي والداخلي، ومن مدى تقديم حساباتها وميزانيتها، مرفقة بالحساب البنكي وتقرير تقييم لمحاسب معتمد، وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها، وذلك لكل الجهات العمومية المانحة إن وجدت.
أما من جانب الرقابة القبلية في جانبها الموضوعي، يتعين على الجماعات المحلية والجهات المانحة التأكد من واقعية وجدية الأهداف المضمنة بالطلب ودراسة الجدوى، ومدى ارتباطها الوثيق بالشأن العام، والنتائج الواضحة الملتزم بتحقيقها.
وعند استجماع مختلف الشروط المطلوبة في الرقابة الإجرائية والموضوعية، تكون الجمعيات مؤهلة لتلقي الدعم العمومي والإعانات العينية والمالية، حيث تلتزم بأجرأة برنامجها الذي على أساسه تلقت الدعم والمساعدة، وفق نطاق زمني محدد، يسمح للأجهزة المانحة من مراقبة استخدام الأموال العمومية التي منحتها، حتى تتمكن هي الأخرى من إدراجها في تصفية ميزانيتها، اعتبارا لمسؤوليتها القانونية والسياسية.
وتبعا لذلك، فإن الرقابة البعدية سواء في جانبها الإجرائي أو الموضوعي، تبقى مسؤولية الجماعات والأجهزة المانحة، قبل مسؤولية المجلس الجهوي للحسابات الذي تمتد رقابته إلى رقابة مشروعية ورقابة ملاءمة تخضع لها الجماعات المانحة والجمعيات الممنوحة.
انطلاقا مما سبق ذكره، واعتبارا لكون الأمر يتعلق بتدبير الشأن العام المحلي بإقليم بركان، تثار تساؤلات حول مدى النجاعة الإجرائية والموضوعية للرقابة القبلية والبعدية التي يمارسها المجلس الإقليمي لبركان، في الدعم العمومي والإعانات المالية والعينية التي يقدمها لجمعيات المجتمع المدني، وهل يتأكد من نتائج استخدام الأموال العمومية التي يقدمها لجمعيات المجتمع المدني؟
إنها تساؤلات لا يمكن الإجابة عنها سوى بواسطة تقرير يعده ويصادق عليه المجلس الإقليمي، وينشر للرأي العام المحلي، ضمانا منه لحق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات المرتبطة بتقييم إنجازية وفعالية مساهمة جمعيات المجتمع المدني في تدبير الشأن المحلي.

(*) عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.


الكاتب : عبد المنعم محسيني (*)

  

بتاريخ : 25/10/2024