تطورات قضية الصحراء المغربية والمبادرة الأطلسية الملكية تتصدران افتتاح منتدى ميدايز بطنجة

رؤساء دول يشيدون بالرؤية الملكية في تعزيز الاستقرار والتنمية بالقارة الإفريقية

 

 

تصدرت قضية الصحراء المغربية والمبادرة الملكية الأطلسية أشغال الجلسة الافتتاحية لمنتدى «ميدايز» في دورته السابعة عشرة، التي احتضنتها مدينة طنجة مساء الأربعاء، حيث جرى تقديمها بوصفها تجسيدا عمليا لرؤية سيادية تنقل المغرب من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة والتأثير. وفي هذا السياق، أكد الرئيس المؤسس لمنتدى ميدايز ورئيس معهد أماديوس، إبراهيم الفاسي الفهري، أن المملكة، في ظل سياق دولي يتسم بتصاعد حاد في الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تبرز اليوم كقوة توازن وفاعل محوري في الجنوب العالمي، مستندة إلى رؤية ملكية تقوم على السيادة والقدرة على الصمود والتضامن. وأوضح أن الدبلوماسية المغربية تعتمد مقاربة منفتحة وحازمة وبراغماتية، تستند إلى هوية إفريقية وأطلسية ومتوسطية وكونية، وهو ما مكنها من أن تتحول إلى قطب للاستقرار والحوار والتنمية المشتركة، وتعزز في الآن ذاته دورها داخل جنوب عالمي أصبح قادرا على التأثير في هندسة النظام الدولي.
وفي ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، شدد الفاسي الفهري على أن القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن في 31 أكتوبر الماضي وضع حدا نهائيا لنصف قرن من الغموض، من خلال تكريس مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد الجاد وذا المصداقية والواقعي، معتبرا أن هذا التطور التاريخي ثمرة دبلوماسية مغربية صبورة ومنسجمة وثابتة، مدعومة بورش تنموي غير مسبوق في الأقاليم الجنوبية، جعل منها نموذجا في الاستقرار وجاذبية الاستثمار.
وفي امتداد هذا التصور، جرى إبراز المبادرة الملكية الأطلسية، التي أطلقت سنة 2023، باعتبارها تحولا استراتيجيا يضع جنوب المملكة في صلب فضاء جديد للتكامل والنمو والاستقرار لفائدة إفريقيا، من خلال تمكين دول الساحل من منفذ بحري سيادي نحو المحيط الأطلسي، بما يعكس إرادة المغرب في إعادة رسم الجغرافيا الاقتصادية للقارة على أسس تقوم على التكامل لا التبعية.
أما على مستوى المواقف السياسية، فقد جاءت مداخلات رؤساء الدول لتعكس انسجاما واضحا مع الرؤية المغربية. إذ نوه رئيس جمهورية غامبيا، أداما بارو، بالقيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، معتبرا أن المبادرات الملكية والزيارات الرسمية والاتفاقيات الملموسة أسهمت في إعادة رسم معالم التعاون جنوب-جنوب، مع إبراز أثرها في مجالي التنمية والتعليم. كما أكد أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تمثل نموذجا واقعيا لتسوية النزاعات الإقليمية، مشددا على دور المملكة في تعزيز الاستقرار والازدهار بالقارة الإفريقية، وداعيا إلى جعل إفريقيا قارة للحلول تمتلك القدرة على لعب دور محوري في الحكامة العالمية والتنمية المستدامة.
من جهته، اعتبر رئيس جمهورية ليبيريا، جوزيف بواكاي، أن موضوع الدورة يعكس واقعا دوليا يتسم بعدم اليقين وتسارع التحولات، داعيا إلى التفكير الجماعي في موقع إفريقيا داخل هذا العالم المتغير، ومشددا على ضرورة أن تطالب القارة بمكانتها الشرعية باعتبارها صانعة لمصيرها، لا مجرد متلق لقرارات القوى الكبرى، في تأكيد مباشر على مركزية السيادة في بناء مستقبل إفريقي مستقل. أما رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، فقد عبر عن بالغ التقدير لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على التزامه الراسخ بدعم الحوار البناء وتعزيز الشراكات بين دول الجنوب، مشيدا بجهود المغرب التي تجسد قيادة واعية ورؤية استراتيجية تسعى إلى إعادة التوازن لنظام عالمي يواجه تحديات غير محسوبة العواقب. وأبرز أن منتدى ميدايز، منذ تأسيسه سنة 2008، تحول إلى منصة دولية مرجعية لأصحاب الفكر والقرار لتبادل الرؤى بشأن القضايا الكبرى التي تواجه دول الجنوب، في سياق تتعمق فيه الأزمات وتتقاطع فيه المصالح الدولية.
وفي بعد آخر من النقاش، توقف رئيس وزراء غرينادا، ديكون ميتشيل، عند هشاشة الدول الصغرى في مواجهة التحولات المناخية والاقتصادية، مؤكدا أنها تعيش آثار التوترات العالمية بشكل أكثر حدة، وهو ما يستدعي تضامنا دوليا متجددا وحوارا أكثر انفتاحا، مع التشديد على أن التعاون يظل ممكنا رغم حدة الانقسامات التي يشهدها العالم.
وعلى مستوى البعد المؤسساتي، واصل منتدى ميدايز تكريس موقعه كرافعة للقوة الناعمة المغربية، مستلهما السياسة الخارجية الطموحة والاستباقية للمملكة، التي تجمع بين الواقعية الاستراتيجية والانفتاح المتوازن. كما شكلت «قمة ميدايز للاستثمار» بعدا موازيا يعكس حرص المنتدى على تحويل النقاش السياسي إلى دينامية اقتصادية فعلية، من خلال تشجيع الاستثمارات الاستراتيجية وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يدعم نموذجا تنمويا مستداما وشاملا.
وبهذه الرهانات والمضامين، شكلت طنجة في هذه الدورة فضاء لصياغة خطاب جديد حول إفريقيالا يكتفي بوصف التحديات، بل يعيد هندسة موقع القارة ضمن نظام دولي أكثر تعددية، بينما يرسخ المغرب حضوره كفاعل متزن يجمع بين السيادة والتنمية والاستقرار، ويقترح رؤية متكاملة لمستقبل الجنوب في زمن تتسارع فيه التحولات وتحتدم فيه الاستقطابات.


الكاتب :   طنجة: عماد عادل

  

بتاريخ : 28/11/2025