ودعت مراكش، بعد عصر يوم الجمعة 23 غشت الجاري، المناضل والقيادي الاتحادي والبرلماني السابق والسفير محمد لخصاصي، الذي انتقل إلى عفو ربه مساء يوم الخميس.
وشيع جثمان الفقيد انطلاقا من درب الدردوبة بعرصة إيهري بمراكش العتيقة، حيث أديت صلاة الجنازة على روحه بمسجد سيدي مسعود، لينطلق موكب التشييع في جو مهيب في اتجاه مقبرة الشهداء بباب دكالة حيث ووري الثرى.
وكان جثمان الراحل محاطا برفاق دربه في النضال من الوجوه الاتحادية من مختلف أقاليم الجهة وخارجها، وبعدد من الفعاليات السياسية والنقابية والمدنية، وعدد من مناضلي العائلة الاتحادية واليسار، في لحظة إجماع على قيمة الرجل وتأثيره الكبير ومساره المشرف.
وفي كلمته التأبينية، قال الأستاذ النقيب إدريس أبو الفضل « كان أستاذا لنا في النضال وفي الثقافة السياسية والأخلاق والتواضع والنبل والأمانة.»
وأضاف قائلا « ها أنت تغادرنا في ظروف ما أحوجنا إليك فيها، وهي ظروف تجعلنا في حاجة إلى جيلك الذي نقل المغرب من مرحلة إلى أخرى. وإذا ما خلق فعلا مغربا جديدا، فذلك بناء على تضحيات جيلك وتفانيه، وعلى أمثالك من الرجال الأفذاذ الذي ضحوا بالنفس والنفيس، حتى أنهم ضحوا بالأهل والأبناء وبكل ما يملكون، الكل وضعوه في مقايضة مستقبل شعب يرنو إلى تقدم حقيقي، وإلى ديمقراطية حقيقية، وإلى رفاه حقيقي. لكننا ما زلنا في حاجة إلى أمثالك، إلى جيل تلقى الرسالة من الجيل السابق وأداها خير أداء…».
وقال أيضا « التاريخ طويل، والمعارك متعددة، ورجالها أصبحوا نادرين في هذه المرحلة، لكننا نلاحظ مؤشرات تحولات آتية لا محالة، لأنها البذرة التي بذرتموها أنت وجيلك.. يكفي أن أذكر بشهادة من القائد الفذ والملهم سي عبد الرحيم بوعبيد، رحمه الله، في حقك وبمحضرك، في أحد مطاعم باريس، حيث كان سي عبد الرحيم في لحظات فكره وإشراقاته، وتظل تلك الشهادة نبراسا لخلقك ولكرمك ولوفائك ولانضباطك لقائدك ولأدائك لرسالتك خير أداء…» .
ووصف النقيب أبو الفضل الفقيد بكونه من الذين يوثرون جميع المناضلين على أنفسهم، من الذين عندما تكون المعركة حامية الوطيس، يكونون في المقدمة، وعندما يكون العطاء والتكسب والريع يختفون عن الأنظار.
أما الكاتب الإقليمي للحزب بمراكش عبد الحق عندليب فقد كتب عن الفقيد يقول: « مناضل من عيار المناضلين الكبار الذين عاصروا رواد ورموز وقادة الاتحاد منذ التأسيس حيث كان فاعلا في العديد من الأحداث السياسية التي شهدتها بلادنا منذ عقد الستينيات من القرن الماضي. مناضل خبر كل المحن حين كانت السياسة ومعارضة الاستبداد يؤدى عنها بالعملة الصعبة من خلال تعرضهم للمطاردات والاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية والتعذيب والمحاكمات السياسية الجائرة والنفي الاضطراري…
تعرفت على فقيدنا العزيز عن قرب حين كنت عضوا في الكتابة الإقليمية التي كان على رأسها المناضل الأستاذ إدريس أبوالفضل، حينها ترشح الفقيد لخصاصي للانتخابات البرلمانية لسنة 2002 باسم الاتحاد الاشتراكي بالدائرة الانتخابية مراكش-المدينة وفاز فيها عن جدارة واستحقاق، بعد معركة شرسة خضناها ضد رموز الفساد الانتخابي. كما تعرفت عليه كمناضل خلوق ومتواضع وخدوم وصادق في أقواله وأفعاله ومتسامح حتى مع من أساء إليه.
تعرفت على الفقيد السي محمد لخصاصي كقيادي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حيث انتخب عضوا في لجنته الإدارية ومجلسه الوطني، لعدة مرات، ثم عضوا في لجنة التحكيم والأخلاقيات إلى جانب الفقيد عبد الواحد الراضي. كما ترأس المؤتمر الوطني التاسع في جزئه الأول حيث كان يتميز بالإنصات للمناضلات والمناضلين ومبادر لرأب الصدع ومد جسور المصالحة بينهم في أوقات الشدة والاختلاف. أتذكر هنا بأنني استدعيته بصفتي كاتبا إقليميا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمراكش للحضور في الذكرى 60 لتأسيس الحزب حيث نظمنا، ككتابة إقليمية، حفلا كبيرا تحت شعار» من أجل المصالحة والانفتاح»، والذي حضر فعاليته عضوا المكتب السياسي للحزب الأخوان محمد بن عبد القادر وبديعة الراضي. وقد تم خلال هذا الحفل الكبير تكريم بعض الوجوه الاتحادية ومن بينها الفقيد محمد لخصاصي الذي ألقى بالمناسبة كلمة قوية ومؤثرة دعا فيها كل الاتحاديات والاتحاديين إلى لم الشمل وترصيص الصفوف والاستمرار في الوفاء لرسالة الاتحاد التي قدم من أجلها الرواد والزعماء التاريخيين أروع التضحيات..
السي محمد لخصاصي سيظل بالنسبة لنا كاتحاديين واتحاديات من رموز الاتحاد الخالدين، الذين ضحوا من أجل المواقف والمبادئ والقيم النبيلة التي تأسس الاتحاد من أجلها وناضل في سبيلها وأدى من أجلها ثمنا باهظا، من خلال ما تعرض له من مطاردات وأحكام قاسية غيابيا إلى جانب الاتحاديات والاتحاديين الذين أعدموا أو اعتقلوا أو اختفوا، أو الذين اضطروا للعيش في المنفى الاضطراري في سوريا والجزائر وليبيا وفرنسا، وذلك على إثر الاعتقالات السياسية التعسفية التي تعرض لها الاتحاديات والاتحاديون في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، لاسيما بعد أحداث مولاي بوعزة التي اندلعت في 3 مارس 1973، والتي اعتقل بسببها آلاف المناضلات والمناضلين وأعدم منهم العشرات.
ونعى أحمد المديني، الروائي والقاص والإعلامي البارز، رفيقه الراحل بهذه الكلمات: «أنعى لكم الصديق والأخ الكبير المناضل الاتحادي التاريخي السفير الأستاذ محمد لخصاصي الذي وافته المنية اليوم بعد معاناة من المرض. إنه يتم فاجع لعائلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي هو أحد رجالاتها الكبار ورفاق شهدائها، للجامعة المغربية هو من أساتذتها البارزين؛ ولجميع أصدقائه في المغرب وباريس حيث عاش منفيًا ردحاً من الزمن، ولرفاق العروبة والنضال القومي في المشرق العربي».
معن بشور المفكر والكاتب السياسي القومي العربي
وكتب معن بشور، المفكر والكاتب السياسي القومي العربي،عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي ونائب أمينه العام (2000-2003) وأمينه العام (2003-2006) وعضو لجنة المتابعة في المؤتمر القومي الإسلامي منذ تأسيسه….
حين وصلني من الأخ والصديق العزيز والمفكر الكبير الدكتور عبد الإله بلقزيز نبأ وفاة الصديق المشترك ونائب مدينة مراكش المغربية لعدة مرات والقيادي البارز في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسفير المغرب السابق في سورية الدكتور محمد لخصاصي، عادت إلى مخيلتي على الفور صورة ذلك الشاب المغربي النحيل والأنيق والمثقف والمناضل المحكوم بالإعدام في بلده، والرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب محمد لخصاصي حين جاءنا إلى بيروت في أواخر سبعينيات القرن الماضي ليمثل حزبه الاتحاد الاشتراكي في حفل إحياء ذكرى اغتيال (اختطاف) المناضل والقائد المغربي والعربي والأممي الكبير المهدي بن بركة الذي اختطف من باريس عام 1965 وليختفي أثره منذ ذلك الوقت .
خلال تلك الزيارة توطدت علاقتي وإخواني في تجمع اللجان والروابط الشعبية، أصحاب المبادرة في إحياء ذكرى الشهيد بنبركة، بالراحل محمد لخصاصي، وتعرفنا إليه كمناضل صلب ومثقف متميز، وكنت حريصاً في كل زياراتي إلى المغرب أن التقي به مستمتعاً بثقافته العالية وبتجربته النضالية الغنية خصوصاً بعد أن اختارته جامعة محمد الخامس أستاذا للتاريخ فيها.
نم قرير العين أخي محمد، أيها المناضل التقدمي العروبي الصادق، والسياسي البارع، والأكاديمي المميّز، والديبلوماسي المتألق، وصاحب الضمير المتقّد، والعزاء لزوجتك ورفاقك في المغرب وفي كل أرجاء الوطن العربي.