تعاني من أعطاب، جهل وضعف تكوين، بنية إلكترونية هشّة وتسريب للمعطيات… الرقمنة في الإدارات المغربية: طموح كبير بتحديات عديدة

 

اختار المغرب أن يخوض غمار التحول الرقمي كخيار استراتيجي يهدف إلى تحسين جودة الخدمات الإدارية، وتقريب الإدارة من المواطن، وتعزيز الشفافية، حيث أطلقت الجهات المختصة خلال السنوات الأخيرة مجموعة من المشاريع والمبادرات التي تروم رقمنة مختلف الإجراءات والمساطر الإدارية، أملا في الانتقال من إدارة تقليدية، بطيئة ومعقدة، إلى إدارة رقمية أكثر فعالية وسرعة وانفتاحا، غير أن هذا الطموح الرقمي يصطدم، في كثير من الأحيان، بواقع ميداني معقد، تعترضه عدة تحديات، من بينها ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، التفاوتات الاجتماعية والجغرافية، محدودية التكوين الرقمي لدى فئات واسعة من المواطنين، وأحيانا مقاومة بعض العقليات الإدارية لهذا التغيير. وفي ظل هذه المعطيات، يطرح المهتمون عددا من الأسئلة بإلحاح ومن بينها مدى ملامسة المواطن المغربي فعلا هذا التحول الرقمي؟ أم أن ما تحقق إلى حد الآن لا يزال جزئيا وشكليا في نظر المعني الأول من الخدمة العمومية؟
زمن الأزرار
في زمن تُدبَّر فيه المعاملات بضغطة زر، وتُنجز فيه الإجراءات الإدارية إلكترونيا خلال ثوان معدودة بدل أيام، يكون المرتفق المغربي أمام واقع قد يختلف عما يتابعه نظريا في علاقة بثمار التحول الرقمي في إدارات الدولة، فبالرغم من البرامج الحكومية المعلنة، والمنصات الرقمية التي أُطلقت، لا يزال كثير من المواطنين يقفون في طوابير الإدارات حاملين ملفات ورقية ومعها أسئلة عن معنى «الرقمنة»، وإن تم خلال السنوات الأخيرة إطلاق مبادرات رقمية ضمن رؤية «الإدارة الإلكترونية» كما هو الحال بالنسبة للبوابة الوطنية للخدمات العمومية التي تجمع معلومات عن الإجراءات الإدارية، إضافة إلى منصة رخص الخاصة بطلب التراخيص المرتبطة بمجال التعمير والبناء، مرورا بموقع المديرية العامة للضرائب الذي يُمكّن المواطنين من التصريح وأداء الضرائب إلكترونيا، فضلا عن رقمنة عدد من الخدمات في قطاعي العدل والجماعات الترابية مثل الحصول على السجل العدلي أو وثائق الحالة المدنية، إضافة إلى تعزيز استخدام التوقيع الإلكتروني في بعض الإدارات، وتحديث نظام العمل داخل المكاتب الرقمية.
مرتفقون بين الأمل والمعاناة

رغم الجهود المبذولة في مجال الرقمنة فإن المرتفق يظل في كثير من الأحيان بعيدا عن الشعور الكامل بفعالية هذا التحول، وهو ما عكسته عدد من الشهادات التي استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من عدد من المواطنين، ومن بينهم، «حفيظة . ع»، وهي موظفة سابقة تقطن في مدينة الدار البيضاء، التي أوضحت من خلال شهادتها بأنها في فترة معينة رغبت في استخراج شهادة إدارية عبر بوابة الجماعة، لكن الموقع لم يكن يشتغل، مما جعلها تضطر للذهاب إلى الإدارة حيث انتظرتُ أكثر من ساعتين، مما جعلها تطرح سؤالا حول ما إذا كان هذا المثال يعكس بالفعل توجها رقميا للإدارة المغربية بشكل عام؟
من جهته، أوضح «عبد المجيد»، وهو شاب من مدينة خنيفرة، بأن الرقمنة تتطلب وعيا تكنولوجيا وتجيهزات لتحقيق الفعالية، مشيرا بالقول «لا توجد تغطية جيدة للأنترنيت في قريتنا، وحتى لو كانت، فعدد كبير من السكان لا يعرفون كيف يتعاملون مع المواقع، وهو ما يجعلنا نواصل إرسال أبنائنا إلى المركز الجماعي للحصول على أبسط وثيقة».
رقمنة على الورق

من بين المفارقات الغريبة التي يصطدم بها مجموعة من المواطنين، المعطى المتمثل في مطالبة العديد من الإدارات المغربية المواطن بتحميل وملء وثائق من مواقعها إلكترونية، ثم الحضور شخصيا لتسليمها، وهو ما يفرغ العملية من مضمونها الرقمي. وحتى حين يكون الطلب إلكترونيًا، غالبا ما يطلب من المواطن جلب وثائق يمكن أن تُستخرج مباشرة من قواعد بيانات الدولة نفسها، مثل شهادة السكنى أو نسخة من السجل العدلي وغيرهما.
وإلى جانب ذلك هناك إشكال كبير آخر يواجه مشروع التحول الرقمي بالمغرب والمتعلق بالفجوة الرقمية بين الحواضر الكبرى التي تعرف سرعة أنترنت عالية ومواطنين ملمين نسبيا بالتكنولوجيا، وبين المناطق القروية والهامشية، حيث تغيب التغطية التقنية ويضعف الوعي الرقمي، وهذا ما أكده تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي في أحد تقييماته، حيث أشار إلى أن «التحول الرقمي بالمغرب لا يمكن أن ينجح دون إدماج فعلي لكل الفئات الاجتماعية والجغرافية».
بين التقنيات والعقليات

يرى عدد من الخبراء أن التحدي الحقيقي ليس فقط في رقمنة الخدمات، بل في تغيير العقليات داخل الإدارة، واعتماد ثقافة «المواطن أولا»، بدل البيروقراطية المتجذرة، ويشير المنتقدون إلى أن «التحول الرقمي ليس مجرد حواسيب ومواقع إلكترونية، بل هو تصور جديد للعلاقة بين الإدارة والمواطن، يقوم على الشفافية، السرعة، والتواصل الفعال».
إن التحول الرقمي في المغرب ليس وهما، بل هو مشروع حقيقي انطلقت ملامحه، لكنه يواجه اختلالات بنيوية ومعيقات اجتماعية وتقنية يجب التعامل معها بواقعية، فالمواطن المغربي يلمس أحيانا تحسنا في بعض الخدمات الرقمية، لكنه يصطدم في أحيان كثيرة أخرى بجدران من الأعطال، أو نقص التوجيه، أو ببساطة بالحنين الإداري إلى الورق. ولكي يتحول «التحول الرقمي» إلى واقع يومي يشعر به الجميع، فلا بد من تسريع رقمنة كافة المساطر، وتبسيط الولوج إليها بلغة المواطن العربية والأمازيغية، والعمل على تكوين الموظفين والمواطنين على استخدامها، إلى جانب تحسين البنية التحتية المعلوماتية، خاصة في العالم القروي، وأساس ضمان حماية المعطيات الشخصية من الاختراق والتلاعب بها أو استغلالها في أمور غير سليمة، فقط آنذاك، سيكون للإدارة المغربية وجه رقمي حقيقي يراه المواطن ويشعر به، بدل أن يسمع عنه فقط في التصريحات الرسمية.


الكاتب : الرايسي لمياء

  

بتاريخ : 18/06/2025