الفنانة البحرينية لبنى الأمين تعرض
أعمالها بأصيلة
دعوة مفتوحة للغرق بـ «جوار البحر»
حوارية صامتة ناطقة بين الشعر والتشكيل، وتجاوز لشعرية السماع نحو كتابة البصر أو شعرية العين، تلك التي تقترحها التشكيلية البحرينية لبنى الأمين على زوار أصيلة ومنتداها الثقافي 46، عبر لوحات معرضها الذي افتتحته يوم 27 شتنبر الحاري برواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، والذي سيستمر الى غاية 31 دجنبر المقبل.
لبنى التي راكمت تجربة فنية لأكثر من ثلاثة عقود، راهنت على استضافة القصيدة الباحثة عن قرين جمالي لها، وعن تجسدن تعبيري آخر تتآلف فيه الكلمة بالصورة، ناظمهما الخيال، منذ تجربتها مع الشاعر البحريني قاسم حداد.
تدعو وتستدعي لبنى الأمين زوار معرضها إلى «جوار البحر» بزرقته ومداه حيث العيون تضيع، الى موجه الأرحم من الحياة، الى رائحة أخشاب القوارب المحترقة كأحلام المهاجرين سرا، الى رحلةٍ برزخِ بين الحلم والموت. هي دعوة للغرق مثنى وثلاث ورباع، حيث لا سبيل الى النجاة من الغرق إلا بالارتماء في أعماق البحر.
عن تجربة الأمين كتب الشاعر البحرين قاسم حداد: «تتعلم لبنى الأمين من التجربة، تجربتها خصوصاً منذ الأبواب الأولى ذات الأخشاب القديمة، التي افتتحتها لبنى ثم دخلت في الرسم، تحول الرسم عندها ضرباً من الكلام .كلام غامض ويزداد غموضاً، لكن رؤيتها تتضح وهي تتقدم في التجربة.
ألوان لبنى الأمين طيور شفيفة تشبه خالقها. وعلينا ملاحظة كيف تتعرف لبنى على «الحداثة»، ليس بوسع لبنى الزعم أنها «حديثة» الرسم، ولن نسمع مزاعمها مهما فعلت. ألوانها تتعرف عن «الحداثة لوحة إثر لوحة.»
بدوره الكاتب المسرحي والناقد الفني المغربي الزبير بن بوشتى كتب عن معرضها الجديد قائلا إنه: يحلو للبنى الأمين أن ترفع المرساة إيذانا بإبحار محترق وخط انطلاق مجهول. فهي لا تأبه أمن الشرق أم من الغرب تنطلق ؟ إلى درة الخليج أم إلى أصيل المحيط تمضي …. ولا يهمها أين ترسو … تلك القوارب التي خانتها أشرعتها؟ تؤرقها حكاية التيار ورحلة السرد في أعالي السؤال عزاؤها أن تتسلى باحتراق، بأسى ممزوج بالدمع المالح ملوحة اليم، تتسلى بأن تُطبق تربة السؤال على أديم الجواب لتتوارى محتمية بمحترفها وما عمرته من مواد و خامات : أوراق كرافط بجوار جرائد مكدسة، ورق باطرون مصفف بعناية وقد جرت فيه دماء الأكواريل، مزق أثواب وأنسجة من شتى الأنواع والألوان تسترخي على محامل خشبية أحالتها أصابع اللهو إلى قوارب تتلبسها أشرعة من ضياء . محترف أحاله الشغب الخلاق إلى غرفة طفلة تلهو بالبحر والقوارب في عز الخطو الأول وعنفوان النطق البراء».
«على جناح الزرقة» للتشكيلي السوري
خالد الساعي:
حين تتخلق القصيدة بين زرقتين
«على جناح الزرقة» يأخذنا التشكيلي السوري خالد الساعي، الذي ألفت جداريات أصيلة ألوانه، يأخذنا لنطل معه من شرفة المخيلة على لوحة مدينة اسمها «زايلا».
لوحات وظف فيها الساعي الحروفية في تركيب بصري يجمع الصورة والكتابة، محاولا أن يجد له لغة خاصة تترجم ولعه وولهه بهذه المدينة، قصائد لشعراء ارتبطوا بأصيلة كمحمود درويش ونوري الجراح، حيث القصيدة بتشكُّلها البصري تعيد تَخَلُّقَها بين زرقة البحر وزرقة السماء.
عن المعرض كتب خوسي ميغيل بويرتا من جامعة غرناطة:»«التصويرية الخطية لخالد الساعي تدفع بصرياً ومفاهيمياً من خلال أحد المسارات الأكثر إثماراً في الفن التشكيلي العربي المعاصر. ويبلغ الفنان في هذا المعرض في أصيلة المستوى التعبيري الأنقى نتيجة التقنية الفريدة الخط / تشكيلية، ونتيجة أيضاً لحب الفنان السوري لهذه المدينة المغربية الجميلة التي يتمازج فيها العنصر الأندلسي والإسباني والإفريقي الشمالي، حيث يلمس المحيط العظيم فيها، الخيال الرقيق لشوارعها وصورها .عندما عدت منذ ثلاثة أشهر لأتمشى في أصيلة بعد غياب ثلاثين سنة ؛ وجدتها وقد ازدادت جمالاً وإشعاعاً، تنيرها الجداريات التي تتجدد سنوياً كمتحف حي على جدرانها، ومن بين تلك الجداريات جدارية خالد الساعي الأخيرة. والتي هي في الأساس، جدار بيت بجانب المحيط الأطلسي، ونحن نشاهدها الآن، وهي تحكي لنا لانهائية الزمن واللغة والخط”.
يرى الفنان التشكيلي والناقد القني المغربي بنيونس عميروش أن أعمال الساعي «تتميز بسلاسة التراكيب التي تفتح له مخارج رحيبة للتعبير والمناورة التشكيلية. المناورة هنا بمعنى التوليف التبادلي الذي يقوم على الكثافة والتكرار والتوالد المنبعث من رحم الحرف الذي يبقي على عنفوانه حتى في حالة تلاشيه نحو حدود اللوحة وخارج إطارها، بينما يشتعل الحرف وينطفئ وفق منطق ضوئي يحكمه توزيع العناصر وطبيعة الخلفية، ومزاج اليد التي تخطط بقدر ما ترسم وتصوّر في آن؛ اليد التي تتحرك وتتفاعل بداية من المعصم ثم الذراع، فيما تنزلق بحسبان على قارعة السطح لتسحب الجسد بكامله داخل القماشة الفسيحة. لعلها حالة النيرفانا التي يسعى إليها الساعي كلما واجه مصير المساحة العذراء، فيمايواجه مصيره في حضرة التنفيذ.»