تشريعيات : الديمقراطية التشار كية

 

تهدف فكرة الديمقراطية التشاركية إلى تقوية دور المواطن في المساهمة الفعلية في صنع السياسات العمومية والبرامج التنموية المحلية، لهذا نصت الفقرة الثانية من الفصل 12 من الدستور على أنه تفعيلا للديمقراطية التشاركية تعد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا الشأن العام مشاريع وقرارات، وأن تعمل على تنزيلها وتتبعها لفائدة المؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة، وألزمت الأخيرة بتنظيم هذه المشاركة طبقا للكيفيات التي يحددها القانون، بينما جاء الفصل 13 من الدستور ليؤكد على ضرورة إحداث هيئات للتشاور من طرف السلطات العمومية بهدف إشراك مختلف الفاعلين وإكسابهم قدرة على التأثير في صنع القرار العمومي الوطني، وكذا إشراكهم في صنع برامج التنمية الجهوية وبرامج عمل الجماعات محليا، وفي هذا التنصيص الدستوري الذي يراعي أهمية إشراك فاعلين من خارج المؤسسات الرسمية للدولة، مؤشر دال على علاقة التكامل بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية.
ولا شك أن المجتمع المدني الذي يعتبر من أبرز الفاعلين في عملية صنع القرار وطنيا ومحليا لكونه إطارا للتربية على المواطنة. يقوم على مجموعة من المرتكزات أهمها الاستقلالية وحرية المبادرة والمشاركة والتطوع، فهو يتشكل من مؤسسات وهيئات مدنية غير حكومية لا تتوخى الربح في مبادراتها، وإنما يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، ومصالح أفراد الجماعات التي تشكله، لذلك يمكن تبعا لتعدد أطيافه واختلاف مستويات اشتغاله، طرح حلول وبدائل للمشاكل التنموية تبعا لما راكمه من تجربة واسعة اكتسبها من قربه لنبض وهموم المواطنين.
فبعد أن نص الدستور في باب الأحكام العامة على آليات ممارسة الديمقراطية التشاركية باعتبارها حقا مكفولا لكافة المواطنين وهيئات المجتمع المدني، أعاد تأكيده على ضرورة وجودها على الصعيد المحلي في الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية، فأقر في الفصل 136 من الدستور بأن التنظيم الترابي والجهوي يؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم، كما ألزم في الفصل 139 المجالس المنتخبة بكافة مستوياتها بإحداث هيئات تشاركية للتشاور والحوار لتأمين مشاركة المواطنين في وضع برامج التنمية الجهوية وبرامج عمل الجماعات والعمالات والأقاليم وتتبع تنفيذها، إضافة إلى التنصيص على تمكين المواطنين من الحق في تقديم عرائض غايتها مطالبة المجالس المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا بإدراج مسألة معينة تندرج ضمن اختصاصاتها في جدول أعمالها.
وامتثالا للمقتضيات الدستورية المكرسة للديمقراطية التشاركية المحلية، نص القانون التنظيمي للجهات على إحداث ثلاث هيئات استشارية: الأولى تنشأ بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني مهمتها تتجسد في تفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، والثانية مكلفة بقضايا الشباب واهتماماتهم، والثالثة تؤسس بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة وتعنى بالقضايا ذات الطابع الاقتصادي، في حين أحدثت لدى مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات هيئة واحدة لكل منهما تعنى بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع (المادة 117 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 111 من القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والمادة 120 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات).
إن مسألة تدبير المواطنين لشؤونهم بأنفسهم ومواكبة المنتخبين لكيفية تدبير الشؤون المحلية بكيفية دائمة ومستمرة غير ممكن عمليا دون تمكينهم من بعض الحقوق التي خص بها المشرع المنتخب بالجماعات الترابية بمختلف أصنافها خاصة الترخيص لموظفي وأعوان الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين انتخبوا أعضاء في مجالس الجماعات الترابية الثلاث من رخص التغيب للمشاركة في دورات هذه المجالس واجتماعات اللجان المنتمين إليها (المادة 55 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات).
لذا فإن مسألة تعميق الديمقراطية المحلية لن تتأتى إلا من خلال التأسيس لبناء علاقة بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية التي يمكن أن تعيد توجيه بوصلة التنمية المحلية والمجالية إلى مسارها الصحيح، من خلال الإشراك الفعلي للمواطن في النظام الإداري والسياسي، وهو ما يمكن نظريا من تحديث أدوار الدولة ومؤسساتها، وبالتالي فإنه يمكن الإقرار بأن تطوير الديمقراطية التشاركية وتعميق ممارستها، يتوقف على منحها إمكانيات وآليات الاشتغال بأريحية تامة.
وتأسيسا على كل ما سبق، نقترح في الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، تعديل وتتميم المادة 58 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات.


الكاتب : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 01/06/2023