تشارلز داروين وكليمنس رويير، التطور الدائم

اغتاظ عالم الطبيعيات من اللمسة الشخصية لمترجمته الفرنسية،
المقاومة للإكليروس والمناضلة النسائية

علاقات نصّية، الكُتّاب ومترجموهم
ضمن ملحقها لصيف السنة الجارية، خصصت يومية «ليبراسيون» الفرنسية سلسلة من ستة مقالات قاربت ضمنها علاقات بعض كبار الكتاب مع مترجمي أعمالهم، وذلك في أعدادها الصادرة من 19 إلى 25 يوليوز 2025.

 

 

عندما صدر «أصل الأنواع» بلندن، في 24 نونبر 1859، نفذت نسخ طبعته الأولى، البالغ عدد نسخها 1250 نسخة، خلال نهار واحد ووحيد. ما شكل دليلا على الرغبة النهمة إزاء مؤلف خارق سيبصم قرنه والقرون اللاحقة. محفزا بملاحظاته في المحيط الهادي، بعد خمس سنوات قضاها على متن سفينة البيغل، بسط تشارلز داروين، عالم الجيولوجيا والطبيعيات، فكرة الانتقاء الطبيعي للأنواع، ما أثار جدلا واسعا. في فرنسا، لم يجرؤ أحد على ترجمة تلك المعلمة، إذ قوبلت جميع مساعي داروين لنقل كتابه إلى الفرنسية بالرفض. وفي نهاية الأمر، ستتصل به امرأة تدعى كليمنس رويير، تقيم في قرية على ضفاف بحيرة ليمان: لقد أحبت المؤلف وترغب في ترجمته.

قرصنة

لم يكن البريطاني قد سمع شيئا من قبل عن تلك المرأة العصامية التي كانت، إبان منتصف القرن التاسع عشر، إحدى النساء القليلات في أوساط عالم العلم محكم الإغلاق من طرف الرجال. كليمنس رويير هذه ابنة لنصير للملكية تعرض للمنفى الإجباري في سويسرا، وهي مدرسة سابقة، راكمت قسطا من المعرفة في البيولوجيا، والفلسفة وعلم الاقتصاد عبر التنقيب في مكتبة مشغليها. وهي ترفض الزواج، كما أنها أثارت الانتباه بمواقفها المناهضة للإكليروس والمدافعة عن النساء. وقد كتبت: «طالما سيبقى العلم بين أيادي الرجال حصرا، فإنه لن يصل أبدا إلى أعماق العائلات والمجتمع»، وذلك ضمن مؤلفها «مدخل إلى فلسفة النساء» الصادر سنة 1859. سنتان بعدها، ستتوصل بطرد بريدي من إنجلترا، يعهد لها بالمخطوط الشهير لداروين.
انطلقت كليمنس رويير في ترجمة النص مثلما يشن القراصنة هجماتهم. ودسّت ضمن صفحات الكتاب الكثير من الملاحظات الشخصية إلى حد بعيد، كما صاغت مقدمة له من أربع وستين صفحة، هاجمت ضمنها الظلامية الدينية ومجّدت الانتقاء الطبيعي للكائنات البشرية. «البشر غير متساوين طبيعيا»، كتبت المترجمة التي كانت أفكارها مؤشرة على مفهوم تحسين النسل، المفهوم الذي سينحته لاحقا، سنة 1883، فرانسيس غالتون، ابن عم… داروين!

مواجهة

أخيرا وفي 1862، أمسك العالم البريطاني الترجمة الفرنسية لمؤلفه بين يديه، غير أنه سينتف آخر الشعيرات المتبقية في رأسه. «كنت أتمنى لو أن المترجمة على معرفة أفضل بالتاريخ الطبيعي، تأسف تشارلز داروين. إنها امرأة ذكية ربما، لكنها فريدة من نوعها.» (وفق ما كتبه في رسالة إلى عالم الطبيعيات الفرنسي، أرمان دو كارتفاج في سنة 1862). مثلما آمن إيمان العجائز بأن مقدمة الترجمة جد الطويلة، «تسيء» لتلقي الكتاب في فرنسا. وأشعل البريطاني مواجهة حامية الوطيس مع كليمنس رويير لتنقيح الطبعات اللاحقة، قبل أن يطلب ترجمة مغايرة لمؤلفه، وهي الترجمة التي ستصبح معتمدة والتي أنجزها عالم طبيعيات سويسري شاب، جاك مولينيي.
أما مناصرة حقوق النساء على ضفاف بحيرة ليمان، فلم تحمل أي ضغينة إزاءه، بل ستلقي عدة محاضرات، عبر ربوع أوربا، من أجل مدح ميزات «أصل الأنواع». مثلما ستواصل إصدار كتب في حقل الاقتصاد والعلوم الفيزيائية، وتلتحق بجريدة «لا فروند»، الصحيفة الرائدة في مجال النضال النسائي، لتصبح، لاحقا، أول امرأة تنال عضوية جمعية الأنثروبولوجيا الباريسية. وتوفيت كليمنس رويير سنة 1902، حاملة معها إلى قبرها وسام جوقة الشرف وبعضا من هالة عالم الجيولوجيا الإنجليزي.


الكاتب : غيوم باجو ترجمة: سعيد عاهد

  

بتاريخ : 26/08/2025