عمارة كوهين بالجديدة تنتظر الإنقاذ من هجمات ذوي المصالح التجارية
يعتبر التراث إرثا مشتركا لكل الأجيال بما يشمله من عادات وتقاليد ونمط حياة وفنون وعلوم وعمران ، وتشكل المعالم التاريخية جزءا أساسيا من التراث التاريخي ، على اعتبار أنها تعبير عن الشخصية والهوية الوطنية عبر التاريخ ، ومن عناصر فهم الزمن الماضي والاعتداد به ، مما يجعل أمر الحفاظ عليها وصيانتها من أوجب الواجبات على المسؤولين الترابيين كمجالس إقليمية وجماعية وعلى المسؤولين الحكوميين كقطاعي الثقافة والسياحة وأيضا القطاعات الحكومية التي تدخل المعالم التاريخية ضمن ما أسدته هذه المعالم من خدمات للقطاع الحكومي المعني .
وفي هذا الصدد يأتي الحديث عن أول مكتب للبريد والتلغراف الخاص أنشئ في مدينة الجديدة واحتضنته عمارة مايير كوهين التي تم بناؤها في19 أكتوبر 1914 (29 تشري 5675 حسب التأريخ العبري) وفق موقعها الجغرافي الحالي بساحة برودو ( ساحة الحنصالي حاليا )وسط المدينة ، والمتميزة بطرازها الهندسي المعماري الذي يمزج بين النمطين الفرنسي والعربي الحديث ، حيث ظل الطابق السفلي لهذه العمارة يحتضن مكتب البريد والتلغراف إلى غاية سنة 1924، ليتم نقل المكتب إلى البناية التي أحدثت خصيصا له بساحة ليوطي (ساحة محمد الخامس حاليا ) قرب مسرح محمد سعيد عفيفي وعلى بعد أقل من مائتي متر عن عمارة كوهين ، هذه المعلمة التاريخية التي تعاني في صمت رهيب من تداعيات وعوامل الزمن والغياب المطلق لأية أشغال صيانة وتترقب لحظة الانقضاض عليها وتحويلها إلى أثر بعد عين، وبالتالي محو جزء من الذاكرة الوطنية والمحلية ، حيث تفيد بعض المصادر أنه سوف يتم هدمها وتشييد مركب تجاري على أنقاضها على غرار ما حدث لمعلمة « سينما باريس « المعروفة باسم ديفور ، التي كانت محاذية لعمارة مايير كوهين ، ضمن هجمة قضت نهائيا على كل دور السينما التي كانت تؤثث الفضاء الثقافي لحاضرة دكالة وأحالت بقعها الأرضية إلى فضاءات ومحلات تجارية ( سينما الريف ، سينما باريس ، سينما مرحبا ) دون نسيان سينما الملكي المغلقة منذ عشرات السنين دون أية التفاتة من جانب المسؤولين عن الشأن العام للمدينة أو عن الشأن الثقافي…أما عمارة «مايير كوهين» التي تتربع وسط مدينة الجديدة بشكل هندستها المميزة، فقد سبق لوزيرين سابقين ( محمد بنعيسى ومحمد الأشعري ) أن طلبا من المسؤولين وخصوصا المجلس البلدي لمدينة الجديدة،حيازة هذه العمارة التاريخية وتحوليها إلى متحف، كما أنه بعد إحداث متحف للذاكرة الدكالية بالجديدة صار من الأجدى أن تفكر الجهات المسؤولة في إمكانية جعل هذه المعلمة ( عمارة كوهين ) متحفا وطنيا للبريد والتلغراف، على اعتبار أن أول بريد محلي بالمغرب أنشئ سنة 1891 داخل القلعة البرتغالية بمزاغان (الجديدة) من طرف جوزيف برودو كان يؤمن خط نقل البريد الخاص (الجديدة – آزمور- مراكش) و ( الجديدة – مراكش ) ضمن الستة عشر خطا ، وذلك عبر سعاة البريد الذين كانوا يحملون اسم « الرقاصة « ويتقاضون أجرا مقابل خدمة إيصال الرسائل ينبني على أساس المسافة الفاصلة وطبيعة استعجال الرسالة ، وقد قام جوزيف برودو في السنة الموالية بتسليم أمر تسيير هذا المكتب لابنه إسحاق برودو الذي عمل على نقل مقر المكتب من القلعة البرتغالية إلى الطابق الأول لعمارة مايير كوهين بعد إحداثها سنة 1914 وظلت تحتضنه لحوالي عشر سنوات …
وعلاقة بأمر المعالم التاريخية بمدينة الجديدة، والتي تعتبر إرثا حضاريا للمنطقة وللبلد ، فإن السلطات الإقليمية مدعوة إلى حصر لائحتها والأدوار التي قامت بها عبر التاريخ المغربي، ومن ثم اعتماد استراتيجية إقليمية ووطنية للحفاظ عليها وجعلها منبرا مفتوحا لإطلاع الأجيال على جزء من تاريخنا الذي يتعرض للنهش من خلال الإجهاز على مقدراته العمرانية التاريخية …